العنصرية الفاشية في أوروبا تغتال أنصار القضايا العادلة

38serv

+ -

أعاد اغتيال النائب البريطانية والداعمة للقضية الفلسطينية جو كوكس، طعنًا وبإطلاق النّار بطريقة وحشية، أعاد إلى الأذهان مقتل وزيرة خارجية السويد السابقة آنا ليند بنفس الطريقة تقريبًا، بعد تلقّيها 9 طعنات في محل ألبسة نسائية داخل مجمع تجاري، بسبب مناصرتها للقضية الفلسطينية، وكذا مجزرة أوسلو الّتي قُتِل فيها 77 شخصًا على يد مَن يُسمّيهم الغرب “معتوهين ومرضى نفسيين!”.جو كوكس.. نائبة الإنسانية في البرلمان البريطاني صُدم الرأي العام في بريطانيا كما في بقية دول العالم لمقتل النائبة عن حزب العمال المعارض جو كوكس، وهي أوّل نائبة في البرلمان البريطاني تتعرّض للقتل منذ اغتيال إيان جو في التسعينيات، في آخر حلقة من سلسلة هجمات استهدفت سياسيين على يد الجيش الجمهوري الأيرلندي.توفيت النائبة في مجلس العموم عن حزب العمال المعارض متأثرة بجراحها في اعتداء بسكين وسلاح ناري على يد متطرف عنصري بريطاني، في دائرتها الانتخابية شمالي إنجلترا الخميس الفارط، وهو ما ينبئ بتنامي العنصرية والفاشية المتصاعدة في بريطانيا وفي العالم أجمع، ويستدعي من كافة دول العالم وضع الخطط اللازمة من أجل التصدي لهذه العنصرية الفاشية الجديدة.وكانت كوكس، العاملة الإنسانية السابقة والمؤيّدة لحملة البقاء في الاتحاد الأوروبي والمعروفة بدفاعها عن اللاجئين السوريين والمناصرة أيضًا للقضية الفلسطينية، والّتي دافعت في خطابها الأول أمام البرلمان عن الهجرة والتنوع، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 41 عامًا، كانت تقيم مع زوجها برندان وطفلتيهما (3 و5 سنوات) في مركب على نهر تيمز، هوجمت في الشارع، قبل أن تبدأ باستقبال المراجعين من أبناء دائرتها في مكتبة ببلدة بيرستال القريبة من مدينة ليدز.وحُدِّدت هوية قاتل كوكس بأنه شخص من سكان قرية بريستال الّتي تقع ضمن دائرتها الانتخابية يدعى تومي ماير (52 سنة). وأفاد شهود عيان بأن القاتل الّذي ألقي القبض عليه صاح “بريطانيا أولاً” قبل أن يوجّه لها عدّة طعنات. ورفضت الشرطة في ويست يوركشير مناقشة الدوافع المحتملة وراء الحادث، رغم التقارير الّتي تؤكد تعاطف المتهم مع المجموعات اليمينية المتطرفة.وقال زعيم حزب العمال جيرمي كوربين في بيان “حزب العمال كله وأسرة العمال، وفي الحقيقة البلد كله، يشعر بالصدمة لحادث القتل المروع”. وأضاف كوربين “جو توفيت وهي تؤدي واجبها العام في قلب ديمقراطيتنا، تستمع إلى الناس الذين انتخبت لخدمتهم وتمثلهم”، وأكمل حديثه “في الأيام المقبلة، ستكون هناك أسئلة ينبغي الإجابة عنها بشأن لماذا وكيف ماتت؟”.من جهته، وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مقتل كوكس بأنّه مأساة. ونشر كاميرون تغريدة قال فيها إن “مشاعرنا وصلواتنا مع جو وأسرتها”.وقد نشر زوجها بريندان كوكس على موقع “تويتر” صورة لها تقف على ضفة نهر التايمز في لندن. وقال إنّها حاربت من أجل “عالم أفضل”، وأضاف “كانت تريد أمرين قبل كل شيء: الأول أن يغمر أطفالنا بالحب، والثاني أن نتحد لنكافح معًا الكراهية التي قتلتها”.صحفي بريطاني: ماذا لو كان قاتل كوكس مسلما؟!ومن جهة أخرى، استهجن صحفي بريطاني طريقة التغطية الإعلامية في بلاده لحادث اغتيال النائب جو كوكس على يد أحد رافضي بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوربي. وقال مدير تحرير صحيفة “فايننشال تايمز” روبرت شريمسلي في مقال: لو أنّ القاتل كان مسلمًا أو واحدًا من أبناء المهاجرين لمَا اتّسمت تغطية الإعلام البريطاني للحدث بهذه الحصافة والتعقل. وأردف “لو أن القاتل مسلم لما قرأنا على الصفحات الأولى أن ما حدث من فعل انطوائي مجنون، حتّى لو كان ثمّة دليل منطقي على ذلك”. وقال إن هناك تقارير تتحدث عن أن قاتل جو كوكس “المزعوم” له صلات بجماعات يمينية ذات نفوذ متطرف، لكن الإعلام يتعامل معها بكل حرص وحذر. وأوضح أنّ معظم المشتغلين بالسياسة ووسائل الإعلام يترقبون الحصول على مزيد من المعلومات قبل التسرّع في إطلاق الأحكام بشأن دوافع القاتل والمؤثرات التي دفعته لارتكاب جريمته “الشنعاء”. واستطرد شريمسلي “من المثير للعجب أن صحيفتي ذي صن وذي ديلي ميل، وهما مؤسستان لم يُعرف عنهما التناول الحذر والرزين، كلتاهما أكدتا أن القاتل المزعوم انطوائي مجنون، أو متوحد ومريض عقليًا”.وكتب مدير تحرير “فايننشال تايمز” متسائلاً “غير أن من حقّ المرء أن يتساءل عمّا إذا كانت وسائل الإعلام ستتوخى الحرص ذاته في تقييم الأدلة لو كان القاتل من خلفية مختلفة”. وأضاف بلهجة لا تخلو من تعجّب “كيف ستكون عناوين الصحف لو أنّ القاتل ردّد عبارة الله أكبر أثناء ارتكاب الجريمة؟”.وقدّم شريمسلي في ختام مقاله نصيحة للإعلام البريطاني بضرورة التعامل بنفس الحرص والحذر عند تناول دوافع وخلفيات مرتكب الجريمة “المنفرد” إذا تبيّن أنه مسلم.آنا ليند.. الوزيرة التي أنصفت العرب والمسلمين في السويد صُدم المجتمع السويدي، وخاصة المسلمون والمناصرون للقضية الفلسطينية، بمقتل وزيرة خارجية بلادهم آنا ليند يوم 10 سبتمبر 2003، بعد أن تلقت في ظهرها وفي أجزاء أخرى من جسدها النحيل عدة طعنات بسكين حاد، وسط متجر وهي تتسوق مع صديقتها في وضح النّهار!تلقت آنّا ليند عندما كانت تقوم بالتسوق في متجر نورديسكا كومبانيات في وسط ستوكهولم، طعنات في الذراع والبطن والصدر، وأخرى نافذة في الكبد والمعدّة، على يد الشاب ميخائيل ميجائيلوفيتش (36 سنة) سويدي من أصل صربي، على مرأى من رواد المتجر، ومن بينهم زميلتها وصديقتها إيفا فرانهيل الّتي روت في وقت لاحق شهادتها عن وقائع الجريمة خلال محاكمة ميخايلوفيتش، وتوفيت على أثرها بعد يوم.وكان مقتل آنّا ليند هو الحادث الثاني الذي تذهب فيه حياة سياسي مرموق قتلاً في السويد. وإن كان حادث اغتيال رئيس الوزراء الأسبق أولوف بالمه قد تمّ بإطلاق نار تحت جنح الظلام، فإن ليند طعنت في وضح النهار وفي مكان عام. لكن الأمر المشترك في الحادثين أن بالمه وليند كانَا في وقت مهاجمتهما دون حماية أمنية.ومنذ مقتل آنّا ليند ضاعفت شرطة الأمن السويدية “سيبو” من حجم الحماية الأمنية التي تخصّصها للشخصيات السياسية، وارتفع عدد العاملين فيها من 60 إلى 130 شخص.آنا ليند كما يقول المقرّبون منها ليست مجرّد دبلوماسية تتقن فنّ العلاقات السياسية والإصلاح بين المتخاصمين الدوليين، بل نجحت إلى أبعد الحدود في دمج السياسي بالثقافي والدبلوماسي بالإنساني. كما كانت ضدّ عسكرة الدبلوماسية، فوقفت ضدّ الحرب الأمريكية على أفغانستان وبعدها على العراق، وتحدّت رئيس وزراء الكيان الصهيوني آرييل شارون أكثر من مرّة ووصفته بالمجنون، وقالت إنّها ستباشر بشكل شخصي مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في السويد ولن تشتري فواكه القادمة من هناك، وقالت كيف نستسيغ الاحتجاج على قتل الدب الأبيض في القطب الشمالي لصناعة الفراء، ولا نُحرّك ساكنًا إذا قتلت الدبابات الإسرائيلية أسرة فلسطينية بأكملها؟!وفي عام 1998 اختيرت آنا ليند وزيرة للخارجية السويدية، وكانت آنذاك من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية وحقوق الإنسان واندماج المهاجرين، وتصدّت بقوّة للعنصرية ضدّ المهاجرين. وكانت تحظى باحترام أوروبي حتّى من معارضيها، وكان لمقتلها وقع الصّدمة في الأوساط السياسية الأوروبية، كما أثار اغتيالها جدلاً واسعًا، ما جعل الكثيرين في السويد يطالبون بفتح ملف اغتيالها الّذي رأوا فيه عملاً سياسيًا، خاصة لمهاجمتها المستمرة للسياستين الأمريكية والإسرائيلية ودفاعها المستميت عن القضية الفلسطينية، وانتهى سير القضية بالحكم على الجاني بالمؤبّد بعدما تأكّدت المحكمة من قواه العقلية.وكان مكتبها في ستوكهولم مفتوحا لأيّ فلسطيني وعربي ومسلم، وكانت تلقائية في حياتها متواضعة إلى أبعد الحدود، تتجوّل وحدها في الأسواق وبين النّاس، وتسافر بالقطاع وحدها لتزور أولادها في منطقة نيشوبينغ إحدى محافظات السويد.وكانت تؤمن بحوار الحضارات والدّيانات، وأقامت وزارتها مؤتمرًا كبيرًا في ستوكهولم عن أوروبا والإسلام، دعيت إليه شخصيات إسلامية من دول إسلامية، من منطلق إيمانها بأنّ الأمر ما دام محصورًا في دائرة الفكر والنقاش فلا ضير في ذلك وبالإمكان مقارعة الحجّة بالحجّة والفكرة بالفكرة والدليل بالدليل.وقد أقام مسلمو السويد لدى وفاتها بعد يومين أكبر تأبين إسلامي في الغرب لامرأة غير مسلمة، وقد دعا مجلس الأئمة في السويد إلى تخصيص خطبة الجمعة في جميع مساجد البلاد للحديث عن مناقب السيدة آنا ليند، حيث أشاد الخطباء بتسامحها ومواقفها الجريئة ضدّ العنصرية ومعاداة الأجانب وبدفاعها عن حقوق الإنسان وحقوق المهاجرين واندماجهم في المجتمع السويدي ومواقفها في الدفاع عن الفلسطينيين وقضيتهم العادلة.ويتذكر مسلمو السويد مواقف آنا ليند في محاربة الأفكار المعادية للعرب والمسلمين في أوروبا إثر أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وإصدارها كتابا مدرسيا بعنوان “يا آلاه أو يالا.. الآن نزيّن نحن الغصن” لتثقيف النشء الجديد بماهية الإسلام كدين تسامح ومحبّة، والكتاب وُزّع على جميع مدارس البلاد مجانًا، مع توصية إلى المدرّسين بالاهتمام بشرحه أمام التلاميذ. ويوم صدوره عقدت الوزيرة مع وزيرين آخرين هما وزيرة الديمقراطية ووزير المدارس مؤتمرًا صحفيًا لشرح أبعاد هذا الكتاب وأهمّيته، ثمّ توجّهت بنفسها حاملة نسخًا منه إلى مسجد ستوكهولم المركزي في العاصمة السويدية لتهديها إلى مكتبة المسجد.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات