38serv

+ -

إنّ مسألة تنظيم الإسلام للحياة الاجتماعية في جوانبها المختلفة بدأت في عصر مبكّر، وكانت نتيجة للوحي القرآني ولوقائع السِّيرة النّبويّة العطرة أكثر ممّا كانت ثمرة للاجتهاد النّظري الفقهي الّذي اتّسعت آفاقه على تعاقب الأيّام.ومدلول التّبكير في ظهور هذه النُّظم يزداد وضوحًا إذا أكّدنا أنّ الدولة الإسلامية لم تولد بعد الهجرة بل إثر بيعتي العقبة. وقد حدثت الأولى قبل الهجرة النّبويّة بسنة وثلاثة أشهر وحضرها اثنا عشر رجلاً من أهل المدينة، وكانت الثانية بعد ذلك بعام واحد في موسم الحجّ وحضرها ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان وتَمّ التعاقد فيهما على وضع أسس المجتمع الجديد من توحيد الله عزّ وجلّ وعمل صالح ومكارم الأخلاق وعلى الطّاعة في المعروف والمجاهدة بالحقّ والتّضامن في الحرب والسّلم.فلقد جاءت تباشير النّصر من المدينة المنورة التي أصبحت بما وفد منها من وفود، موطن الإسلام ومستقرّ دعوته الخالدة، ومركز التحوّل في تنظيمه السياسي والاجتماعي، ثمّ كانت الهجرة النّبويّة المباركة تجسيدًا لهذه التنظيمات بمعناها الشّامل الواسع الّذي زادته الوقائع تفصيلاً وتوضيحًا، إذ أتيحت للجماعة الإسلامية أن تنتقل مجاراة لتطور الحوادث، من المرحلة النّظرية إلى المرحلة العملية.ومن هنا نستنتج أنّ الحياة الجديدة في المدينة على كثرة ما استدعت من تنظيمات وتشريعات، لم تكن إلاّ امتدادًا لحياة الجماعة الإسلامية في مكة المكرمة، وإنّما كان جوّ المدينة أكثر ملاءمة للتّشريع ولإظهار الحركة السياسية والاجتماعية والعسكرية في شكل جديد. وذلك ما حمّل المستشرق “جب” على التصريح بالحقيقة التاريخية التالية “إنّ تصوّر محمّد لرسالته لم يعتره تحوّل ولا انقلاب، وإنّما ظهرت الحركة الإسلامية في المدينة بصورة جديدة من الناحية الشكلية، يوم نشأ في يثرب مجتمع قائم بذاته، منظم على قواعد أساسية تحت قيادة رئيس واحد”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات