الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للجزائريين في خطر

38serv

+ -

أعلنت الحكومة، عن طريق إجراءات تضمنها مشروع قانون المالية 2017، الحرب على مدخول الموظف والعامل بدءا من بداية السنة المقبلة. فالضريبة التي ستفرض على الراتب الشهري من مصدره، ستنزل بالأجير إلى مستويات دنيا من المعيشة، ما سينسف مكتسبات اجتماعية، طالما وظفتها السلطات للإشادة بـ”إنجازات” على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. وبذلك فالحكومة عقدت العزم على البحث عن الحل السهل، لتخفيف عجز الميزانية التي تضررت بسبب انخفاض عائدات النفط، فلم تجد غير المواطن كحلقة ضعيفة لتفرض عليه ضرائب قاهرة. وهي في ذلك مستفيدة من ضعف الأطر الاجتماعية التي يفترض أن تقف في صف المواطن دفاعا عن قوته، كالنقابة المركزية التي كانت أول من دعم السياسات الحكومية غير الشعبية. وباتت الإجراءات الحكومية الجديدة تشكل هاجسا لدى الحقوقيين، من أن تمس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجزائريين.الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على المحكالشعب يدفع “كاش” ثمن البحبوحة “الشعبوية”! تتلقى الحكومة الجزائرية سنويا ملاحظات سلبية من آليات الأمم المتحدة، المتخصصة في مراقبة مدى احترام حقوق الإنسان. فعلاوة على التعدي على الحق في التعبير وحرية الرأي، تتهم السلطات بعدم ضمان خدمة صحية لائقة وبالعجز عن تقديم مستوى تعليمي جيد لملايين الأشخاص. أما عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فمع ترقب مضاعفة الاقتطاع من أجور العمال بموجب قانون المالية 2017، سيضطر غالبية المواطنين إلى شد الحزام بعد سنوات قضوها في بحبوحة شعبوية. وتعتزم الحكومة، بحسب مشروع قانون المالية الجديد، نزع ما يقارب 5 ملايير دولار من “الأصل”، بمعنى من الراتب الصافي لملايين الأجراء، وهو إجراء سيتلقاه العمال والموظفون وكأنه عقوبة على ذنب اقترفتها الحكومة بسياساتها الاقتصادية الخاطئة. فالتبعية التامة للمحروقات والاتكال المفرط على عائداته، لتمويل البرامج الاجتماعية والاقتصادية، تتحمل نتائجها السلبية الحكومة وحدها، فهي تسعى إلى سدّ عجز الميزانية بفرض مزيد من الضرائب على أصحاب الدخل المتوسط، عوض التفكير في بدائل أنفع للخزينة العمومية كزيادة الضريبة على الثروة، التي تعتمدها العديد من الدول الأوروبية التي تواجه مشاكل اقتصادية. فأعباء الأزمة في هذه الدول، يتحمّل الجزء الأكبر منها الأغنياء عن طريق إلزامهم بدفع المزيد من الضرائب والرسوم، بحكم أنهم أقل فئات المجتمع تضررا من تقليص برامج الإنفاق العمومي، بل هم في الكثير من الدول محرومون من هذه البرامج الموجهة حصريا لذوي الدخل المحدود.وتصنف الأمم المتحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في الغذاء الكافي والسكن اللائق والتعليم والصحة، والضمان الاجتماعي والمشاركة في الحياة الثقافية، والحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي، زيادة على واجب الحكومة في توفير مناصب شغل للمواطنين، غالبية هذه الحقوق، إما تعجز الحكومة عن توفيرها تماما للمواطنين أو مقصّرة في توفيرها بالشكل الملائم، وأهمها الشغل والصرف الصحي والماء الصالح للشرب، والصحة والتعليم. في آخر تقرير للأمم المتحدة عن حالة هذه الحقوق في الجزائر، (10 ماي 2016)، جاء بأن الجزائر “مطالبة ببذل مزيد من الجهد لضمان عدم ترك أي فرد من دون رعاية صحية”. وقد ذكر المقرر الأممي الخاص المعني بهذه القضايا، دينيوس بوراس، على إثر زيارته الجزائر في أفريل الماضي، بأن العشرين سنة المقبلة “تمثل منعطفا هاما للجزائر من أجل تحقيق هدفين هامين متداخلين هما، بلوغ أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، بما في ذلك الاستثمار في صحة الفرد والمجتمع، وضمان تفعيل الحق في صحة سكانها”. ولاحظ المقرر أيضا، أن تحديات كبيرة تنتظر الجزائر في مجال حق المرأة في الصحة. وتحدث في تقريره عن “حواجز تمنع الحصول على الخدمات المتعلقة بالصحة والإعلام والتعليم”. هذه المعاينة تمت على إثر عمل دام أسبوعين، تمثل في زيارة المرافق والمنشآت الصحية ومراكز الصحة العقلية والمدارس، في الجزائر العاصمة والبليدة والجلفة وسطيف وتيبازة ووهران.غير أن الملاحظات التي صدرت عن المقرر الأممي، تختلف تماما عن الرضى الذي يبديه المسؤولون في خطابهم. مع أن الحكومة سمحت له بإجراء تحقيقات ميدانية بنفسه للتأكد من مستوى التمتع بالحقوق، لتأخذ في النهاية بتوصياته فتصحح الأخطاء وتسد الثغرات. فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، قال في خطاب ذكرى 20 أوت الماضي، إن “الإنجازات” تملأ أرض الجزائر منذ وصوله إلى الحكم. والجزائريون ينعمون، حسب الرئيس، بالخدمات، كالصحة والكهرباء والتعليم، وحرية الرأي والتعبير مكفولة للجميع، برأيه. ومن لا يعترف بذلك فهو جاحد وناكر للجميل، في نظر بوتفليقة!ويتفق خبراء الاقتصاد على أن سنة 2017 ستكون صعبة على الجزائريين، بسبب توقع استمرار سعر النفط في مستوياته الحالية المتدنية. إذ من المنتظر أن تنعكس عليهم أول القرارات التي اتخذتها الحكومة، خلال العام الجاري، كوقف مشاريع بناء المدارس ومؤسسات الصحة الجوارية والمستشفيات، والطرقات. وإذا لم تجد الحكومة حلا عاجلا لمشكلة التمويل في غضون العامين المقبلين، ستواجه البلاد حالة العجز الكامل في 2019.   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: