38serv

+ -

خاطب الله جلّ جلاله أهل الكتاب من اليهود والنّصارى، ومن خلالهم النّاس أجمعين، إقامةً للحُجّة عليهم وقطعًا لعذرهم، فقال وقوله الحقّ: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وهذه الآية صريحة في أنّ أنبياء بني إسرائيل عرّفوهم بالنّبيّ الخاتم صلّى الله عليه وسلّم وصفاته وسماته وخصائصه، وأهمّه ما هو مذكور هنا: المكرم بالرّسالة والنّبوة، الآمر بالمعروف النّاهي عن المنكر، المحلّ للطيّبات المحرّم للخبائث، واضع الإصر والأغلال عنهم وعن النّاس.والحقيقة أنّه حتّى لو لم يبشّروا به؛ لكان فحوى دعوته ورسالته كافية لتصديقه واتّباعه، وعناوينها هي هذه الصّفات الّتي وصف بها هنا، الّتي تقبلها العقول السّليمة، وتخضع لسموّها الفِطَر القويمة، وتشهد بحسنها النّفوس العليمة. كما قال بعض الأعراب وقد سُئل: بمَ عرفت أنّه رسول الله؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل ليته ينهى عنه، ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته أمر به. وهذا الجزء من الآية مدح للنّبيّ الكريم عليه السّلام.ثمّ جاء الجزء الثاني منها، وفيه مدحٌ للمؤمنين به وقصر للفلاح عليهم دون من كفر به وكذبه وحارب دينه، {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، قال الإمام الأستاذ محمد عبده رحمه الله: ”والمعنى: إنّ الّذين آمَنوا بالرّسول النّبيّ الأميّ عند مبعثه؛ أي: من قوم موسى، ومن كلّ قوم بعدهم، ويعزّرونه بأن يمنعوه ويحموه من كلّ مَن يعاديه مع التّعظيم والإجلال، لا كما يحمون بعض ملوكهم مع الكره والاشمئزاز، ونصروه باللّسان والسّنان، واتّبعوا النّور الأعظم الّذي أنزل مع رسالته وهو القرآن، أولئك هم المفلحون؛ أي الفائزون بالرّحمة العظمى والرّضوان، دون سواهم من أهل كلّ زمان ومكان”. فلا فلاح بعد بعثة محمّد صلّى الله عليه وسلّم إلّا في اتباعه، فهو إمام المفلحين الّذي يُرشدهم إلى أقوم سبيل.

إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة*

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات