سبعون سنة بعد المجازر.. متى الاعتراف؟

+ -

تمر، اليوم، 70 سنة على مجازر لم تشهد لها الجزائر عامة، ومدن سطيف وڤالمة وخراطة خاصة مثيلا، بعد أن نفذ البوليس الفرنسي في مثل هذا اليوم 08 ماي 1945 جريمة إنسانية وعملية إبادة جماعية لسكان هذه المدن ودون ضمير إنساني، حيث قُتل الآلاف من الأبرياء ظلما وعدوانا، ولم يكن ذنبهم إلا أنهم خرجوا في مسيرات سلمية احتفالا بانتهاء الحرب العالمية الثانية، ورفعوا علم الجزائر ليذكّروا فرنسا بوعدها بمنح وطنهم الاستقلال بعد انتهاء الحرب التي شاركوا فيها طمعا. وفي الموضوع هذا أعدت “الخبر” ملفا للتأريخ والتحليل وتبيان المواقف.

عمي شريف يستذكر مع “الخبر” المسيرة بتفاصيلهافـــــــــــرحة والتــــــــــــزام.. ودمـــــــــاء غاليـــــــة يعد عمي شريف محمد الهادي، المدعو “جنادي”، واحدا من مؤطري مسيرة الثامن 45، والتي مازال يحتفظ بتفاصيلها الدقيقة إلى اليوم، رغم أنه بلغ من العمر أزيد من 90 سنة، فقد شارك فيها مؤطرا وعمره لم يتجاوز حينها 22 سنة.كان عمي شريف في سن 13 و14 كشافا في فوج “كشافة الحياة” التي كان يترأسها حسان بلكيرد، وتتلمذ على الشيخ البشير الإبراهيمي، وصقل وطنيا في إطار الحركة الوطنية. حماسه الفياض جعله ينخرط باكرا في صفوف حزب الشعب الجزائري، فكان مناضلا منذ الصغر، يجتمع برفقاء النضال بمقهى النادي والأحاديث في أغلبها كانت سياسية. وكان الجميع قبيل الأحداث يتتبع الأخبار القادمة من وراء البحار، والمتعلقة بالحرب القائمة بين ألمانيا والحلفاء من خلال الجرائد على غرار جريدة “لاديباش دو كوستونتين” أو جريدة “إيقالتي” التي أسسها فرحات عباس، خاصة في ظل الوعود الفرنسية بمنح الحرية للجزائريين، أو من خلال المناشير السرية التي كان يروج لها حزب الشعب. ويتذكر عمي شريف بأن الوعي السياسي في أوساط الشباب حينها كان قويا، بفضل رواد الحركة الوطنية، وهو ما سمح بخلق أجواء خاصة قبيل الأحداث.التحضير للمسيرة..في السابع من ماي 45 حطت الحرب أوزارها، وانهزم الألمان وخرج الفرنسيون بانتصار باهر شارك فيه مئات الجزائريين.. وقتها تجمع شباب سطيف بمقهى الشباب غير بعيد عن الجدار البنزطي، وهناك وصلت المعلومة بضرورة الخروج في مسيرة سلمية، وتم الشروع في الترتيبات، حيث سارع بعضهم لطلب ترخيص من السلطات الفرنسية. وكان حينذاك “بيتارلان” مسؤولا عن كل شيء، وقد تم في البداية رفض الطلب، لكن السلطات الفرنسية تراجعت بعدها ومنحت الترخيص بشروط عديدة وتحذيرات شديدة. كما تم الاتصال بالكشافة الإسلامية لإعطاء الوجه السلمي للمسيرة، حيث تم تسخير فوج من الأشبال لقيادة المسيرة. ويتذكر عمي شريف بأنه قصد مكتب الحلفاء بسطيف، الموجود بمحاذاة الأروقة، لطلب أعلام الحلفاء قصد حملها في المسيرة، في وقت كلف آخرون بتحضير العلم الوطني، أما آخرون فقد توجهوا للترويج للمسيرة الموعودة.يوم المسيرة..في ثلاثاء صادف السوق الأسبوعي لمدينة سطيف، يتذكره عمي شريف جيدا، حيث يقول “نهضت يومها باكرا وقصدت حي المحطة (لانڤار)، وقد كلفت يومها بتأطير الميسرة”. وأمام مسجد أبي ذر الغفاري بدأت الجموع تتوافد على المكان، وشرعنا في تنظيم أمورنا، يقول عمي شريف، حيث تم ترتيب المسيرة من أولها إلى آخرها، فتم في البداية تجريد المواطنين من أي سلاح أو عصي قد تكون بحوزتهم، ليتم وضع أشبال الكشافة في مقدمة المسيرة وهم يحملون باقة ورد على أمل وضعها أمام تمثال الجندي المجهول، وبعض الأشبال كانوا يحملون جوق الفوج قصد التنشيد، وبعدهم مباشرة جاء حاملا الأعلام، وفي المقام الثالث وقف المنظمون والمؤطرون. ويتذكر عمي شريف بأن الشهيد سعال بوزيد كان أمامه بحوالي 4 أمتار فقط، وبجنبه كان يقف عمي موسى شراقة، حاملا الراية الوطنية، وتم اختياره لطوله، وأمامهما لخضر تعربيت وغيرهم من الأشاوس الذي واجهوا الرشاشات بصدور عارية. أما المقام الرابع فقد خصص للجماهير التي جاءت من كل فج. ولاحظ عمي شريف بأن البوليس الفرنسي لم يكن حاضرا في البداية.وانطلقت المسيرة..في حدود الثامنة صباحا تقريبا، يقول عمي شريف، انطلقت المسيرة من أمام المسجد المذكور، واتجهت شرقا نحو مفترق الطرق “عين المزابي” ثم انحرفت إلى شارع قسنطينة. وكان وقتها الجميع ينشد وراء الأشبال أغان وطنية كـ«حيوا الشمال” وغيرها، وبعدها أخذت المسيرة وجهتها نحو عين الفوارة، على أساس التوجه لوضع باقة الورد أمام تمثال الجندي المجهول، حيث يوجد حاليا مسجد بن باديس. في تلك اللحظات، يقول عمي شريف، قرأت في أعين الجميع إحساسا جميلا بالوطنية، وقوة كبيرة داخل كل واحد منا، وحماسا فياضا أربك الفرنسيين، الذين بدأ عسكرهم يظهر أمام ثانوية محمد قيرواني (آلبير تيني آنذاك)، ولكن بعدد محدود، ورغم هذا تواصلت المسيرة إلى غاية مقهى فرنسا سابقا (حاليا مقر الخطوط الجوية الجزائرية)، وهناك ظهرت الشرطة القضائية الفرنسية التي أوقفت سيارة سوداء اللون من نوع “سيروان” في وسط الطريق، ولم يسمح إلا لفوج الكشافة بالعبور، في حين توجه عناصر الشرطة إلى سعال بوزيد وعمي موسى شراقة في محاولة لنزع العلم منهما، وساعاتها سقط عمي موسى وحمل العلم بعده سعال بوزيد الذي رفع الراية خفاقة في السماء رافضا سقوطها. وبعد مشادات مع محافظ الشرطة لوسيان أوليفري وعون الشرطة قلاز سمعت طلقات نارية، يقول عمي الشريف، سقط بعدها سعال بوزيد مباشرة غارقا في دمائه، لتبدأ بعدها طلقات نارية عشوائية بالمسدسات والرشاشات، لتدخل المنطقة بعدها في فوضى عارمة، عمد وسطها بعض المناضلين لحمل جثة بوزيد سعال ورافقوها إلى أحد الأطباء، في وقت حمل فيه عمي موسى رحمهما اللّه، باقة الورد واتجه بها مع مجموعة قليلة جدا من المواطنين إلى المكان المعلوم. ويتذكر عمي شريف بأنه تلقى في تلك الفوضى رصاصة على مستوى الرجل، أقلّه بسببها سائق سيارة أجرة إلى المستشفى الذي سرعان ما غادره بنصيحة من أحدهم خوفا من الانتقام. ولم ينس عمي شريف، وهو في طريق عودته للمنزل من المستشفى، ردة فعل السطايفيين، ولعل أبرز صورة تلك المتعلقة بسيدة سطايفية قامت برمي دركي فرنسي بحجر أسقطته من دراجته الهوائية. ليتم بعد هدوء المدينة جمعنا، يقول عمي شريف، في زنزانة في مركز الشرطة وذقنا لمدة 12 يوما كل أنواع العذاب والإهانة، ثم تم تحويلهم نحو ثكنة “ليسباردا” العسكرية، ومكث الجميع هناك عدة شهور إلى أن جاء العفو. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مدن أخرى لما ذاع صيت المسيرة في مدينة سطيف قررت بدورها الخروج إلى الشارع، على غرار مدن بني عزيز وعين الروى وعموشة وبوعنداس وعين الكبيرة وغيرها.     “الخبر” ترصد صورة من صور الانتقام البشع بعد المسيرةطبيـــــــب فرنســـــــــي ينتقـــــــم مــــــن الجزائريــــــــين بطريقتـــــــه الخاصـــــــة المتتبع لكل ما كتب لغاية الآن حول مجازر ماي 1945 يقف على حقيقة مفادها تركيز تلك الدراسات والأبحاث وحتى الشهادات على إبراز ما حدث من مجازر بشعة في ذلك الشهر وما تلاه من أيام فقط، وتغييب قضية في غاية الأهمية وهي عمليات الانتقام والتصفية التي استمرت لسنوات في حق المشاركين وعائلاتهم، ولم ينتبه لها أحد لأنها كانت تتم في هدوء وبطرق شيطانية لا تجلب الانتباه، ومنها استغلال مهنة الطب النبيلة.بطل هذه القصة، حسب ما رواه لـ«الخبر” الدكتور بشير فايد، هو الطبيب المجرم والقاتل والسفاح المدعو “مازوكا”، الذي كان يحمل رتبة نقيب في جيش الاحتياط، ويتمتع بصيت شعبي كبير وسط الأوروبيين والجزائريين على حد سواء، بحكم مهنته أولا، ولكونه الطبيب الوحيد ببلدية تاقيطونت المختلطة التي نقل مقرها إلى مدينة بيريڤو فيل (عين الكبيرة حاليا) ثانيا. ومن المعلوم أن منزل هذا الطبيب “مازوكا” ومنزل المزارع “ريشار بيير” بعين الكبيرة كانا من بين الأهداف التي هجم عليها المنتفضون الذين قتلوا موزع البريد وابنه، ومالك الأراضي وقاضي الصلح “هنري فابرير”، وهاجموا برج البلدية المختلطة الذي نهبت الأسلحة والذخائر المخزنة بداخله، وقد كانت حصيلة القتلى الأوروبيين 19 قتيلا. ومن المهم جدا الإشارة إلى أن شقيق الطبيب شارك بصورة فعالة في عمليات القمع العسكري التي تلت الأحداث، وكانت في غاية الدموية بقيادة العقيد “بوردييه” ومساعده المقدم “بيرابو”.ويبدو أن الجمع بين مهنة الطب والخدمة في الجيش الاستعماري برتبة عالية (نقيب) قد جعل الطبيب النقيب “مازوكا” يتصرف في حدود ما يتردد عنه من أخبار في الناحية؛ ليس وفق ما تقتضيه الأخلاقيات النبيلة لمهنة الطب، التي تلقن لكل طبيب عند تلقيه الدروس الأولى في هذا المجال الإنساني البحت، وإنما وفق ما تمليه عليه مصالح المؤسسة العسكرية التي ينتمي إليها، وعقيدته الاستعمارية الموغلة في الحقد والكراهية. وفي هذا الصدد، تُتداول العديد من الروايات والشهادات الحية عن ممارسات قام بها الطبيب “مازوكا” اتجاه بعض المرضى والمصابين من الجزائريين، الذين يصنفون عنده في الخانة السوداء، حيث قصدوه وكلهم أمل في أن يجدوا عنده، وهو الطبيب الوحيد المحترف في الناحية، الترياق الشافي لأمراضهم وعللهم وأسقامهم وجراحهم التي فاقمها الفقر المدقع والبؤس والجوع والحرمان والقهر، دون أن يدروا أنهم ذاهبون إلى حتفهم بأقدامهم، ليقدموا أجسادهم العليلة والمنهكة لطبيب تجرد من كل المشاعر والقيم السامية والإنسانية.ونكتفي هنا بسرد حادثة واحدة، بشكل مختصر، حيث يتعلق الأمر بعملية انتقام بشعة قام بها الطبيب “مازوكا” من السيد لمنور لعليوي، المولود عام 1910، بدوار القرقور سابقا، قرية صرفدة التابعة حاليا لبلدية عموشة ولاية سطيف، المنخرط في حزب “حركة أحباب البيان والحرية” لفرحات عباس، المشارك في الأحداث التي عرفتها مدينة عين الكبيرة في 08 ماي 1945، رفقة أربعة زملاء له هم: سمارة وبوالميل وعبد اللّه يخلف ورقبي العياشي بن عيسى من دوار القرقور، الذين قاموا بقتل النائب “فابرير” واثنين من الرماة الفرنسيين كلفا بحراسته هما “بواسوني” و«هارتمان”، وقد نجا الطبيب من الموت باختبائه في المدخنة، فلم تلحظه عيون الثائرين الراغبة في تصفيته، رغم كونه طبيبا. وقد جاءته فرصة الانتقام، من لمنور لعليوي، بعد أن أصيب ابن هذا الأخير المدعو “عمار”، الذي كان يبلغ حينئذ حوالي عامين، بحمى شديدة ناتجة التهاب اللوزتين، حيث تذكر والدة الطفل عمار المدعوة نوارة ميلة بنت عبد اللّه وسيموشة رقبي، التي قامت بنقله بعد تردد كبير، إلى الطبيب “مازوكا”، أن هذا الأخير سألها في البداية عن اسم والده، ولما أخبرته بأنه “لمنور لعليوي” ذهب وأحضر لها زجاجة بها سائل لا تعرفه، مغلقة بسدادة مصنوعة من الفلين، وطلب منها أن تناول الطفل ذلك الشراب لما يريد أن ينام، وأنه سيشفى بسرعة نظرا لفعاليته الكبيرة ولما ناولته الدواء (السم) مباشرة بعد عودتها إلى المسكن العائلي، وكما طلب منها الطبيب، توفي الطفل عمار مباشرة؛ حيث خرجت رغوة بيضاء من فمه وأنفه، وبعد أن قامت بسكب كمية من محتوى الزجاجة على التراب، أحدثت رغوة كبيرة، ولما عرضت الكمية الباقية على قريب لهم يملك سيارة أخبرهم بأنه حمض خاص ببطاريات السيارات والشاحنات، لتعرف الوالدة والوالد أن الطبيب قد انتقم من هذا الأخير شر انتقام بقتل ابنه الصغير البريء بطريقة تشمئز منها حتى النفوس التي تعودت على الإجرام وسفك الدماء، عقابا له على مشاركته في أحداث 08 ماي 1945، واستهدافه هو شخصيا من قِبل المهاجمين، الذين كان “لمنور”، البارع في القنص الذي قلما يخطئ هدفه، واحدا منهم. هذه القصة عينة من قصص عديدة رويت عن التاريخ الإجرامي لهذا الطبيب السفاح في عين الكبيرة وعموشة وغيرها.    ع. ررئيس جمعية 08 ماي 1945 عبد الحميد سلاقجي لـ”الخبر”“تـــــأخرنــــــا عـــن استقبـــــال الوزيـــــر الفرنســــي توديسشينــــي كموقف سياسي” أكد رئيس جمعية 8 ماي 45 بأن تخلف الجمعية عن الوفد الرسمي الذي كان في استقبال كاتب الدولة الفرنسي لدى وزير الدفاع المكلف بقدماء المحاربين والذاكرة، جون مارك توديسشيني، الذي زار سطيف مؤخرا، كان بمحض الإرادة، وكان موقفا سياسيا وليس تأخرا لأسباب أخرى.قال عبد الحميد سلاقجي، رئيس الجمعية، بعد سؤال وجهته له “الخبر” على هامش “فوروم” حول مجازر 08 ماي نظمه موقع “صوت سطيف”، بأن القضية المذكورة هي قضية موقف رسمي من الجمعية. وقال إن ذلك كان التزاما روحيا أمام شهدائنا الأبرار، وكان بسبب عدم جدية الموقف الرسمي الفرنسي إزاء الاعتذار، “فكلما تقدمنا بخطورة يتراجع الموقف الفرنسي بخطوات إلى الوراء”، مستدلا بأن الرئيس الجزائري قد قدم تقاربا من أجل ميثاق الصداقة الذي لا تعارضه الجمعية، حسب ما يقول، لكن الجواب الفرنسي حينها كان بتمجيد الاستعمار، وهي النقطة السوداء التي لا يمكنها أن تقرب بين البلدين إطلاقا. مستذكرا، في هذا المجال، عدة مواقف رسمية فرنسية لم ترتق في مجملها لتطلعات الجزائريين. وقبل أي تقارب تشترط الجمعية بأن ينحني الرسميون الفرنسيون أمام مقابر قتلى الثامن ماي ومقابر الشهداء، وبحضور الإعلام الوطني والخاص للبلدين، ويتم الاعتذار بشكل رسمي وأمام الملأ، “وعدا هذا لا يمكن الحديث عن التقارب”، متسائلا عن سر انحناء ألمانيا واعتذار الدول المستعمرة لمستعمراتها، في حين تتماطل إلى اليوم فرنسا في الاعتذار.ويضيف رئيس الجمعية بأن الاعتذار لا يعني على الإطلاق تعويضا ماديا بل يكون عبر علاقات امتيازية، لتعويض ما يتحمّله الجزائري إلى اليوم من تبعات الجرائم الكثيرة لفرنسا. فمن 8 ماي إلى تفجيرات رڤان إلى الألغام المزروعة، إلى 8 آلاف قرية مدمرة، أزيد من 7 ملايين شهيد والملايين من الأرامل اليتامى وغير ذلك من وجوه التدمير التي قاساها ولا يزال يقاسيها الجزائري إلى اليوم.مرصد وفيلم لإحياء ذكرى المجازر  لم يظهرافي يوم 8 ماي 2012، وبسطيف، قام رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، بوضع حجر أساس مرصد الثامن ماي 45، وتم تصميم المرصد الممول من بلدية سطيف برخصة برنامج بقيمة 300 مليون دينار.ويضم المرصد الذي يتربع على 4 هكتارات قاعة محاضرات كبرى تتسع لـ600 مقعد وقاعة للمعارض وميدياتيك بالإضافة إلى مكتبة. وكان الهدف من ذلك المرصد هو الحفاظ على الذاكرة الوطنية والجماعية للمنطقة وللمجازر تحديدا، غير أن هذا المركز مازال منذ وضع حجر أساسه دون تجسيد إلى اليوم.وهنا يؤكد رئيس الجمعية بأن المشروع هو مشروع بلدي، وسعت الجمعية لأن يكون مشروعا في إطار الذاكرة، وقال بأنه طلب حتى مخططات من معهد الهندسة المعمارية بالجامعة لإخراجه في أبهى حلة. وقد احتضن المبادرة حينها رئيس بلدية سطيف السابق محمد ديب، الذي مرر المشروع على المجلس الذي احتضنه بدوره، وتم تسجيله وتحويل غلاف مالي وتم تكليف مكتب دراسات بالمشروع على أمل تدشينه في الذكرى 70 المصادفة لهذا اليوم، لكن الرياح جرت بما لم تشتهه السفن، والمشروع لم ينطلق أصلا والمناقصات جاءت دون جدوى الواحدة تلو الأخرى. وعلمنا بأن المشروع لم يستوف شروط قانونية تتعلق بقانون الصفقات، فالإجراءات انتهت سنة 2013، وتم تخصيص 16 مليارا للمشروع، وبعد مدة طالب المقاول إعادة تقييم الغلاف المالي، وعلمنا بأن السلطات المحلية سعت جاهدة لتمرير المشروع، لكن المكلف بالمشروع في النهاية اعتذر. وقد تطلب الأمر بعدها سلسلة إجراءات أخرى، وتم تخصيص مبلغ 21 مليارا وكان أقل عرض هو 22 مليارا، لكن قانون صفقات البلدية لا يسمح بتجاوز 20 مليارا، ما معناه مشكلة أخرى، وحاليا المشروع مطروح على المسؤولين للبت فيه.  الدكتور بشير فايد“ اعتراف فرنسا مجرد طعم تحرّكه لوبيات التاريخ والإعلام” أصبح من الثابت بل ومن العادة في فرنسا أن تتحرك لوبيات التاريخ والذاكرة والسياسة والإعلام في كل الاتجاهات، كلما اقتربت مناسبة كبرى تتعلق بالماضي الاستدماري الفرنسي في الجزائر؛ ظاهر تلك التحركات الخوض في مسائل تاريخية صرفة، لكن باطنها غير ذلك تماما.والمشكلة ليست هنا، حسب ما يراه الدكتور بشير فايد من جامعة محمد لمين دباغين- سطيف2، لأنه “من حق الفرنسيين أن يتعاطوا مع قضايا تاريخهم المرتبطة بالآخرين بالكيفية التي يشاءون، وإنما فينا نحن كجزائريين؛ حيث ننتظر في كل مرة اندلاع الزوابع الإعلامية والسياسية في فرنسا لنتلقفها بسرعة ثم نعلن النفير العام مستنكرين ومستغربين إصرار فرنسا الرسمية على عدم اعترافها بمجازرها، التي ارتكبتها في بلادنا مع سبق الإصرار والترصد كما يقول رجال القانون، في مشهد يشبه الاستعطاف والاستجداء وكأن ذلك هو غاية ما نريده منها، دون أن نحصد شيئا في كل مرة، لأن فرنسا في واقع الأمر لا ولن تعترف بمجازرها مهما كانت بسيطة، ومن يراهن على ذلك فهو واهم وكمن يطلب توبة الشيطان”.ولعل أفضل مثال على ذلك مجازر ماي 1945، حيث يقول الباحث في التاريخ، في هذا الصدد: “لوثت وصدعت مسامعنا الأخبار والتعليقات والتنبؤات والتحاليل القادمة من فرنسا التي تفيد بأن شيئا جللا يحضّر له في عاصمة الجن والملائكة والشياطين باريس، ومن شأنه أن يحدث زلزالا في موضوع اعتراف فرنسا الرسمية بمجازر الإبادة الجماعية في سطيف وڤالمة وخراطة وغيرها، وكالعادة تلقف الجزائريون الطعم وصدقوا الأكاذيب والأوهام، وتحولت زيارة وزير قدماء المحاربين “جان مارك تودشيني” إلى ما يشبه الفتح المبين الذي سينهي هذا المسلسل الطويل، الذي أرهق أعصاب الطامعين في تفضل فرنسا بالاعتراف والاعتذار، لكن من سوء حظهم أن ذلك لم يحدث”، وبالتالي يضيف: “ستستمر معاناتهم النفسية والعصبية جراء طول الانتظار، فالرجل لم يقل ولن يقول أي شيء جديد، غير كلام مطاط ومبهم ومراوغ، كما عودنا عليه الرسميون الفرنسيون الذين يستحقون بامتياز لقب رواد النفاق السياسي والتلاعب بالألفاظ والعبارات في العالم؛ فبعد أيام من الزيارة الفتح ها هو رئيسه فرانسوا هولانــد يقطع كل الأحلام والأوهام في حديثه مع تلاميذ الثانوية الباريسية بأن: فرنسا لم ترتكب حرب إبادة في الجزائر، لأن ذلك يتطلب قتل شعب بأكمله وهو ما لم يحدث حسبه في الجزائر؟ مستدركا بالاعتراف بوجود حرب مؤلمة في إشارة إلى الطرفين الجزائري والفرنسي”. الدكتور شايب قدادرة“مجازر ماي 1945 جريمة لا تسقط بالتقادم” يرى الأستاذ شايب قدادرة من جامعة ڤالمة بأن مجازر 08 ماي 45 لم ولن تسقط بالتقادم، فهي مجازر وجرائم ضد الإنسانية بل وإبادة جماعية بأتم معنى الكلمة وليست أحداث أو حوادث كما تستعمل ذلك كتابات المسؤولين الفرنسيين والصحافة الفرنسية، محاولة منها التقليل من هذه المجازر.  وإلا كيف نفسر، يقول الدكتور، أن تواجه مظاهرات ومسيرات سلمية ترفع فيها شعارات تطالب بالحرية والمساواة والاستقلال وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفي مناسبة عيد الانتصار على النازية وانتهاء الحرب العالمية الثانية، بهمجية وتقتيل جماعي وتنكيل ليس له مثيل وتعذيب حتى الموت لكل فئات الشعب الجزائري بلا شفقة ولا رحمة. إن تحليلنا لهذه المظاهرات والمسيرات، في هذه المناسبة، وخروج الشعب الجزائري في مواجهة الآلة العسكرية الاستعمارية بصدور عارية إنما يدل على شجاعة الشعب الجزائري وقناعته بقضيته العادلة من جهة، ومن جهة أخرى يدل على نضح الحركة الوطنية الجزائرية. أما تركيز القمع على سطيف وڤالمة وخراطة على الخصوص فإن الخطة كانت مدروسة والأهداف كانت محددة، كون هذه المناطق كانت قد شكلت الوعاء الانتخابي الأكبر لجماعة الاندماجيين، وعلى رأسهم فرحات عباس، لأن فرنسا رأت في مطالب بيان الشعب الجزائري سنة 1943 خطرا عليها وتخوفت من الانتقال الجذري لجماعة الاندماجيين الذين كانت تراهن عليهم للبقاء في الجزائر إلى المطالبة بالاستقلال، حتى ولو كان فيدراليا أو ذاتيا. وهذا التحول الجذري صار هاجسا مرعبا للإدارة الاستعمارية، فسارعت إلى تحضير ضربة استباقية سنة 1945 تمثلت في ارتكابها لأبشع المجازر في تاريخ الإنسانية، كونها كانت تشعر بأن هناك شيئا يحضّر في سرية تامة يضر بوجودها في الجزائر. إن جرائم ماي وجوان عام 1945 التي اقترفتها السلطات الاستدمارية الفرنسية في حق الشعب الجزائري الأعزل لا تزال تثير الجدل وتعكر صفو العلاقات بين البلدين وتسيء إلى صورة فرنسا لدى الرأي العام الدولي، وستبقى وصمة عار في جبين دولة تتشدق بشعار الإخوة والعدالة والمساواة وتتظاهر بالدفاع عن حقوق الإنسان وتندد بإبادة الأتراك للأرمن ومحرقة اليهود (الهولوكوست)، ونسيت أن ما أقدمت عليه يتجاوز كل هذه الأحداث المبالغ في تضخيمها. الدكتور كمال بيرم“الاستعمار الفرنسي جريمة ضد الإنسانية في حد ذاته”  فضّل الأستاذ بيرم كمال من جامعة المسيلة أن يبدأ من استغراب فرانسيس جونسون عندما سئل عن طبيعة جرائم فرنسا كونها ضد الإنسانية أم لا، حيث استغرب كيف لا يطرح السؤال على الاستعمار في حد ذاته، لأن الاستعمار، كما قال، في طبيعته جريمة ضد الإنسانية. الاستعمار الفرنسي في الجزائر استعمار استثنائي في إطار وجوده وفي تشريعاته وتصرفاته وأهدافه، واستعمل كل فنون الجرائم وانفرد بكل أنواع الإبادة، كما أن الشعب الجزائري كان استثنائيا في مقاومته وفي ثورته الكبرى وفي تضحياته الجسيمة. إلا أن ما يؤرق ضمير الجزائري الحي في هذا الزمن أن نجري وراء اعتذار فرنسا عن جرائمها كمن يجري وراء سراب بعيد بأرجل حافية تأكلها الأوجاع والإصابات التي تتعمق كلما بقينا نحلم بالوصول إليه، ويشغل بالنا عما يفيد وطننا بناء وعطاء وتقدما. لا أحد يعتقد أن هذا الاعتذار يعيد لنا موتانا أو يحيهم أو يعيد للوطن زمنه الضائع أيام الاحتلال، ولا أعتقد أن هناك أحدا من الأحياء له الحق في المساومة أو التكلم باسم الذين قدموا أنفسهم قربانا للوطن، فهم وحدهم، وقد مضوا لبارئهم، من كان لهم حق التكلم لأنهم أدوا واجبهم كاملا وهم الذين يُعتذَر لهم.الدكتور سفيان لوصيفخلفيات التنكر ورفض الاعتراف بالجرائم الاستعمارية منذ عقد من الزمن وبالتحديد بعد صدور قانون تمجيد الاستعمار في شمال إفريقيا سنة 2005، هناك ازدواجية في الخطاب السياسي الفرنسي بشأن الاعتراف بالجرائم الاستعمارية بين التنكر والرفض أحيانا، وإدانة الماضي الاستعماري من قِبل بعض الوزراء الفرنسيين أو بعض نواب اليسار الفرنسي، لكن في مناسبات عابرة لا تترك أثرا في تغيير الموقف الرسمي.فالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، حسب الأستاذ سفيان لوصيف من قسم التاريخ بجامعة سطيف2، تمسك بمواقفه المتطرفة إزاء مسألة اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية، مؤكدا في تصريح لصحيفة فرنسية رفض فرنسا رفضا مبدئيا لفكرة الاعتذار للجزائر عن الجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية.  وقال ساركوزي، في مضمون حديث أجرته صحيفة “نيس ماتان”، إن ما قامت به فرنسا الكولونيالية من عمليات عسكرية في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية كان تنفيذا لقرارات اتخذتها حكومة فرنسية شرعية وديمقراطية، لا يمكن لفرنسا اليوم أن تعتذر عنه بالرغم من أن تلك الأحداث عرفت تجاوزات كبيرة في حق الجزائريين العزل. كما أقدم وزير الدفاع الفرنسي السابق جيرارد لونغه على القيام بحركة غير أخلاقية بعد مشاركته في برنامج تلفزيوني على قناة “سينا” الفرنسية، ردا على مطالبة وزير المجاهدين الجزائري فرنسا بالاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها في بلاده إبان فترة الاستعمار، ورفض الوزير السابق الاعتذار عن جرائم الاستعمار، وذلك ردا على تصريحات طالبت باريس بالندم والاعتذار عن فترة استعمارها للجزائر خلال البرنامج التلفزيوني، لكنه وفور انتهاء الحلقة لم يكن يدري بأن الكاميرا لا تزال مصوبة نحوه، فصورته وهو يقوم بحركة غير أخلاقية تجاه الطلب الجزائري، وقال هذا الوزير إن فرنسا لا تشعر بالندم بأي حال من الأحوال على وجودها بالجزائر خلال الفترة الاستعمارية. وقد أكد هولاند، في مؤتمر صحفي عقب وصوله إلى أرض الوطن، أنه لم يأت للجزائر من أجل التعبير عن الندم أو الاعتذار. ونجد وزير قدماء المحاربين في فرنسا وفي زيارته لولاية سطيف اعتبر أن الاستعمار الفرنسي للجزائر كان وحشيا، وفي الوقت نفسه، وبكل وقاحة فرنسية، يؤكد هولاند “أننا لن نعتذر”. وهنا يرى الكثير من المراقبين أن السياسيين في فرنسا يتعمدون طي الملفات الحرجة بغرض إشهارها في أوقات محددة تتعلق بالانتخابات والاستحقاقات الداخلية، حيث يتم طرح قضايا التاريخ والماضي والهجرة والأقليات وتعدد الديانات.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات