صــــــــور وعبـــــــر من عواقــــــب الظلــــــم والظلمــــــة!!

38serv

+ -

في صحيح مسلم ذكر عليه الصلاة والسلام صنفا من الناس وصفهم بأنهم هلكوا أنفسهم: “كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها”، وهم الذين يظلمون عباد الله، يظلمونهم بألسنتهم، وبأيديهم، أو بأي نوع من أنواع الظلم، متناسين أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.

سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، تأتي امرأة فتذهب إلى أحد خلفاء بني أمية وتقول: إن سعيد بن زيد غصبني أرضي، فيأتي به الخليفة، ويقول: أغصبتها أرضها يا سعيد؟ فتدمع عيناه، ويقول: والله ما غصبتها أرضها؛ لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من ظلم قيد شبر من الأرض طُوِّقَهُ يوم القيامة من سبع أراضين”، ثم قال: فلتأخذ أرضي إلى أرضها وبئري إلى بئرها، ونخلي إلى نخلها، فإن كانت صادقة فذاك، وإن كانت كاذبة، فأسأل الله تعالى أن يعمي بصرها ويهلكها في هذه الأرض، وتصعد الدعوة إلى الباري سبحانه الذي ينصر المظلوم من الظالم، وبعد فترة تصاب بالعمى لتسقط في البئر مُتردية فتهلك هناك.

وهاهم البرامكة وزراء الرشيد الذين كان منهم ما كان، كانوا في نعمة من الله، لكنهم ما صانوا هذه النعمة، بل تكبروا وتجبروا وظلموا عباد الله، وظنوا أنهم في بُعد عن قبضته سبحانه، فيسلط الله عليهم الخليفة فيقتل منهم من يقتل، ويدخل السجن منهم من يدخل، ويضرب أحدهم ألف سوط وهو من كبرائهم، ثم يدخله السجن، فيأتي أحد أبنائه يزوره، فيقول: أبتاه! بعد العز أصبحت في القيد؟ أين قصور الذهب والفضة يا أبتاه؟ قال: ألا تدري يا بني؟ قال: لا، قال: إنها دعوة مظلوم سَرَت في جوف الليل، نمنا عنها وليس الله عنها بنائم: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون}.

إن هناك فئاما من الخليقة عندما لا تجد من تظلم تلجأ إلى ظلم البهائم، أحدهم في يوم من الأيام تردد حمار على مزرعة له، فأكل منها ما أكل، فطرده في اليوم الأول والثاني والثالث، وبعدها عمد إلى ربطه في سيارته حيا ثم سحبه على الإسفلت إلى منطقة بعيدة حتى تمزق إربا إربا، ظلم وأي ظلم! ويرجع إلى بيته فيجد فيه بعوضا، فعمد إلى مبيد حشري فرش به الغرفة حتى امتلأت بهذا الغاز، ثم أضاء المصباح، فإذ بالغرفة تلتهب ويحترق.

إن البهائم لها أرواح وتشعر ما يشعر به بنو آدم، يدخل النبي صلى الله عليه وسلم حائط رجل من الأنصار فيجد بعيرا هناك جائعا متعبا، فيأتي عليه الصلاة والسلام ودموعه تذرف فيقول: “أين صاحب هذا البعير؟” فيخرج فتى من الأنصار، ويقول: أنا يا رسول الله، فيقول: “أما تتقي الله في هذه البهيمة تجيعها وتتعبها، إنها شكت إليَّ ما تجده منك”.

يذكر ابن كثير أن بعضهم كان يُكاري على بغل له، فجاء يوما من الأيام قاطع طريق فركب معه وانطلقا، وبينما هما كذلك، قال: اسلك هذه الطريق فهي أيسر وأقرب، قال: أنا منذ فترة وأنا أسلك هذا الطريق وأعرفها، قال: هذا أقرب وأيسر، فصدقه وذهب معه فجاء إلى واد سحيق، وإذا بهذا الوادي فيه جثث لقتلى، فهو يأتي بالناس إلى هناك فيذبحهم ثم يسرق ما معهم، جاء بهذا الرجل وأراد أن يقتله، فقال: خذ كل ما أملك ودعني وشأني، قال: لابد من قتلك، قال: إن كان لابد فدعني أصلي ركعتين، قال: فقمت أصلي، وهو قائم عليَّ بالحربة يريد أن يقتلني، قال: فضيعت القرآن وأنا أرى الحربة فوق رأسي، فوالله ما استحضرت آية من القرآن إلا أنني تذكرت قول الله: {أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}، قال: فكررتها، وإذا بفارس من فم الوادي يخرج على فرس ومعه حربة فينطلق حتى يضربه بها فيرديه قتيلا، قال: فتعلقت بثيابه، وقلت: أسألك بالله من أنت؟ قال: أنا من جنود الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، إنها دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ودخل طاوس على هشام بن عبد الملك ينصحه ويعظه ويحذره الظلم، ويقول له: اتق الله يا هشام، ولا تنس يوم الأذان، قال: وما يوم الأذان يا طاوس؟ قال: {فأذّن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} فأغمي عليه. والله ولي التوفيق.

*إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر