38serv

+ -

 تملك أمتنا من مقومات النهضة؛ الكثير، ما يجعلها قادرة على النهوض وتجاوز العقبات والصعوبات التي تقف في طريقها نحو التقدم والارتقاء الحضاري، قال الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}. وما حبا الله تبارك وتعالى به بلادنا من خيرات الأرض، فهي تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية، وتمتلك موقع جغرافي استراتيجي وسط بين دول العالم، كما تمتلك الموارد البشرية التي تمكنها من صنع الفارق وتحقيق النهضة والتنمية.

تتميز العملية التنموية الاقتصادية في الإسلام باعتماد مقاصد التغيير الإيجابي للحال، كأساس في كل ما يتعلق بكل جوانب الإعمار، وفقا للقانون الإلهي المركزي: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}، في حين حارب الإسلام التغيير السلبي: “من غشنا، فليس منا”، وبذلك زج البعد الأخلاقي في صميم عملية الإعمار والنهوض الاقتصادي، وهو ما تفتقر إليه اقتصاديات التنمية المعاصرة؛ حيث اعتادت أن تعتمد مقاييس مادية صِرفة، فخلت بذلك من النفحات الروحية تماما.

وقد أكد الإسلام على الإنتاج وتوفير الحاجات، من خلال استغلال الثروات والخيرات الموجودة برا وبحرا، من خلال بذل الجهد وتعبئة الطاقات والموارد البشرية والمالية، لكي يستطيع الشعب أن يحافظ على استقلال إرادته وكرامته، بعيدا عن الهيمنة والتبعية الأجنبية.

ولقد أصبحت العلوم الطبيعية بعد عصر النهضة، الأساس في التقنية والإنتاج في جميع تلك الدول، وقد تطورت الفيزياء الحديثة والكيمياء و.. إلى التكنولوجيا، وظهرت صناعة الوسائل والأدوات، وبذلك رسمت ملامح الإنتاج الصناعي، وهذه الخصيصة نجدها في جميع الدول المتقدمة، شرقية كانت أم غربية، فيما هي مفقودة في الدول النامية والمتخلفة.

يرى الإسلام أن السعي الاقتصادي الحثيث والجهد في طلب المال الحلال والترفيه عن الأسرة والآخرين والإنفاق في سبيل الله، كلها وسائل لكسب الثواب والسعادة الأخروية، والروايات والأحاديث تذم التقاعس عن طلب الرزق والاتكال في العيش على الغير، لقد أكدت التعاليم الإسلامية كثيرا على الزراعة والتجارة، وهذان الأمران لا يتحققان دون رأس مال، لذلك يمكن الخروج بالاستنتاج التالي: دعوة الناس إلى الزراعة والتجارة يستلزم وجود رأس مال زراعي وتجاري، إذا، فرأس المال ممتدح في التصور الإسلامي.

لذا تهتم الدول بالإعداد المالي والقوة الاقتصادية وتجعلها في خدمة مواطنيها وقيمها ومبادئها، وتعمل على تطوير ميدان الصناعة والزراعة والعقار والاستيراد والتصدير والتجارة، وغير ذلك. وتحرص على تنمية الاقتصاد الإسلامي الذي سيكون له آثار على المجتمعات البشرية.

إن الدولة المدنية الحديثة تعمل على الاكتفاء الذاتي لمواطنيها؛ بمعنى أنها يجب أن يكون لديها من الخبرات والوسائل والأدوات ما يجعلها قادرة على إنتاج ما يفي بحاجتها المادية والمعنوية وسد ثغراتها المدنية والعسكرية عن طريق ما يسميه الفقهاء “فروض الكفاية”؛ وهي تشمل كل علم أو عمل أو صناعة أو مهارة يقوم بها أمر الناس في دينهم أو دنياهم، فالواجب عليهم حينئذ تعلمها وتعليمها وإتقانها حتى لا يكون المسلمون عالة على غيرهم، ولا يتحكم فيهم سواهم من الأمم الأخرى، وبغير هذا الاستغناء والاكتفاء لن يتحقق لهم العزة التي كتب الله لهم في كتابه: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، وبغيره لن يتحقق لهم الاستقلال والسيادة الحقيقية وهو ما ذكره القرآن {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}.

يمثل المشروع مشروع النمو الحضاري والاقتصادي مسؤولية عظيمة لا يمكن أن يقوم بها مجموعة أفراد في الأمة، وإنما تقوم بها جميع الشرائح المجتمعية وبجميع التخصصات: علماء، ومفكرون، وعلماء تربية، وتجار، وإعلاميون، وغيرهم.

إن النصوص الشرعية تحث جميع المسلمين على تحمل المسؤولية في الشؤون العامة والإصلاح والنهوض الحضاري بالأمة، وتحذر من مغبة التخلي عن المسؤولية، وتنذر من يتقاعس عن أداء التكليف الشرعي بالخزي في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.

رأس مال كل مشروع حضاري هو الإنسان، ورأسمال كل إنسان مواهبه وما يمتلك من إمكانيات مادية وروحية، وفي مقدمتها العقل، وأهم عناصر الإنسان هم الشباب، فهم القوة الأكثر فاعلية في المجتمع، وهم صورة المستقبل لكل مجتمع، والاهتمام بالتعليم وتنمية الخبرات العملية في سبيل إيجاد الأنماط المختلفة من الأفراد المبدعين، فهم عجلة التاريخ، والطليعة في بناء الحضارة.

إن استعادة الريادة الحضارية لا يمكن أن تُتصور في غياب إشاعة التخصص الدقيق في شتى مناحي المعرفة، لأن التخصص قد غدا من فروض الكفاية وهو متعين فيمن تهيأ له ويؤدي إلى تقسيم العمل وتجويده وإحسانه وبلوغ الثمرة المرجوة منه.