38serv

+ -

 يقول الحق سبحانه: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين}. يخبر ربنا سبحانه أنه مولى المؤمنين وناصرهم، فإذا تولوه تولاهم، وإذا نصروه نصرهم، وأيدهم بإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، هذا الرعب يجعل المقاتل لا يستطيع أن يرفع سلاحا ولا أن يستعمله، وهذا الذي وقع بالضبط للصهاينة الأوباش.

لقد كان للمسلمين مواعيد مع النصر بإلقاء الرعب في قلوب الأعداء، كما حدث في موقعة لوشة العظيمة في انتصار المسلمين سنة (887هـ)، عندما جاء صاحب قشتالة النصراني وحاصر مدينة لوشة، وجاءتهم النجدات من رجال غرناطة وحصل قتال شديد، فلما أصبح الصباح ورأى النصارى الزيادة في جيش المسلمين مع ما نالهم من أول الليل من الهزيمة والقتل، داخلهم الرعب واشتد خوفهم، فأخذوا في الارتحال، فخرج إليهم المسلمون من المدينة، بعد أن كانوا محاصرين فقاتلوهم قتالا شديدا، فانهزم النصارى، وتركوا أخبيتهم وأمتعتهم وأطعمتهم وآلة حربهم، فاحتوى المسلمون على جميع ذلك، وانصرف العدو مهزوما مثلولا إلى بلده.

وهذا الذي حدث مع اليهود تماما، إنه الرعب، وهكذا شهدنا حقيقة هذه القوة التي يتفاخرون بها، وهذه الهالة التي صنعوها لأنفسهم، واتضح أن أفلام هوليود شيء، والواقع شيء مختلف تماما، وأن ذلك الدجل الذي مارسوه والكذب في تفخيم أنفسهم إنما هو عبارة عن فقاقيع. وكان من عوامل ذلكم النصر المؤزر في غزة العزة دعاء المسلمين في شتى بقاع الإسلام، فكم رفع المسلمون من أكفهم في هذه المحنة التي أصابت بلاد الإسلام عموما وفلسطين خصوصا، وكم من دعاء انطلق من الحناجر، وكم من شيخ كبير وعجوز مسنة تضرّعت إلى ربها: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.

إن الصواريخ تنزل بإخواننا بغزة، والمدفعية تقذف، ومع ذلك، فإن ربنا سيزيل هذا الذعر الذي عمّ الكثيرين، فينفس كرب المكروبين، ويستجيب دعاء المسلمين، وسيرينا الله آيات وعجائب. لما كانت حنين أسلم يزيد بن عامر السوائي رضي الله عنه، فسأله بعض المسلمين عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين يوم حنين كيف كان، صوّره لنا فقال: كانت تنزل بنا حصاة فتقع في طست فيطن صوت عظيم نتيجة هذه الوقعة، فكنا نجد في أجوافنا مثل هذا.

إن ربنا سبحانه إذا أراد شيئا هيّأ له أسبابه، فيوم حنين مثلا، نصر الله نبيه ودينه والمؤمنين بالريح: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا}. وهكذا سيكون الحال في فلسطين، ماذا تساوي صواريخ القسام أمام التكنولوجيا الرهيبة التي يمتلكها الكيان الغاصب، والذي يزوّد بها آناء الليل وأطراف النهار من الشرق ومن الغرب، ومع ذلك، فعلت فعلتها: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم، ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين}.

إن ربنا سينجز وعده، وينصر عبده، ويهزم الأحزاب وحده، فلا إله إلا الله يفعل ما يشاء، ولا إله إلا الله الحي القيوم: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة}. فاللهم إنا نسألك وأنت على كل شيء قدير، ونرغب إليك وأنت الواحد الديان، ونفزع إليك وأنت الرحمن الرحيم، ونسألك بأسمائك الحسنى أن تحرّر الأقصى من دنس هؤلاء المجرمين، وأن تردّهم على أعقابهم خائبين.. والله ولي التوفيق.

* إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر1