"اتحاد علماء إفريقيا ينظر إلى المؤسسات العلمائية في الجزائر كشركاء استراتيجيين"

38serv

+ -

أكد رئيس مجلس أمناء اتحاد علماء إفريقيا، ورئيس لجنة الإفتاء والإرشاد بالاتحاد، وعميد الكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية في السنغال، الأستاذ الدكتور محمد أحمد لوح، في حوار خصّ به “الخبر”، أن “الجزائر دولة ذات ثقل حضاري وتاريخ عريق ومجد أصيل”، مشيرا إلى أن “اتحاد علماء إفريقيا ينظر إلى المؤسسات العلمائية في الجزائر كشركاء استراتيجيين في كثير مما يمكن القيام به من المهام الفكرية والثقافية، الهادفة إلى النهوض بالمجتمع الإفريقي”.

لماذا اتحاد علماء إفريقيا؟
اتحاد علماء إفريقيا هيئة إسلامية تأسست عام 2011، ينضوي تحتها علماء من 47 بلدا إفريقيا واقعا جنوب الصحراء، ومقرها في باماكو عاصمة جمهورية مالي، وأعضاؤه جاوز عددهم سبعمائة عضو. فكرة الاتحاد تتمثل في تكوين «تجمع» لعلماء إفريقيا، ليكون مرجعية علمية فاعلة في المجتمعات الإفريقية، تعزز دور العلماء والدعاة في قيادة المجتمع بشرائحه وطبقاته؛ وتضبط الفتوى، وتتفاعل مع القضايا والأحداث العامة في القارة، وتعبّر عن مسلمي إفريقيا في المحافل المحلية والإقليمية والدولية، وتعمل على التعايش السلمي بين أطياف المجتمعات الإفريقية، مادة جسورا من التعاون المشترك بينها وبين الهيئات الفاعلة في العالم.

ما الدور الذي يؤديه اتحاد العلماء في القارة السمراء؟
 من الأدوار التي يؤديها الاتحاد متابعة جهود العلماء ورصدها وإشهارها وتوجيهها نحو الوسطية التي عرف بها الإسلام السني، والتنسيق بين العلماء الفاعلين وخلق مناخ مناسب لتبادل الخبرات وتداول المعارف، والسعي لتوحيد صفوف العلماء من خلال برامج علمية ودعوية مدروسة بعناية، إلى جانب السعي لتوحيد الفتوى على مستوى بلدان القارة. وقد خطى الاتحاد في ذلك خطوات كبيرة، لاسيما في أمر الهلال وتوحيد الرؤية الشرعية، وكذلك الوقوف في وجه الأفكار الهدّامة والتوجهات الغالية ببرامج مناسبة، نفذت في شكل دورات وملتقيات متزامنة في كافة دول الاتحاد.

هل لديكم دور في التصدّي لحملات نشر الطائفية والتنصير؟
الاتحاد كيان تتواءم تحته الأعراق والتوجهات المتنوعة، فكان لزاما علينا، بناء على ذلك، محاربة كل لون من ألوان الطائفية، والاستبدال بها نشر الأخوة الإسلامية الجامعة التي لا تفضل أحدا على أحد إلا بقيمة التقوى، على أساس {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. أما التنصير في القارة الإفريقية، فيشهد انحسارا مطردا منذ عقود من الزمان، يتبيّن من خلال ما نرى في كل أصقاع القارة من كثرة المتحولين من النصرانية إلى الإسلام بأرقام مهولة. وللاتحاد برامج مستقلة للتعريف بالإسلام بلغات متعددة، إفريقية وعالمية.
ما هي الجهود التي يبذلها الاتحاد لنشر الإسلام بين القبائل الوثنية في إفريقيا؟
يقوم دعاة الاتحاد بجولات دعوية في المناطق الوثنية، كل بلد على حدا، مع التنسيق بين تلك الجهود من خلال لجنة الدعوة، وقد تحقق في ذلك نتائج مفرحة ولله الحمد.

مع انتشار الفكر المتشدّد والمتطرف في عديد الدول الإفريقية، هل تعتقد أن الخلل يكمن في المناهج المتبعة من قبل العلماء والدعاة؟
الغلو والتشدّد لا شك في وجوده وانتشاره في العالم وفي القارة الإفريقية، وبإلقاء نظرة فاحصة على الحالة، نجد أن للغلو والتطرف أسبابا متعدّدة، ومنها الانعزال المبكر من بعض طلبة العلم، ومن ثم التصدر للزعامة الدينية والفتوى في الشأن العام قبل التفقه وقبل النضج. والقراءة الأحادية للنصوص الشرعية المتشابهة والمتعلقة بالنوازل، خاصة في باب الإمارة وباب الجهاد ودار الإسلام، ونحو ذلك من الأبواب الكبيرة التي يتطلب فهمها جمع النصوص مع الفقه في أحداث السيرة وإدراك الواقع ومتغيراته. وأيضا التأثر بالأفكار الغالية المبثوثة في وسائل التواصل التي يهيمن عليها الغلاة لنشر غلوهم وتشدّدهم، إلى جانب وجود خطاب متشدّد بعيد عن الحكمة لبعض المنتسبين إلى الدعوة، يحرض الشباب على التصدي لمعالجة مشكلات المجتمع المزمنة ويحمّلهم مسؤولية لا طاقة لهم بها، فيشعر الشاب بنوع من التأثم يجعله يقوم بمبادرات وخيمة العاقبة، معتمدة على العنف والإرعاب. وأيضا كثرة الظلم الواقع بالأمة ومقدساتها، مع عدم وجود جهة إسلامية واقفة بحزم في وجه الظالمين والمعتدين. وقيام أناس مشبوهين بإدارة تنظيمات سرية وشبهها، مهمتها نشر التشدّد وتكفير المجتمعات، ومن ثم سلوك مسلك التفجير والتدمير، والعلاجات الخاطئة التي تقتصر على العلاج الأمني.. هذا، وتحت كل نقطة من هذه النقاط تفاصيل أوسع مما ذكرت، لكن كما قيل “يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق”.

كيف يحارب الفكر المتشدّد من وجهة نظرك؟
التشدّد أيا كان سببه، يمكن معالجته في خطوتين: الأولى، نشر العلم الصحيح عن طريق العلماء الراسخين القادرين على إزالة الشبهات ومحو عقبات الانحراف الفكري من عقول الشباب ومداركهم ومن مناهجهم الفكرية والعملية. والثانية، أن يقوم ولاة الأمر من الأمراء والعلماء الكبار بواجبهم في التصدي لمشكلات الأمة، بدل تركها للشباب وأنصاف العلماء والمتشدّدين.

ما التحدّيات التي تواجه علماء إفريقيا؟
من التحدّيات التي تواجه العلماء والمصلحين في إفريقيا: الانقسامات القبلية والحزبية التي أحدثت فجوات وخروقات اجتماعية في كثير من المناطق، وتؤدي في غالب الأحيان إلى حروب دامية تخلّف ضحايا من أبناء القارة، وقلّة الموارد المالية المتاحة في أيدي العلماء والقيادات الإسلامية كثيرا ما تحول دون تنفيذ المشاريع الإستراتيجية الكبرى كما خطط لها، والفجوة الثقافية التي تركها الاستعمار بين الأمراء والعلماء، حيث تجد الثقة ضعيفة بين الطرفين، هذا الطرف يتهم ذاك بعرقلة التقدم والازدهار ونشر أفكار يرى هذا الطرف أن الزمن قد حكم عليها بالأفول، بينما يرى الطرف الآخر أن هؤلاء إنما هم ورثة الاستعمار، وأعداء لبلدانهم، يمكّنون الأعداء من نهب ثرواتها. وهذا التحدي رغم عمق أثره، فقد بذل علماء الاتحاد جهودا جبّارة في التضييق من عمقه، والتقليل من أثره.

ما الدور المأمول تقديمه من قبل الجزائر لعلماء القارة السمراء؟
الجزائر دولة ذات ثقل حضاري وتاريخ عريق ومجد أصيل، واتحاد علماء إفريقيا؛ باعتباره كيانا مهتما بالشأن الإفريقي، يعرف لهذا الشعب قدره، وينظر إلى المؤسسات العلمائية في الجزائر كشركاء استراتيجيين في كثير مما يمكن القيام به من المهام الفكرية والثقافية الهادفة إلى النهوض بالمجتمع الإفريقي. ولعل الاتحاد أن يجعل الجزائر في مقدمة الدول التي سيقوم بزيارتها في رحلته القارية القادمة، والتي تهدف إلى مدّ الجسور التشاركية مع دول الجوار. كما ينتظر من المؤسسات العلمية والثقافية والشعبية في الجزائر أن تضع في الاعتبار اتحاد علماء إفريقيا في مناشطها الإقليمية والدولية، المقامة لتنمية بلداننا تنمية شاملة مستدامة.