”علماء الجزائر كُثُر ومُغيَّبون من أولئك الذين يمسكون بمقاليد بعض المؤسسات الدينية”

38serv

+ -

 أكّد الأستاذ بلخير طاهري الإدريسي، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في حوار لـ«الخبر”، أن “علماء الجزائر كُثُر وفي كل التخصصات؛ لكنهم مغيّبون، خاصة من أولئك الذين يمسكون بمقاليد بعض المؤسسات الدينية، ولا يريدون أن يظهروا إلا هم”، منتقدا التيار المدخلي الذي ينشر مقولة أنه “لا يوجد علماء في الجزائر”، وأرجع زهد علماء الجزائر في الانضمام إلى المؤسسات العلمائية الدولية إلى “خوف التصنيف” إلى جانب “الخوف على مناصبهم ومكاسبهم”، مشيرا إلى أن هذه “مؤسسات علمية علمائية”، ويعتقد أنها “صمام أمان وأمن قومي لأي دولة من الدول، حتى يكون لها صوتا”، مستشهدا بحادثة الرئيس الأسبق للاتحاد أحمد الريسوني المغربي.

انتخبتم، قبل أيام، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، كيف تم ذلك؟
يتم تجديد الرئاسة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كل خمس سنوات، وكل الأعضاء المنخرطين لهم حق المشاركة في الانتخابات، لكن من لهم حق التصويت أن يكون المترشح قد مضى عليه سنتان في هذا المنصب، ويأتي بعشرين توقيعا من المؤتمرين حتى يترشح لمجلس الأمناء، وبعد ذلك يتم الانتخاب لأكثر من ألف (1000) من علماء العالم الإسلامي على هؤلاء الأسماء. نحن في هذه السنة الذين توفرت فيهم الشروط مائة (100) عالم من كامل العالم الإسلامي، ودخلنا الانتخابات على أن يُختار منهم واحد وثلاثون شخصا، وأربعة عشر شخصا يتم بعد ذلك من خلال التشاور مع أمانة المجلس بين الرئاسة والمجلس، تتم تزكيتهم من الأقطار التي لم تشارك أو الشخصيات البارزة التي لم ترشح أو لم يتسنّ لها الحضور، لكن واحد وثلاثون (31) يتم انتخابهم من بين المائة. وكان هذا الاختيار من خلال الانتخاب، والعدد الذي حضر من الجزائريين تسعة عشر (19) شخصا فقط.

كم يبلغ عدد علماء الجزائر في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؟
عدد علماء الجزائر في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لا يتجاوز الثلاثين شخصا.

ألا تعتقدون أن هذا العدد ضئيل جدا مقارنة بدولة جارة مثلا؟
lربما ينظر البعض أن عدد الأعضاء المنتمين للاتحاد العالمي قليل، وهذا صحيح بالنسبة للجزائريين، وهذا يعود لعدّة أسباب، أولا ربما الزهد في مثل هذه المؤسسات العلمائية خاصة باعتبارها غير ممثلة في الجزائر وليس لها مقر وما إلى ذلك. الأمر الثاني خوفهم من تصنيف العالم، وأنه ينتمي لفكر معيّن أو توجه معيّن. والأمر الثالث عدم حرص البعض على تسجيل أسمائهم، وأنا أعلم أن كثيرا منهم بعثوا أسماءهم ولكن، للأسف، الشديد الأسماء التي أُعطيت لهؤلاء الأشخاص لم يسجلوا أسماءهم، في المقابل، هناك بعض الدول المجاورة عددهم قليل وعدد ممثليهم أكثر، فهذا هو وجه الغرابة. أقول إن عدد الأسماء التي أعرفها يقارب الثلاثين (30) عضوا في الاتحاد، والذين حضروا فعليا تسعة عشر (19)، والذين تم انتخابهم اثنان (02)؛ حيث تم انتخاب الدكتور عبد الرزاق قسوم للمرة الثانية، وباعتباره الآن أكبرهم سنا (91 سنة)، ألقى الكلمة باسم الحضور، والعبد الضعيف أنا تم انتخابي لأول مرة.

برأيكم، لماذا يزهد علماء الجزائر في الانضمام إلى المؤسسات العلمائية في العالم؟
أرجعه فقط لخوف التصنيف، والخوف على مناصبهم ومكاسبهم، وهذه مؤسسات علمية علمائية، بالعكس، أنا أراها صمّام أمان وأمن قومي لأي دولة من الدول، حتى يكون لها صوت، وربما الكل أخذ درسا مما وقع للرئيس الأسبق أحمد الريسوني المغربي الذي كان على رأس هذه الهيئة العلمائية، وأراد أن يجرّها لأن تعترف بمغربية الصحراء، ولكن الحمد لله تفطنتُ لهذا الأمر. ولعلمك، أن أول من أثار مسألة الريسوني هو الدكتور طاهري بلخير، أنا أول من أثار مشكلة الريسوني، واتصلتُ ليلا بالأمين العام وبعثتُ له الفيديو، ثم انتظرت منهم فخرج البيان في اليوم الثاني؛ بيان ضعيف، فعملت فيديو وبيانا ثان، ثم اتصلتُ بالشيخ عبد الرزاق قسوم باعتباره رئيس جمعية العلماء وشخصية بارزة على أن يتحرك بصفته عضو أمناء المجلس، ولأنني كنت عضو الاتحاد ولستُ عضو مجلس الأمناء؛ ليست لي تلك القوة، والشيخ قسوم باعتباره عضو أمناء المجلس بإمكانه أن يحرك القضية، وضغطنا بكل قوانا وأعلنا تجميد عضويتنا إلى غاية الفصل في هذه القضية، وكانت لنا ثلاثة شروط: أولاها سحب فيديو الريسوني، ثانيها الاعتذار للشعب الجزائري، وثالثها الاعتذار للاتحاد العالمي في هذه الجزئية.

ما تعليقكم على من يقول “لا يوجد علماء كبار في الجزائر”؟
علماء الجزائر كثر وفي كل التخصصات ولله الحمد، ولكن مغيّبون، مغيّبون عمدا، خاصة أولئك الذين يمسكون بمقاليد بعض المؤسسات الدينية، لا يريدون أن يظهروا إلا هم، هم من تراهم في التلفزيون وفي الفتاوى وفي المحاضرات وفي الندوات والملتقيات، طيلة خمسة وعشرين (25) سنة نفس الوجوه، لا يريدون لأي طاقة علمية أن تظهر أو تبرز، كلما ظهرت طاقة علمية إلا ومنعوها من الظهور ومن الدروس ومن المحاضرات ومن الحضور إلى الملتقيات، وقاموا بتعتيم إعلامي عليها بكل الطرق. حاضرتُ منذ سنة في ولاية المسيلة، وتحدثت عن علماء الجزائر، وسمّيت الفيديو بـ«أوليات علماء الجزائر”، ونشرت مقطعا من الفيديو في ثلاث دقائق، وشاهده في ظرف ثلاثة أيام أكثر من ربع مليون مشاهد، هذا مما يدل على أن الكثيرين يجهلون علماءهم قديما وحديثا. لابد أن ننفض الغبار عن أنفسنا والإعلان عن أنفسنا وعن علمائنا، وهذا من خلال المحاضرات والندوات وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والآن بإمكان أي شخص أن يلقي دروسا أو محاضرات بغض النظر عن أولئك الذين يعرقلون. وفي هذا المقام، أقول وأطمئنك إن لنا علماء في شتى التخصصات العلمية والعلوم الإنسانية والتجريبية، فقط يحتاجون لمن ينفض عنهم الغبار ولمن يفسح لهم المجال.. والله أعلم. أما فيما يخص من يقول إن لا علماء من بني جلدتنا، فللأسف الشديد هؤلاء ابتليت بهم البلدان الإسلامية والذين نسمّيهم نحن بين قوسين “المدخلية” أو “الوهابية”، فهؤلاء ليس لديهم إلا علماء الخليج وبالضبط علماء السعودية، وعندهم العلماء ثلاثة الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني، ما عدا هؤلاء ليس هناك عالم، وأصبح هؤلاء العلماء الثلاثة هم المرجعية لهم في فتاويهم وفي أحكامهم وما إلى ذلك، ونحن لا نشك في علم هؤلاء ولكن كل له تخصصه وكل له مذهبه، وهؤلاء كلهم يعدّون ويحسبون على المذهب الحنبلي، وكلهم يحسبون ويعدّون على المذهب الوهابي. وأبناؤنا، للأسف الشديد، غُرِّر بهم وأصبحوا يظنون أن هؤلاء هم العلماء فقط، ولا يُقبَل أي حكم شرعي إلا من هؤلاء، وهؤلاء قد ماتوا وظهر تلامذتهم وأصبحوا يروّجون لتلامذتهم في الداخل والخارج، ولكن ليس بتلك القوة التي كان عليها أولئك، هذا من جانب، ومن الجانب الثاني وهو تأييد السلطان أو الحاكم، ولو تسحب منهم هذه الورقة، لن تسمع لهم صوتا ولا رِكزا.