38serv

+ -

منّ الله تعالى على عباده المؤمنين وتكرّم عليهم بليلة القدر بأن جعلها خيرا من ألف شهر، أي تعدل ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر. يقول فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: “اعلم أن من أحياها فكأنما عبد الله تعالى نيفا وثمانين سنة، ومن أحياها كل سنة فكأنه رزق أعمارا كثيرة”.

 قال الله تعالى: {إنا أنزلته في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر} الفجر:1-3. تتضاعف فيها الأعمال أضعافا مضاعفة، وتحط فيها الخطايا وتغفر السيئات، فكأن من أحياها وعمل فيها خيرا قد رزق عمرا طويلا.

ليلة القدر خير من ألف شهر
جاء في الموطأ عن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: “إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أرى أعمار الناسِ قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أَن لا يبلغوا من العمل، مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر، خير من ألف شهر”. وفي الصحيحين عن أبي هريرة له عن النبي الله أنه قال: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”.

والمحروم من حُرم فضلها ولم ينل أجرها، فقد روى ابن ماجه بسند حسن عن أنس بن مالك ما قال: دخل رمضان فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يُحْرَمُ خيرها إلا محروم”.

من يحظى بليلة القدر
اختلف الأئمة في ثواب إدراك ليلة القدر، هل يكون ذلك لجميع الناس أو لمن شاهد علاماتها؟ اختار جماعة منهم الطبري والمهلب وابن العربي أن الثواب المترتب عليها يحصل لمن قامها وإن لم يظهر له شيء، مستدلين بعموم ما رواه الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، قال القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: «يعني به يطلب بقيامه ليلة القدر، وحينئذ يلتتم مع قوله: «يوافقها لأن معنى يوافقها” يصادفها، ومن صلى فيها فقد صادقها، ويحتمل أن تكون الموافقة هنا عبارة عن قبول الصلاة فيها والدعاء، أو يوافق الملائكة في دعائها، أو يوافقها حاضر القلب متأهلا لحصول الخير والثواب؛ إذ ليس كل دعاء يسمع، ولا كل عمل يقبل، فإنه: {إنما يتقبل الله من المتقينَ} المائدة:27. واختار جماعة منهم النووي أن الثواب يتوقف على كشفها له، مستدلين بما رواه مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: “من يقم ليلة القدر فيُوافقها (أراهُ قال) إيمانا واحتسابا غفر له”، وروى أحمد عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “من قامها ابتغاءها إِيمانا واحتسابا، ثم وفقت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”، قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله “من يقم ليلة القدر فيُوافقها” معناه يعلم أنها ليلة القدر، ووافقه الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقال: وهو الذي يترجح في نظري، ولا أنكر حصول الثواب الجزيل لمن قام لابتغاء ليلة القدر وإن لم يعلم بها ولو لم توفق له، وإنما الكلام على حصول الثواب المعين الموعود به. ورد الحافظ العراقي في طرح التدريب شرح التقريب ما قاله النووي فقال: إنما معنى توفيقها له أو موافقته لها أن يكون الواقع أن تلك الليلة التي قامها بقصد ليلة القدر هي ليلة القدر في نفس الأمر، وإن لم يعلم هو ذلك، وما ذكره النووي من أن معنى الموافقة العلم بأنها ليلة القدر مردود، وليس في اللفظ ما يقتضي هذا ولا المعنى يساعده.

*مدير المجلس العلمي لجامع الجزائر