38serv

+ -

من الأحاديث المشتهرة على الألسنة “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، فمغفرة الذنوب مرهونة بهذه الأسباب الثلاثة، كل واحد منها مكفر لما سلف من الذنوب، وهي صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر.

ومع اجتهاد المكلف في رمضان إلا أنه قد يحدث معه بعض التقصير في صيامه وصلاته وقيامه، لذلك حث الشارع الحكيم على الاستغفار عما وقع من إخلال أو تفريط، قال أبو هريرة: يُغفر فيه إلا لمن أبى، قالوا: ومن يأبى؟ قال: الذي لا يستغفر. قال الحسن: أكثروا من الاستغفار، فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة. ونصح أب ولده فقال: يا بني عوِّد لسانك الاستغفار فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلا، وقد جمع ربنا سبحانه بين التوحيد والاستغفار في قوله: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك}. قال إبليس: أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار. والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها، فتُختَم به الصلاة والحج وقيام الليل، وتختم به المجالس، كل مجلس على حسب ما وقع فيه.

وكذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار، فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة: فإن صدقة الفطر طهر للصائم من اللهو والرفث، والاستغفار يرفع ما حصل من الخروق في الصيام باللهو والرفث، قولوا كما قال أبوكم آدم: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لَم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}، وقولوا كما قال إبراهيم: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين}، وقولوا كما قال ذو النون: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}. فصيامنا يحتاج إلى استغفار نافع، وعمل صالح له شافع، فكم اخترق صيامنا بسهام الكلام الذي لا يليق، فلذلك لابد من ترقيعه باستغفار عميق، كان بعض السلف إذا صلى صلاة استغفر من تقصيره فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه، إذا كان هذا حال المحسنين في عباداتهم فكيف حال المسيئين، كيف حال المسيئين.

فالمهم أيها الفاضل: علينا أن نكثر من الاستغفار بعد هذا الشهر، علَّ المولى سبحانه أن يتجاوز عن إسرافنا وتفريطنا، وما حصل منا من معاصي وسيئات في حق ذلك الشهر الذي تعظم فيه السيئة لفضله وشرفه.

ومع الصيام والاستغفار بعده، فعلينا ألا نصاب بالغرور، فالبعض يجتهد فعلا، ويختم القرآن أكثر من مرة، ويحرص على التراويح وقيام رمضان كله من أوله إلى آخره، لم يخرم منه ليلة، ويردف ذلك بأنواع الصدقات والمبرات وفعل الخيرات، لكن إذا كانت النفس سيئة، إذا كان الطبع متعفنا، فإن كثرة العبادة لا تنفع، بل إن الشيطان يوسوس ويقول له: لقد فعلت أشياء كثيرة وطاعات عظيمة، خرجت من رمضان كيوم ولدتك أمك، فرصيدك في غاية الارتفاع، صحائف حسناتك مملوءة وكثيرة، فلا عليك بعد ذلك ما عملت، ويصاب بالغرور والعجب، وتمتلئ نفسه تيها وفخرا، متناسيا قول الحق سبحانه: {ولا تمنُن تستكْثِر}، أتمن على الله أنك أطعته؟ فلا تمن على الله بعملك ولا تفخر ولا تغتر.

في مسند الإمام أحمد من حديث عتبة بن عبد قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “لو أن رجلا يُجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هَرَمًا في مرضاة الله عز وجل لحقَّره يوم القيامة”، أي: لجاء يوم القيامة فرآه قليلا ضعيفا، لرأى عمله لا يساوي شيئا، فإنه لو قارنه بنعمة واحدة من النعم كنعمة البصر مثلا، لصار هذا قليلا لا يساوي شيئا، ولذلك علينا أن نضع نصب أعيننا بأننا لا ندخل الجنة بأعمالنا، وإنما برحمته تعالى، فالأعمال ليست ثمنا للجنة، إنما هي أسباب، فبدون رحمة الله فإن الأعمال لا تؤهل صاحبها لدخول جنان الرحمن، بل ولا تسديد حق نعمة واحدة من النعم. والله ولي التوفيق.

إمام مسجد عمر بن الخطّاب، بن غازي - براقي