38serv

+ -

انتقدت مجموعة من الأحزاب السياسية قرار وزارة التربية القاضي بإدراج مصطلحات من اللهجات المحلية في التدريس خلال مرحلة التعليم الابتدائي، واعتبرته تعديا على الدستور وقوانين الجمهورية ومساسا بالوحدة الوطنية. هذا ما جاء في بيان مشترك لأحزاب البناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية وتكتل الجزائر الخضراء. أجمع المعنيون على رفض قرار الوزارة الناتج عن الندوة الوطنية لتقييم المنظومة التربوية، والذي أوصى باستعمال اللهجات العامية في التدريس في مرحلة التعليم الابتدائي، وأن اتخاذ هذا القرار يعتبر، حسبهم، “تعديا على الدستور، مع ضرورة الدعوة للمحافظة على الوحدة والهوية الوطنية وانسجام المجتمع الجزائري، ورفض تسييس المنظومة التربوية والعودة إلى الصراع اللغوي وإلهاء المجتمع بالمشاكل الجانبية. ووصل المعنيون إلى حد المطالبة برحيل الوزيرة بسبب “جرأتها وتعديها الخطوط الحمراء باستهداف مقومات المجتمع الجزائري، ويرون أن بقاءها سيعقد الأوضاع وينذر بدخول اجتماعي ساخن”.من جهتها، اعتبرت حركة الإصلاح القرار بمثابة مساس بالثوابت الوطنية واعتداء عليها من طرف السلطة في الجزائر، ما يطرح، حسبهم، الكثير من التساؤلات عن جدوى الندوة الوطنية التي عقدتها وزارة التربية، وأن الأمر يتعلق بمحاولة للإجهاز على مقومات الهوية الوطنية وفي مقدمتها اللغة العربية، وأنه يجسد محاولة لفرض أجندات مشبوهة دخيلة على المجتمع الجزائري الأصيل.في حين وصفت حركة مجتمع السلم، في بيان لها، ما جاء بـ”التوجهات الأيديولوجية المنافية للدستور التي يراد تمريرها، وتجسد هيمنة لغة الاستعمار على مجريات الندوة، على رأسها الدعوة إلى اعتماد العامية في الأطوار الأولى من التعليم”. المختصة في علم الاجتماع صباح عياشي“توظيف اللهجة العامية خرقٌ للوعاء الزمني للغة الرسمية” نبّهت المختصة في علم الاجتماع، البروفيسور صباح عياشي، إطارات وزارة التربية من تبني اللهجة العامية في مناهج التدريس لإيصال المعلومات للطلبة، واعتبرت أن القرار تترتب عليه آثار سلبية على اللغات الرسمية في الجزائر، حيث تسترق من وعائها الزمني عندما تحجز لها مكانا داخل مناهج التلقين، وتكون كأداة عند الأستاذ لإيصال أفكاره. ومن زاوية علم الاجتماع، ترى المختصة، خلال اتصال بـ”الخبر”، أمس، أن اللهجة العامية في الجزائر أصبحت هجينة واستوردت مصطلحات من لغات أجنبية كالفرنسية والإنجليزية، وأصبحت متداولة على لسان المجتمع، الأمر الذي يجب محاصرته وإبعاده عن قاعات التدريس وليس تبنيه داخلها. وتابعت المتحدثة: “كلما ابتعدنا عن لغتنا الرسمية ولغاتنا الأم كلما انسلخنا عن ثقافتنا وهويتنا”، مضيفة أن علم الاجتماع يرى الأمر بعين بعيدة النظر ويفسره على أنه اغتيال للغة الرسمية التي نتعامل بها في المؤسسات. وأوضحت المتحدثة أن للغة علاقة وثيقة مع التنمية والاقتصاد في جانب المعاملات والانفتاح على الدول التي تتكلم العربية، إذا تشوهت تتعثر الأفكار والرسالة في بلوغ الطرف الآخر، وتختل المفاهيم والاستراتيجيات وتتعطل المصالح لوقوع سوء الفهم، ومن هنا تتسع دائرة الغموض بين أطراف الاتصال.المفتش العام للبيداغوجيا بوزارة التربية الوطنية فريد بن رمضان لـ”الخبر”“استعمال اللغة الأم في التدريس يُسرّع من وتيرة تعلّم التلميذ”    القرار بيداغوجي وليس سياسيا أيديولوجياومن ينتقدونه لا يملكون قاعدة معرفية في اللسانيات يتحدث المفتش العام للبيداغوجيا والدكتور في علم اللسانيات، فريد بن رمضان، في هذا الحوار الذي خص به “الخبر”، عن التوصية التي جاءت بها الندوة الوطنية لتقييم المنظومة التربوية والقاضية باستعمال اللهجات المحلية والعامية في التعليم خلال السنوات الأُولى من تمدرس التلميذ، أي الطور التحضيري والابتدائي. يدافع محدثنا عن الفكرة التي قال إنها جاءت نتيجة مجهود خبراء ومختصين في العالم وفي الجزائر، رافضا فكرة “تسييس قرار بيداغوجي”. أثار الإجراء القاضي باستعمال اللهجات المحلية والعامية في السنوات الأُولى من تمدرس التلميذ ضجّة وانتقادا كبيرين، هل يمكن أن توضحوا لنا الفِكرة؟ نعلم أن اللغة الأساسية هي لغة المدرسة. ولغة المدرسة في الجزائر هي اللغة العربية، وهي لغة التعليم والتعلم، يعني أنها لغة وأيضا وسيلة تمكن الأساتذة من تدريس كل المواد: التاريخ والجغرافيا والرياضيات وغيرها.لكن، ونظرا للتوسع الجغرافي الكبير للجزائر، فإن الكثير من التلاميذ لا يُحسنون حتى اللّغات الدارجة. وهذا المشكل مطروح خاصة في الطّور التحضيري والسنة أُولى ابتدائي، يعني عند أوّل اتصال للتلميذ مع المدرسة لا بد أن ننطلق من السؤال: كيف نصل إلى تعليم الطفل في وقت وجيز؟ وكيف نوصل المعلومة لهؤلاء الأطفال الجزائريين القادمين من بيئات تتحدث بلغات ولهجات مختلفة؟ على غرار بلاد القبائل وغرداية وغيرها؟ الخبراء والمختصون أجابوا على هذا السؤال بأن الطفل الصغير عندما يدخل إلى المدرسة يجب أن لا يتصادم بلغة لا يعرفها حتى في بيته، سواء تعلق الأمر بلهجة من اللهجات الجزائرية أو العامية، وهنا تتدخل المدرسة في عملية التدرج. يعني نوصل إليه هذه اللغة الفصحى باستعمال لغته الأم، لكي يتبنى التلميذ لغة التمدرس التي سيعتبرها امتدادا طبيعيا للغته الأم.لماذا جاء هذا القرار وهل له خلفيات أيديولوجية أو بيداغوجية؟ هذا قرار أوصى به المختصون ونتيجة للعديد من الأبحاث، وفي الجزائر مثلا اكتشفنا أن 10 بالمائة من التلاميذ يعيدون السنة الثانية ابتدائي، رغم أنهم يدرسون 13 ساعة من اللغة في السنتين الأولى والثانية، وهي إشكالية متعلقة بتعلم اللغة الفصحى، وعليه قررنا أن نخفض هذه النسبة ولمَ لا الوصول إلى 0 بالمائة. فاستعمال العامية يسهل التعلمات الأساسية للتلميذ، وننطلق دائما من تراث التلميذ. ولنعلم أن اللغة العربية في الجزائر ليست مادة فقط، وإنما كفاءة يستعملها التلميذ لدراسة باقي المواد. ونحن لاحظنا الآن أن بعض الأطراف أعطت بعدا أيديولوجيا لظاهرة بيداغوجية.هل هذا القرار هو وليد الندوة الوطنية لتقييم المنظومة التربوية المنعقدة يومي 24 و25 جويلية الماضيين أم أنه سابق لها؟أجل، جاء هذا الإجراء في توصيات الندوة، حيث رفع الكثير من المختصين الاقتراح، غير أنه عملية بيداغوجية مُتفق عليها لدى البيداغوجيين والمختصين في دول العالم، يعني ليس ابتكارا من المختصين الذين شاركوا في الندوة. ونحن لا نتحدث عن اللغة العربية، ولكن عن العلاقة بين لغة التواصل ولغة التمدرس أيا كانت لغة التمدرس في الجزائر أو غيرها من البلدان. الخبراء فصلوا في الأمر، وقالوا بضرورة تفادي الصدام والصراع بين اللغات لكي تكون هناك سيرورة طبيعية وتكاملية بين اللغة الأم واللغة المدرسية واللغات الأجنبية.لكن البعض انتقد هذا الإجراء واعتبره غير مؤسس؟ نحن نتحدث كبيداغوجيين وفي إطار مُعالجة عملية بيداغوجية. من عارض هذا الإجراء لا يتحدث من منبر البيداغوجي، ما يعني أن العدو الكبير في هذا المجال هو الجهل. وعندما لا تكون لهؤلاء قاعدة معرفية في اللسانيات والصوتيات وعلم التعليم، يقومون بالتأويل وهذا أمر خطير. نحن هدفنا رفع مستوى التلاميذ وهذا ما سنفعله. أطراف أخرى أعطت للقرار بعدا أيديولوجيا بالقول إنه ضربة للغة العربية، ما رأيكم؟     هذا ما كنت أحدثك عنه. عندما لا تكون لنا قواعد معرفية سليمة، فيمكن أن نؤول كما نشاء. الأمر لا يتعلق باللغة بحد ذاتها، وإنما بالإجراء المتعامل به في البلدان المتطورة في العالم. أي لغة تخاطب بها الطفل في السنوات الأولى من تعليمه؟ هل تخاطبه باللغة العربية الفصحى؟ لا، طبعا، وإنما تقرب له المفاهيم باستعمال اللغة الأم، وذلك لكي يتعلم اللغة العربية الفصحى في الجزائر أو لغة التمدرس في البلدان الأخرى.عمليا كيف سيدرس الأستاذ في القسم بتطبيق هذا القرار؟ هذا جهد تقني، إن صح التعبير. أعطيك أمثلة وقس عليها: في مجتمعنا نقول “حوتة” ولا نقول سمكة، يمكن أن يستعملها الأستاذ من أجل إيصال الفكرة ونقل المعلومة، يعني يقول للتلميذ “هذي سمكة وليس حوتة”. أيضا التلميذ الصغير في السنة الأُولى يقول “عندي “لوطو” الأستاذ يجيبه “كلمة لوطو حنا نقولولها سيارة” إلى غير ذلك. أضف إلى ذلك أن الكثير من الكلمات الموجودة في العامية مصدرها اللغة العربية الفصحى، وإنما منطوقة بشكل سيئ أو محرف قليلا، تلك يقوم الأستاذ بتصحيحها. وأقول لك بأن الأساتذة حاليا يقومون بهذا في بعض المناطق خاصة غرداية والقبائل والشاوية، يشرحون باستعمال العامية وذلك من أجل إيصال الفكرة للتلميذ. كم ستدوم فترة الانتقال من اللغة الأم إلى لغة التمدرس؟ ليس طويلا، خاصة إن التحق التلميذ بالطور التحضيري، فيمكن أن يتخطى فيه هذه المرحلة، وإذا التحق بالمدرسة الابتدائية يمكن أن تستمر العملية ستة أشهر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: