ثلاثة شواهد تعيد الجزائريين إلى"زمن المحنة"

38serv

+ -

 في نهاية ثمانينات القرن الماضي، ضربت أزمة البترول الجزائر في العمق، فأنتجت في نهاية المطاف ثورة أكتوبر فتعددية سياسية، فرخت أكبر حزب مثير للجدل “الجبهة الإسلامية للإنقاذ فيس”. وفي 2015، تضرب نفس الأزمة البلاد فيخرج مدني مزراڤ معلنا عن تأسيس “الجبهة الجزائرية للمصالحة والإنقاذ - فارس”. هل هي الصدفة أم أن التاريخ يعيد نفسه؟حرص مدني مزراڤ، مستهلكا عاما كاملا بالتفكير بتسمية لائقة لحزبه، فسماه “الجبهة الإسلامية للمصالحة والإنقاذ”، والمتأمل في هذه التسمية، يجدها بشطرين، واحد سلطوي والآخر “فيسي”، فاختار المصالحة تعبيرا عن تأييده مسعى الرئيس بوتفليقة الذي أطلقه في ميثاق عام 2006، وحظيت بتأييد واحد ممن كانت السلطة تراهن عليه في إنجاحها وهو مزراڤ، أما الشطر الثاني، فهو “الإنقاذ”، وأراد مزراڤ بهذا المصطلح إرسال إشارة إلى السلطة تفيد بتمسكه بمبادئ “جبهة الإنقاذ” المحلة، وتأكيدا منه بثباته على المشروع الذي أراد الإنقاذيون تجسيده أوائل التسعينات واصطدم بالعسكر، بمسمى الحفاظ على الجمهورية، كما سبق وصرح وزير الدفاع آنذاك، خالد نزار.الظروف التي توجت تأسيس جبهة الإنقاذ وعلى رأسها كل من عباسي مدني وعلي بن حاج، تشبه إلى حد بعيد الظروف التي تمر بها الجزائر اليوم، وإن تباينت المعطيات السياسية، فإن انهيار أسعار النفط الذي زج بالبلاد في أزمة اقتصادية خانقة بداية من 1986، مكن من “إحالة سياسية” بضرورة التغيير، فاندلعت أحداث أكتوبر 88، فخط الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد دستور 89، الذي أتى بنسائم تعددية سياسية وإعلامية، أفرزت عشرات الأحزاب، لكن المشهد اختزل في حزب واحد اكتسح الأصوات الانتخابية، لاحقا، بينما وقف الأفالان موقف المتفرج بعد أن أرهقته مقاومة سياسية فاشلة تطلبت تدخل الجيش لتوقيف المسار الانتخابي، في جانفي 1992.الاختلاف السياسي بين الظروف التي سبقت جانفي 92، والظروف السياسية الراهنة، يكمن في أنه في تلك الفترة، شهدت الجزائر انفتاحا ديمقراطيا لا مثيل له، ونقاشا حادا بين مختلف الإيديولوجيات التي كانت ممثلة كلها بأحزاب سياسية، لكن ذلك الزخم تفتقده الساحة السياسية حاليا، ولم يكن تراجع أسعار البترول مبعثا لنقاش يبتغى في منتهاه تجنيب البلاد ما عانته خلال التسعينات، بينما تنفرد السلطة بمعالجة آثار تراجع الريع البترولي، لكنها معالجة شبيهة بتلك المعالجة التي تبنتها حكومات أزمة التسعينات، والتي كان لأحمد أويحيى دور رئيس فيها، من خلال تدابير تسيير إداري لأزمة تطلبت الاقتطاع من الأجور، تماما مثلما يتردد حاليا من أن رواتب الموظفين مهددة بالتقليص.ومثلما فعلها أويحيى في تلك المرحلة، على ما ينسب لنفسه من صفة “خدام الدولة”، هناك حديث عن عدم استبعاد إعادة الكرة، فأويحيى الذي نال الشهرة من أزمة التسعينات، رشحت قراءات كثيرة على دور سيلعبه في المرحلة المقبلة، بعد أن عاد إلى صناعة القرار مرتين في فترة وجيزة، مرة عندما عينه الرئيس بوتفليقة مديرا لديوانه، ومرة ثانية عندما أزيح عبد القادر بن صالح، وعاد أويحيى إلى منصبه رقما أول على رأس الأرندي.لكن، ليس عودة أويحيى لمكانه “الطبيعي” بمبنى بن عكنون، ذلك المؤشر الذي بنيت عليه قراءات “العودة الرسمية لدواليب الدولة”، ولكن إدارته لمشاورات تعديل الدستور صائفة 2014، أحالت إلى إسهام محتمل ولاحق للرجل في إسناد صناع القرار في إدارة مرحلة حساسة تمر بها البلاد، والرجل، في مشاوراته، لم يستثن استشارة مدني مزراڤ المنتشي منذ ذلك الوقت بصفة “شخصية وطنية” رفعت أسهمه بما مكنه من شجاعة الإعلان عن حزبه، ويستند مراقبون إلى هذه “الواقعة” في تسليمهم بأن حصول مزراڤ على اعتماد الحزب ليس مستحيلا.ثلاثية تعيد نفسها بمشهد سياسي قديم جديد، انهيار أسعار النفط، عودة أحمد أويحيى وخرجة مدني مزراڤ.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: