ثقافة

شغف القراءة يسكن الجزائريين

"الخبر" ترصد الأجواء بـ "سيلا 2025"

  • 1290
  • 4:29 دقيقة
الصورة: حمزة كالي "الخبر"
الصورة: حمزة كالي "الخبر"

منذ البوابة الرئيسية لقصر المعارض "سافكس"، يستقبلك المشهد نفسه كل عام، لكنه في كل مرة يحمل نبضا مختلفا: طوابير طويلة من الزوار، كتب بين الأيدي وأصوات تتقاطع بين أجنحة تتزاحم بالألوان والعناوين.

في طبعته الثامنة والعشرين، عاد الصالون الدولي للكتاب "سيلا" ليؤكد مكانته كأكبر تظاهرة ثقافية في الجزائر، جامعا بين الناشرين والقراء، بين الكلمة والحلم، وبين الحنين إلى الورق والبحث عن معنى جديد للثقافة في زمن الشاشة.

منذ اليوم الأول، شهد المعرض إقبالا واسعا من الجمهور، حيث غصت الممرات بالعائلات والطلبة والتلاميذ. هنا لا تفرق الحشود بين فتى يبحث عن أول رواية يقرؤها، وشيخ يبحث عن آخر إصدار لمفكر عربي. الكل جاء بدافع واحد: "حب الكتاب".

*دار "أكسيجين"... أول خطوة في عالم النشر

مع بداية جولتنا الميدانية، كانت وجهتنا نحو الجناح المركزي حيث تتموضع دار أكسيجين للنشر، التي تشارك لأول مرة في "سيلا".

هناك، كان الأستاذ عبد الحق شعلان، (أستاذ بجامعة الجزائر 2 ومدير الدار)، يتحدث إلينا بابتسامة قائلا: "يسعدنا أن نرحب بكم في فضاء دار أكسيجين للنشر بجناح 67. مشاركتنا الأولى في الصالون نعتبرها خطوة مهمة في مسارنا الثقافي، وشرف كبير لنا أن نقتحم عالم النشر من خلال هذا الموعد الهام".

وأضاف: "دار أكسيجين هي أحد فروع مؤسسة أكسيجين للثقافة والفنون، ونسعى من خلالها إلى تنويع المشهد الثقافي الوطني عبر إصدارات تجمع بين الدراسات التاريخية والنقدية والفكرية والفلسفية، إضافة إلى الدواوين الشعرية والروايات بثلاث لغات: العربية، الإنجليزية والفرنسية".

الأستاذ شعلان بدا فخورا بما تحقق خلال الأيام الأولى من المعرض، مؤكدا أن جناح الدار شهد "إقبالا غير متوقع"، خصوصا خلال جلسات البيع بالتوقيع التي جذبت جمهورا واسعا.

وأردف "نفدت جميع نسخ كتاب الدين والسلطة السياسية للبروفيسور محمد بشير شنيتي، ما اضطرنا لإعادة الطباعة، وكذلك كتاب إشكالية الإسلام السياسي عند محمد أركون للأستاذ محمد سعيد أبو سعدية في ظرف ساعة واحدة فقط. هذا دليل على نضج القراء الجزائريين واهتمامهم بالفكر المعاصر".

بين رفوف أكسيجين، تتجاور عناوين فكرية مع نصوص أدبية، لتعبر عن رؤية دار ناشئة تؤمن بأن "الثقافة مشروع وطني لا يُبنى إلا بالمعرفة".

*منشورات خيال... بين الفكر وسوق النشر

على مقربة من هناك، لفت انتباهنا جناح منشورات خيال، حيث كان الزوار يتنقلون بين الروايات والدواوين، استقبلنا الأستاذ رفيق طيبي، أحد مسؤولي الدار، الذي تحدث إلينا عن خصوصية هذه المشاركة قائلا: "نشارك هذا العام بمجموعة من الإصدارات التي لاقت إقبالا نوعيا من القراء، وتشمل مجالات الأدب، الفلسفة، الفكر، الشعر والرواية".

وأضاف "حرصنا في منشورات خيال على تحقيق توازن بين البعد الثقافي والجانب الاقتصادي، من خلال توفير أكبر عدد ممكن من العناوين بأسعار تراعي القدرة الشرائية للقراء، دون المساس بجودة النشر والتوزيع داخل الوطن وخارجه، وحتى للأجانب الذين يزورون المعرض".

لكنه يعترف أن الظروف الاقتصادية أثرت بشكل ملحوظ على حركة الشراء، قائلا: "الكثير من الزوار يكتفون بتصفح الكتب دون اقتنائها. ومع ذلك، نعتبر المشاركة في "سيلا" تجربة ضرورية وفرصة لتجديد اللقاء مع جمهورنا، لأن التواصل في حد ذاته دعم للمشهد الثقافي".

*دار الفرسان الأردنية... حضور عربي متجذر

لم تقتصر الجولة على الدور الوطنية فقط، إذ كانت الأجنحة العربية بدورها تستقطب أعدادا كبيرة من الزوار، خصوصا دار الفرسان الأردنية التي تحتفل هذا العام بعشرين سنة من المشاركة المستمرة في معرض الجزائر الدولي للكتاب.

صاحب الدار عبر عن فخره بهذه الاستمرارية، مؤكدا أن "سيلا من أقوى وأفضل المعارض الدولية من حيث التنظيم والإقبال ونوعية الجمهور".

وأردف: "الجمهور الجزائري مثقف وواع، يعرف ما يريد من الكتب، وهذا ما يميز المعرض عن غيره. نحرص دائما على تقديم عناوين تخدم القضايا الكبرى في الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي تشكل محورا دائما في جناحنا".

وتابع: "نحوز على أكبر مجموعة من مؤلفات العلماء العرب مثل الدكتور أحمد راتب النابلسي، والدكتور سلمان العودة، والدكتور محمد العوضي، إضافة إلى كتب من فلسطين، أبرزها الشوك والقرنفل للشهيد يحيى السنوار، وكتب الأسير عبد الله البرغوثي. نحن نوزع النسخة الأصلية الوحيدة من كتاب السنوار بطبعة مصادق عليها من عائلته".

بين رفوف دار الفرسان، لا تبيع الكتب فقط، بل تنشر ذاكرة الشعوب وقصص المقاومة، في مشهد يعكس وحدة الثقافة العربية.

الزوار... مرآة الوعي الثقافي

بعيدا عن الأجنحة والناشرين، يبقى الزائر هو محور المعرض ومرآة وعيه الثقافي. التقينا محمد، شاب جامعي جاء من ولاية المدية رفقة صديقه من سطيف، وقد حمل بين يديه كتابا دينيا وآخر أكاديميا. قال لنا: "أتيت منذ الصباح الباكر للبحث عن كتب دينية وأكاديمية، لكن الأسعار هذه السنة مرتفعة جدا، إذ يصل أقل كتاب إلى 1000 دج، وهو مبلغ لا يناسب الطلبة. بالكاد أستطيع شراء كتابين".

أما ماريا، طالبة في السنة السادسة طب، فقد اعتبرت أن الإقبال هذا العام "أكبر من السنوات السابقة"، مشيرة إلى أن "الزوار أكثر تنوعا، وهناك حضور قوي للكتب الفكرية والطبية".

وأضافت بابتسامة: "الأسعار متفاوتة، بعض الكتب معقولة لكن كتب أخرى تصل إلى 6000 دج، وهو مبلغ كبير، رغم ذلك لا يمكن تفويت فرصة زيارة المعرض".

في الجناح الأدبي، التقت "الخبر" بمريم، طالبة بالمدرسة العليا للأساتذة، التي قالت:"أتيت للمعرض ليس فقط لشراء الكتب، بل لرؤية الكتّاب والتعرف على تجاربهم. أريد أن أتعلم منهم وأخطو أولى خطواتي نحو الكتابة. أمة إقرأ هنا تظهر، رغم أن الأسعار مرتفعة".

أما حياة (متخرجة من قسم الفلسفة)، أكدت أنها أتت للمعرض لاقتناء الروايات، منها رواية العمى التي تتحدث عن قرية جميع أفرادها من فاقدي البصر، معرفة أن الكتاب يتحدث عن البصيرة وليس فقدان البصر، بالإضافة إلى روايات الأديب المنفلوطي كالعبارات ومجدولين وغيرها، مشيرة إلى أنها كثيرة ما تستمد العبرة من الروايات أكثر من الدروس سواء  من ناحية تحسين اللغة أو استنباط العبرة.

بين شغف القراءة وتحديات السوق

رغم الملاحظات الكثيرة حول غلاء الأسعار وصعوبة اقتناء الكتب، فإن المشهد العام في "سيلا" يعكس تعطّشا حقيقيا للثقافة. ممرات ممتدة من القراء، وجلسات توقيع تتحول إلى فضاءات حوار بين المؤلفين وجمهورهم، وأطفال يتجولون بين القصص الملونة.

كل شيء هنا يقول أن الكتاب لا يزال حيا في وجدان الجزائريين، وأن الرغبة في المعرفة أقوى من كل الظروف.