يعاني شبابنا في فترة الإجازة الصيفية من ضياع أوقاتهم هدرا دون الاستفادة منها، يشكون الملل الشديد، ويطلبون العون والإرشاد في كيفية استغلال الوقت وملء الفراغ بما هو نافع لدينهم ودنياهم ووطنهم. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”.
وأغلى ما يملكه الإنسان في حياته الوقت فهو أغلى من الذهب والفضة، لذا يجب استغلال أوقات الفراغ فيما فيه فائدة ونفع لديننا ودنيانا. ولا يوجد شيء يمكن للمؤمن أن يندم عليه يوم القيامة، إلا لحظة مرت عليه في الدنيا ولم يعمرها بذكر الله! ولا توجد لحظة تمرّ على المؤمن أسعد من أن يحقق فيها عملا يرضي الله تعالى، ويشعر معه برضا الله سبحانه وتعالى.
كل إنسان فينا مسؤول عند عرضه يوم القيامة، وفي الحديث: “لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، عن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه فيم عمل فيه؟”، فيُسأل عن شبابه، وعن عُمره، وعن ماله، وعن علمه، فلا تزول قدما إنسان مكلف مسلم ثابت عاقل، حتى يُسأل عن هذه النعم الأربعة.
إن من كياسة المسلم أن يستغل وقته في هذه الإجازة بما يعود عليه بالنفعِ العاجلِ في الدنيا والآخرة، قال عمر رضي اللهُ عنه: “إني لأكره أن أرى أحدكم سَبَهْلَلًا لا في عملِ دنيا ولا في عملِ آخرة”، وما أكثر الذين يضيعون هذه الإجازة فيما لا يعود عليهم بالفائدة.
والعطل نعمة وقد تكون نقمة إذا لم تستثمر في ترويح مباح ولهو بريء وعمل مفيد يستغرق الصباح والمساء فإن هذا الفراغ الرهيب يعد مشكلة تقلق كل أب لبيب، وهل فساد الأبناء إلا من الفراغ.
لقد هاج الفراغ عليه شغلا وأسباب البلاء من الفراغ
فهو كما قال الإمام الشافعي: (إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل)، فكم سهرة عابرة أسقطت فتى في أتون المسكرات والمخدرات، وجلسة عاصفة وقع البريء فيها في المهلكات.
الرابح في الإجازة من عمّرها بالنافع المفيد، فاكتسب علما، أو تعلّم لغة جديدة أو حرفة، أو أتقن مهنة، أو حفظ آية، أو علم حديثا، أو قرأ كتبا نافعة، أو التحق بمركز صيفي يزيده إيمانا وثقافة، ويكسبه مهارة، ويملأ وقته بالمفيد، والرابح في إجازته من جعل لأقاربه وذوِي رحمه نصيبا منها، أو أسهم في مشروع خيرٍ، أو أمدّ إخوانه وساعدهم فيما يخدم المسلمين ويرفع راية الدين، والرابح في إجازته من أخلص النية لله فيها، فالعادة تنقلب إلى عبادة متى صلحت النية.
يقول ابن الجوزي: (ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل).
فلنحرص على الاستفادة من الوقت بحيث نستفيد منه في كل ما ينفعنا من عمل دنيوي، وعمل صالح أخروي، وعلم ينفعنا ويقربنا إلى الله تعالى: وخير ما يستغل به المسلم وقته حفظ كتاب الله تعالى وتعلمه، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم كتاب الله فقال: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”.
والإجازة فرصة لإنجاز المشاريع الخاصة والعامة التي لا يتمكن المرء من إنجازها خلال العام الدراسي لكثرة المشاغل والمعوقات، فالإجازة فرصة لتعويض كل نقص خلال العام.
وعلى أولياء الأمور من الآباء والأمهات أن يتقوا الله فيمن ولاهم أمرهم، وأن يحرصوا على تربيتهم والعناية بهم ودلالتهم على الخير، ورسم الخطط المناسبة لهم في الإجازة؛ لئلا تضيع عليهم دون فائدة، فأنتم مسؤولون عنهم؛ {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها”.
وعلينا أن نعلم أن الناس صنفان علماء وعامة؛ والذي ميّز العلماء عن العامة هو استغلال العلماء لأوقاتهم. فإن كنت مضيعا لأوقاتك فقد شاركت طلاب العلم في هيئتك ولباسك وفارقتهم في استغلالك لأوقاتك. ولن يكون لك تأثير في واقع أمتك إلا بالعلم والعمل؛ ولن يتحققا لعشاق الدعة والكسل.
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يرزقنا الحفاظ على أوقاتنا، والمبادرة بالأعمال الصالحة قبل تصرُّم الأعمار وانقضاء الأعمار.
الخبر
09/06/2025 - 01:35

الخبر
09/06/2025 - 01:35
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال