تعد شبكات التواصل الاجتماعي من أكثر المواقع التي يستخدمها جمهور شبكة الإنترنت في الآونة الأخيرة مقارنة بالعديد من خدمات الأنترنت الأخرى، وذلك نظرا لما تتمتع به هذه المواقع من مميزات وخصائص لا توجد في العديد من الوسائل الأخرى سواء الإلكترونية أو التقليدية، هذا بالإضافة إلى أنها تعد وسيلة مهمة للتعارف بين المجتمعات المختلفة وتقريب المفاهيم والرؤى مع الآخر والإطلاع والتعرف على ثقافات الشعوب المختلفة.
ولا يخفى أن الناس اليوم أصبحوا يقضون أغلب أوقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، والمنصات الاجتماعية العديدة، وأصبح الدرس الديني التقليدي الذي كنت تذهب إليه، وربما يضيع منك وقت كبير حتى تدركه متاحا اليوم تحت يدك مباشرة.
وإن من أخطر ما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي وتكرسه في أذهان الكثيرين المعلومات الدينية المغلوطة، إذ بات بإمكان الإنسان ضعيف الثقافة العلمية، أن يمتلك منصة يتابعه من خلالها الآلاف، وهو ما جعل الكثيرين يحرصون على تكثير عدد المتابعين، لتمكينهم من فهم دينهم وإدخاله في حياتهم لمعالجة واقعهم، ما تسبب في تقديم خطاب ديني عاطفي يدغدغ مشاعر الناس ولا يساهم في الامتثال لقيم الرسالة الحقيقية التي بها الإسلام.
إن علاقة الدين بالإنترنت وتعامل المسلمين مع هذه الوسيلة أوجد واقعا جديدا يتسم بالتأثير المتبادل على مستوى فردنة التدين، بمعنى غياب الوساطة في إنتاج قيم الدين وإبراز الذات عن طريق تشكيل الوعي الديني، أما السمة الثانية، فهي وجود جماعات وهمية افتراضية عن طريق الإنترنت، والتبشير بمجموعة من السلوكيات والمواقف والرؤى والاتجاهات، من دون أن تكون مسنودة بجهة معينة أو بخلفية موثوقة.
كما كان من نتاج التداخل بين الدين والإنترنت أن بات الإعلام الديني يحوز مساحة واسعة من الاهتمام سواء في الصناعة أو الاستفادة، وبشكل عام فالإعلام الديني هو الإعلام الذي يركز في برامجه ومنتوجه ومحمولاته على البرامج الدينية سواء كانت دروسا أو مواعظ أو فتاوى أو أناشيد، أو حوارات ونصائح أو نقلا للطقوس الدينية، أو بثا للقرآن الكريم.
ويمكن القول إن ظهور الإعلام الديني كان نتيجة التحولات في العالم التقني والتكنولوجي قد برز في هذا الإطار نمط التدين الشبابي الذي اصطلح على تسميته باسم التدين الفردي.
ومن أجل الوقوف على أهم سلبيات الخطاب الديني الإسلامي المنشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاولة بيان كيفية علاجها وإصلاحها، حتى يكون الخطاب أكثر نجاعة وتأثيرا على جميع أفراد المجتمع، كان لابد من الاهتمام بهذه القضية حتى نوجهها ونرشدها الإرشاد المفيد الحسن.
إن ترشيد الخطاب الديني على وسائل التواصل الاجتماعي يتطلب خطابا مسؤولا يجمع بين الحكمة والوعي والأسلوب الحسن، مع مراعاة خصوصيات قيم وأخلاق وتقاليد المجتمع، والتركيز على الوسطية والاعتدال، والتفاعل الإيجابي مع قضايا الناس، وتجنب الغلو أو الإقصاء أو نشر اليأس، كل ذلك يتم من خلال تدريب الفاعلين والدعاة على مهارات العصر وإنشاء منصات محتوى ديني احترافي، وتطوير مقاربات مستدامة تعالج تحديات الفضاء الرقمي وتصون القيم الدينية والهوية الوطنية والوحدة المجتمعية.
مع ملاحظة أن غالب رواد مواقع التواصل الاجتماعي لا تستهويهم المنشورات والمقالات الطويلة.
إن قوة التأثير ربما تأتي من الخطاب القصير المركز المبسط، فجمهور الفيسبوك والواتس اليوم لا يرغب بسماع أو قراءة المطولات.
يجب على الخطاب الديني المعاصر النزول من برجه العاجي، وعليه أن يعيش الواقع وأن يكون ملمًا بأدوات المعرفة المعاصرة ومصادرها، مع ضرورة الإطلاع على الإيديولوجيات المعاصرة والإلمام بها لتتكون لديه ثقافة واسعة للوقوف على ما تتضمنه من أفكار.
وعليه أن يكون قادرا على مناقشتها بأسلوب علمي بعيدا عن إصدار الفتاوى المعلبة الجاهزة، وكذلك فإن الخطاب الديني المعاصر يحتاج إلى إعادة النظر في كثير من الفتاوى الجاهزة.
الخطاب الديني الحاضر والمؤثر يحتاج إلى جمهور حاضر وجاهز للتلقي والتأثر.. حاضر بقلبه وعقله للاستماع والتعلم والتأدب مع المعلم.
إنه يحتاج إلى تجديد لغته ومناهجه دوما وباستمرار لكي يتعمق في اكتشاف معاني تراثه ويتمكن من مواكبة التطور الذي يعرفه مجتمعه.
ومن أهم ضوابط الخطاب الديني على وسائل التواصل الاجتماعي، أن ترتكز على إخلاص النية وتقديم محتوى وسطي وموضوعي يخدم مقاصد الشريعة مع مراعاة الاحترافية الرقمية وتجنب (الشائعات، السخرية، الجرأة)، والتركيز على الأخلاق والقيم وتوجيهه لخدمة الشباب بلغة إيجابية ومبتكرة، مع ضرورة التمييز بين الفتوى الشرعية (والتي يجب أن تكون جماعية وموثوقة) والآراء الشخصية، مع حماية المصداقية بتوثيق الصفحات الرسمية ومواجهة الانحراف والتطرف، والتجديد المستمر في الشكل والمضمون، مع مراعاة خصوصية المستخدمين وحماية حقوق الملكية الفكرية، وأن يتخذ الموضوعية العلمية والمنطقية في مناقشة الآراء وطرح الأفكار والتحلي بسعة الصدر وقبول الرأي الآخر.
وندعو إلى اعتماد ممارسات رقمية آمنة وتحصين الفاعلين في المجال الديني بحماية قانونية وجزائية فعالة ضد جرائم السبّ والقذف والتشهير والابتزاز الإلكتروني، مع تمكينهم من آليات التبليغ والمتابعة القضائية.
ونؤكد على أهمية توظيف الخطاب الديني الرقمي في تعزيز الهوية الوطنية، والتصدي للعصبيات الرقمية وخطابات التطرف، مع تشجيع البحث والكتابة في قضايا التواصل الإلكتروني من منظور فقهي.
الخبر
22/12/2025 - 00:10
الخبر
22/12/2025 - 00:10
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال