تتواصل موجة الغضب الاجتماعي في المغرب، بعدما أعلنت حركة "جيل زد 212" استئناف احتجاجاتها السلمية نهاية الأسبوع (أمس واليوم) عبر مختلف المدن، رفضا لتدهور الأوضاع الاجتماعية واتساع الفوارق الجهوية وضعف الخدمات العمومية في الصحة والتعليم، وسط تصعيد أمني وصفته منظمات حقوقية بـ"غير المسبوق" منذ سنوات.
وتحدثت تقارير حقوقية عن قمع وحشي ممنهج واعتقالات جماعية طالت مئات المتظاهرين والنشطاء، في مشهد يعيد إلى الأذهان ممارسات "سنوات الرصاص" في عهد الحسن الثاني.
الحركة التي انطلقت قبل نحو شهر أكدت في بيانها الأخير أنها مصرة على تمسكها بسلمية حراكها وإصرارها على التظاهر حتى تحقيق مطالبها، على غرار مكافحة الفساد الذي استشرى في نظام المخزن. ورغم إعلان السلطات زيادة ميزانيات الصحة والتعليم وبناء مستشفيات جديدة، فقد اعتبرت الحركة هذه الإجراءات مجرد ذر للرماد في العيون، في ظل غياب إجراءات ملموسة لمحاربة الفساد وتضارب المصالح وضمان المساءلة، مجددة مطالبتها بالإفراج عن جميع معتقلي الرأي وإنهاء معاناة عائلاتهم.
ووفقا لتقرير حديث للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بلغ عدد الموقوفين منذ اندلاع الاحتجاجات أواخر سبتمبر أكثر من 2100 شخص، بينهم 330 قاصرا، فيما تمت متابعة نحو 1400 متظاهر قضائيا، من بينهم حوالي 1000 في حالة اعتقال و500 في حالة سراح مؤقت.
كما صدر ما لا يقل عن 240 حكما بالسجن النافذ وصلت إلى 15 سنة في بعض الحالات، ومئات الأحكام الأخرى تراوحت بين 3 أشهر وسنة واحدة. وتشير المعطيات إلى أن محكمة أغادير وحدها أصدرت أحكاما تراوحت بين 5 و15 سنة ضد عشرات الشبان من القليعة وتزنيت وتارودانت، بينما شملت المتابعات أيضا طلبة جامعيين، قاصرين ومدونين على شبكات التواصل.
الجمعية الحقوقية نددت بما وصفته بـ"الاعتقالات العشوائية والانتقائية"، موضحة أن بعض الشباب أوقفوا لمجرد ارتداء قمصان كُتب عليها "التعليم والصحة أولا" أو "الحرية لفلسطين"، فيما اعتُقل قاصر يبلغ 17 سنة من مقهى بسبب نقش حرف "زد" على شعره.
التقرير الحقوقي سجل استخدامًا مفرطا للقوة من قبل الأجهزة الأمنية، تضمن الدهس بسيارات الشرطة كما حدث في وجدة والقليعة، ما أدى إلى مقتل ثلاثة شبان، بينهم طالب سينما جاء لتوثيق المظاهرات. كما وثق حالات تعذيب جسدي ونفسي داخل مراكز الاحتجاز وتحرش جنسي في مخافر الرباط واحتجاز قاصرين دون حضور أوليائهم، إضافة إلى انتزاع اعترافات تحت الإكراه ورفض تسجيل آثار العنف في المحاضر.
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان طالبت بفتح تحقيقات نزيهة في كل الانتهاكات وضمان محاكمات عادلة لجميع الموقوفين، معتبرة أن الحق في التظاهر السلمي "من الحقوق الأساسية المكفولة دوليا ودستوريا". كما دعت إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، بمن فيهم معتقلو "حراك الريف" وسجناء الرأي، وإلى إصلاح فعلي للسياسات العمومية في مجالي الصحة والتعليم والقطع مع اقتصاد الريع والفساد البنيوي.
في السياق نفسه، طالب حزب "النهج الديمقراطي العمالي" اليساري بالإفراج الفوري عن الشباب المعتقلين وفتح تحقيق في وفاة الشبان الثلاثة بالقليعة ودهس متظاهرين بوجدة، مؤكدا أن المطالب التي رفعها المحتجون مشروعة وأن استمرار القمع لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان. واعتبر الحزب أن "الاستجابة الجزئية للمطالب" دون معالجة جوهرية للفساد والاستبداد "لن تغيّر شيئا من واقع الظلم الاجتماعي".
وفي تزامن لافت، أعلنت هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان عن تنظيم وقفة رمزية يوم 29 أكتوبر في الرباط إحياء للذكرى الستين لاختطاف المهدي بن بركة والذكرى الثالثة والخمسين لاختطاف الحسين المانوزي، مجددة دعوتها إلى إنشاء الآلية الوطنية لاستكمال الحقيقة، وفاء لضحايا الاختفاء القسري في عهد الحسن الثاني، الذين تجاوز عددهم 800 شخص حسب تقديرات المنظمات الحقوقية. وأشارت الهيئة إلى أن تكرار الاعتقالات التعسفية اليوم يثبت أن "الدولة لم تتخلص بعد من ممارسات الماضي" وأن الطريق نحو مغرب الحقوق والحريات لايزال طويلا وشاقا.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال