ترتكز المبادرة الأمريكية الرامية إلى حل نزاع الصحراء الغربية، والتي تقودها العزيمة المميزة للرئيس دونالد ترامب، على دعم ثابت للمغرب مقابل التطبيع الدبلوماسي مع إسرائيل. إذا كانت واشنطن ترى في هذه المقاربة استراتيجية تهدف لتحقيق استقرار في منطقة المغرب العربي والساحل، حتى وإن كان منتقدو هذا التوجه ينظرون إلى هذا النهج "البراغماتي" على أنه انتهاك صارخ للشرعية الدولية، من شأنه أن يضرم نيران التوترات الإقليمية.منذ عودته إلى البيت الأبيض، أخذ دونالد ترامب على عاتقه مهمة فرض السلام على عدة جبهات، وملف الصحراء الغربية، "غير المتوقع نسبياً"، عاد إلى مركز اللعبة الدبلوماسية العالمية. بالنسبة لإدارة ترامب، هذا النزاع ليس مجرد خلاف إقليمي معقد، بل هو قبل كل شيء مسألة تتعلق بالاستقرار الإقليمي.
لماذا يريد ترامب حل النزاع؟
يدرج عزم دونالد ترامب على إنهاء هذا الملف ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى "السلام عبر الاستقرار" وترسيخ النفوذ الأمريكي في إفريقياحيث تسعى واشنطن إلى اعتبار المغرب كضامن للأمن والتنمية الإقليمية، معتبرة إياه "آخر حاجز موثوق ضد الانهيار في الساحل". ويرتبط حل النزاع بشكل صريح باستقرار منطقة الساحل ومكافحة الإرهاب.
أما الدافع الثاني وراء الاندفاع الأمريكي فهو المنافسة العالمية على الموارد والنفوذ. من هذا المنظور تسعى إدارة ترامب إلى مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتزايد في أفريقيا من خلال تفضيل نهج اقتصادي ضمن مفهوم "التجارة، وليس المساعدة". وتمتلك الصحراء الغربية موارد مهمة، لا سيما الفوسفات والمناطق الساحلية الاستراتيجية. وتهدف إدارة ترامب إلى السماح بتمويل مباشر للمشاريع الأمريكية في المنطقة عبر وكالة "دي أف سي"، في قطاعات مثل الطاقات المتجددة والمعادن الثمينة مستلهمة هذه الاستراتيجية من "مذهب أبيدجان" المغربي، الذي يعزز شراكات اقتصادية مفيدة للطرفين.
طريقة ترامب لفرض رؤيته
تعتمد الطريقة التي يستخدمها دونالد ترامب على مقايضة دبلوماسية كبرى واستراتيجية للضغط الأقصى. كان الفعل التأسيسي لهذه السياسة، في ديسمبر 2020، حين وقع على إعلان يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. وجاء هذا الاعتراف في مقابل تطبيع الرباط لعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في إطار "اتفاقيات أبراهم".علاوة على ذلك، دعمت الولايات المتحدة خطة الحكم الذاتي "الجادة والموثوقة والواقعية" التي يعتبرها المغرب كأساس "وحيد" لحل عادل ودائم، وبدأت هذه المبادرة الأمريكية بعملية افتتاح قنصلية في الداخلة. كما تشمل الصفقة أيضاً وعداً باستثمارات تصل إلى 3 مليارات دولار وبيع طائرات مسيرة متطورة للمغرب.
ومؤخراً، رفعت إدارة ترامب من حدة الضغط من خلال تصريحات دبلوماسية خطيرةكالتهديد بتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية. ويهدف هذا التهديد إلى تقليص هامشتحركجبهة البوليساريو، وعزلها دبلوماسياً وتهديدها بفرض عقوبات مباشرة عليها.
التأثير على استقرار المغرب العربي: خطر التصعيد
التأثير الحقيقي للمبادرة الأمريكية عميق ومستقطب، ومن شأنه أن يزعزع التوازن الإقليمي. يؤيد الدعم الأمريكي الموقف المغربي على الساحة الدولية ويصادق على خطة الحكم الذاتي الخاصة به كبديل معقول للاستقلال. و يرى ترامب أن هذا الموقف يعزز دور المغرب كشريك استراتيجي أساسي لأمن الغرب واقتصاده على حساب القانون الدولي الذي يتم تدنيسه بمباركة من قبل قوة عالمية عضو دائم في مجلس الأمن.ويواجه القرار الأمريكي جملة من الإنتقادات على نطاق واسع، لأنه يُنظر إليه على أنه "انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية". وتحافظ الأمم المتحدة على موقفها الثابت، مذكرة بولاية "المينورسو" بتنظيم استفتاء. وتندد جبهة البوليساريو بـ"انحراف خطير وغير مسبوق" "من شأنه أن يضر بشكل خطير بمصداقية الأمم المتحدة" من خلال حذف أي إشارة إلى استفتاء تقرير المصير.
و لقد أثر هذا الموقف بعمق على الديناميكيات الجيوسياسية في شمال أفريقيا والمغرب العربيبالخصوص مما يزيد في عمر "الحرب الباردة" بين الجزائر والمغرب. كما يشجع التوجه نحوالتهديد بتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية والتفكيك المحتمل لـ"المينورسو" المبادرات الأحادية الجانب ويخاطر بإشعال العداوات من جديد. وعبّر العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين عن قلقهم من أن رحيل القبعات الزرق قد يؤدي إلى تصعيد عبر مواجهة عسكرية مباشرة بين المغرب والجزائر.
لا شك أن تدخل دونالد ترامب أعاد إحياء الملف، لكنه فضل الاستقرار الفوري والمصالح الجيوسياسية على حساب العدالة الدولية والتاريخية ضمن الحق في تقرير المصير. وبذلك، تخلق الإدارة الأمريكية توازناً هشاً حيث سيتطلب الحل السلمي الجمع بين البراغماتية والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الصحراوي لتجنب أي تصعيد خطير.
الخلاف الأساسي: الحكم الذاتي مقابل تقرير المصير
يتمحور جوهر الخلاف في العلاقات الجزائرية المغربية حول مواقف متعارضة تماما فيما يتعلق بالوضع المستقبلي للإقليم: تعتبر الرباط الصحراء الغربية جزءاً لا يتجزأ من أراضيها. وضمن هذا المنظور يقترح المغرب خطة للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، قدمها إلى الأمم المتحدة كحل وسط قابل للتطبيق.
أما الجزائر فتدعم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير ضمن مواثيق الأمم المتحدة وتستضيف مخيمات اللاجئين الصحراويين، لا سيما في تندوف. وتصر الجزائر على الشرعية الدولية وتنظيم استفتاء لتقرير المصير كما كان مقرراً من قبل الأمم المتحدة في عام 1991، لكن لم يتم تنفيذه أبدا. ولم تعد الجزائر والمغرب تحتفظان بعلاقات دبلوماسية منذ سنة 2021.ولقد قطعت الجزائر رسميا علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متهمة إياها بـ"أعمال عدائية" و"تواطؤ" مع الكيان الصهيوني. وأعقب هذا الإنقطاع تصاعد التوترات بعد اتفاق التطبيع الإسرائيلي المغربي (اتفاقات أبراهم). ووصف المعارضون للمخزن الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية في ديسمبر 2020، مقابل التطبيع مع إسرائيل، بأنه "صفقة مشينة" وانتهاك للشرعية الدولية، مما زاد فيتفاقم الأزمة مع الجزائر. ومنذ ذلك الحين، بقيت الحدود مغلقة والتبادلات منعدمة تماما، وتتواصل العاصمتان الآن فقط عبر المنتديات الدولية أو وسائل الإعلام الحليفة.
تأثير ضغط ترامب
جهود القوى الأجنبية لتسوية النزاع لها انعكاسات مباشرة وغالبا ما تكون سلبية على توتر العلاقات الثنائية بين الجزائر والمغرب. فدعم دونالد ترامب الواضح لخطة الحكم الذاتي المغربية، واصفاً إياها بأنها الأساس "الوحيد" لحل عادل، يغير موازين القوى الدبلوماسية و يمارس ضغطا على الدول التي تدعم قضية الشعب الصحراوي. وقد أعربت الجزائر مرارا عن أسفها "لإعادة التأكيد" على هذا الموقف الأمريكي وهددت بعدم التصويت على المقترح الأمريكي.وتمارس الإدارة الأمريكية ضغوطاًقويةوغير مسبوقة. وتشمل هذه الضغوط محاولات سرية لنزع سلاح البوليساريو وتفكيك مخيمات تندوف. ويُنظر إلى التهديد العلني بتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية على أنه آلية "لكشف وعزل القضية الصحراوية تجاه القانون الدولي".
باختصار، ليست الصحراء الغربية مجرد خلاف هامشي، بل هي المحور الذي تدور حولهالجيوسياسية فيالمغرب العربي بأكمله. لقد أدت إلى قطع كامل لقنوات الاتصال الدبلوماسي وتعريض المنطقةالمغاربية لتصعيد متزايد، تفاقمإلى تدخلات القوى العظمى، لا سيما الولايات المتحدة.
حاليا ترتكز الديناميكية القائمة على وساطة خارجية مستقطبة (الدعم السياسي والاقتصادي الأمريكي للمغرب مقابل الضغط على الجزائر والشعب الصحراوي) وهي تحاول فرض حل بالضغط والمساومة، بينما تبقى الإرادة السياسية الداخلية للأطراف منقسمة بين ترسيخ وهمبسط السيادة من قبل "المخزن" والمطالبة بتقرير المصير من جبهة البوليساريو حسب مواثيق الشرعية الدولية، مما يعيد إحياء مخاطر التصعيد المسلح وهي مسؤولية كبيرة تقع على عاتق جل أعضاء مجلس الأمن.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال