توفر آلية التسوية الودية التي أدرجت لأول مرة في التشريع الجزائري عبر قانون الإجراءات الجزائية، أدوات قانونية وعملية للسلطات العمومية للمضي في حماية المال العام واسترجاع ما يمكن من الأموال المهربة وفي الوقت ذاته الحفاظ على الشركات المتورط أصحابها في أفعال مخالفة للتشريع.
وشكل هذه الإجراء الجاري التصديق عليه على مستوى البرلمان، بعد نقاشات طويلة على مستوى السلطات وسط مقاومة لتزامنه مع مواعيد انتخابية وإكراهات داخلية، تطورا لافتا في المنظومة التشريعية الوطنية لاسترجاع الموجودات، حيث تمد الدولة يدها عبره للمتعاملين الذين أساءوا استعمال السلطة وصلاحياتهم وانتهكوا التشريعات الوطنية في مجال حركة الأموال أو تضخيم الفواتير لتسوية أوضاعهم دون اللجوء إلى المحاكمة، ربحا للوقت والمال والجهد والطاقة وحل القضايا بعيدا عن التشهير الإعلامي والسياسي الذي شوّه صورة البلاد ومناخ الاستثمار فيها.
ويقترح الإصلاح إمكانية عقد اتفاقية بين وكيل الجمهورية والشخص المعنوي (صاحب أو مسير الشركة) لتأجيل المتابعة القضائية، ما يشجعه على التعاون مع التحقيقات وتقديم الأموال والممتلكات المسترجعة، ويسهم في استرجاع الأموال، في إطار تسوية القضايا الجزائية المتعلقة بالأشخاص المعنويين بطريقة سريعة وفعالة، مع ضمان استرجاع الأموال والممتلكات والعائدات المتصرف فيها أو المحولة خارج التراب الوطني أو ما يمثل قيمتها ودفع كامل المبالغ المستحقة للخزينة العمومية والأطراف العمومية المتضررة من الجرائم المنسوبة إليه، من أجل المصلحة العامة من خلال تجنب المحاكمات الطويلة، مع الحفاظ على العدالة وحماية حقوق الخزينة العمومية.
ويكون هذا الإجراء مشروطا حسب نص المادة 99 مكرر بتوصل التحقيق الابتدائي إلى جمع أعباء كافية تجعل إدانة الشخص المعنوي (الشركات) جد مرجحة في حال متابعته، وفي حالة كان خيار إرجاء المتابعة يحقق النتيجة المرجوة من المحاكمة ويوفر الوقت الذي قد يستغرقه التحقيق القضائي أو كانت المصلحة العامة وتحصيل حقوق الخزينة والأطراف العمومية المتضررة أكثر جدوى من العقوبات الأخرى التي قد تسلط على الشخص المعنوي، وفي حالة أبدى الشخص المعنوي تعاونه لأجل وضع حدّ للجريمة أو اتخذ الشخص المعنوي إجراءات تأديبية ضد الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة باسمه أو لصالحه وبلغ السلطات القضائية به.
وحصرت المادة 99 مكرر1 مجال التسوية الودية في الجنح المنصوص عليها في: المواد 119 مكرر و418 و419 من قانون العقوبات (التي تخص متابعة الموظفين العموميين المتورطين في قضايا الفساد والرشوة وعرقلة الاستثمار) والجنح المنصوص عليها في القضايا القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، باستثناء جرائم الرشوة القانون المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وتلك المنصوص عليها في التشريع المتعلق بمكافحة التهريب إضافة إلى التشريع الساري المفعول المتعلق بالفوترة والجنح المتضمنة في القانون النقدي والمصرفي والتشريع المتعلق ببورصة القيم المنقولة -قانون الجمارك وجنح التهرب والغش الضريبيين المنصوص عليها في التشريع الجبائي والمالي.
ويتوجب على المستفيدين من إجراء التسوية الودية دفع غرامة مالية لا يتجاوز مبلغها 30% من متوسط رقم الأعمال السنوي للثلاث سنوات الأخيرة.
وحتى لا تظهر الدولة والعدالة والخزينة في موقف الضعف لم يغفل التشريع أدوات تتيح حماية المال العمومي باستئناف المتابعة القانونية في الحق المتورطين الذين لم يظهروا حسن نية في الالتزام بالتسوية الودية.
ووضعت الدولة في السياق ذاته أدوات إضافية وتكميلية لحماية مصالحها عبر آلية حجز الممتلكات على سبيل التحفظ، على ضوء تجربة قيام متابعين في قضايا الفساد ونهب الأموال العامة ببيع ممتلكاتهم أو التنازل عنها لمتصرفين آخرين ويرفع الحجز في حالة عدم المتابعة.
وأرفق القانون بهيئة موكل لها تتكفل بتسيير الأموال المجمّدة أو المحجوزة أو المصادرة لسد الفراغ المؤسساتي في مجال تسيير العائدات الإجرامية"، على أن تشمل مهامها أيضا الأموال والممتلكات الموضوعة محل إجراءات تحفظية والقيام بعملية استرداد الأملاك والأموال المهربة خارج التراب الوطني.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال