الوطن

واشنطن تحاول التحايل على التاريخ وتجريف الجغرافيا

مقاربة أمريكية عرجاء وربط متعسف بين مسارين منفصلين.

  • 14002
  • 2:46 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

تظهر المقاربة الأمريكية لأزمة العلاقة الجزائرية المغربية والقضية الصحراوية، في سياق مبادرتها المطروحة في مجلس الأمن وحديث واشنطن عن مشروع سلام في غضون 60 يوما بين الجزائر والمغرب، بالغة العرج من حيث المنطلق الذي ترتكز عليه وتتجاوز حقائق سياسية وتاريخية يفترض أن تكون بالأساس نصب عين كل من يسعى إلى تصدر مسارات الحل والوساطة، وهي عرجاء أيضا من حيث الشكل، إذ لا يمكن للمنحاز إلى طرف أن يكون بذاته وسيطا ومقدما لحلحلة سياسية.

في تصريحاتهما الأخيرة، اعتبر مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف والمبعوث الأمريكي إلى شمال إفريقيا يسعد بولس أن حل قضية الصحراء الغربية سيمكن من تحسين العلاقات بين الجزائر والرباط، غير أن ثمة حقيقة تاريخية صامدة، ليست من المغالطة في شيء ولا المزايدة السياسية، أن أي محاولة للربط بين مسار العلاقة بين الجزائر والمغرب والقضية الصحراوية تحمل تعسفا تكشفه سيرورة الوقائع والمسارات السياسية.

سبقت الأزمة بين البلدين وجود القضية الصحراوية بأكثر من عقد كامل، يمكن اعتبار حرب الرمال عام 1963 وتقدم القوات المغربية للاستيلاء على مناطق داخل العمق الجزائري بمثابة إعلان عن نوايا توسعية مغربية، تجاوزت البعد السياسي والعدواني، إذ لم تحترم حتى ظرفية تاريخية مؤلمة بالنسبة للجزائر التي كانت في عامها الأول للاستقلال ولم تكمل حتى جمع رفات الشهداء، حيث سعت الرباط إلى استغلال هذه الظروف وتسييرها لتنفيذ مخططها التوسعي.

ستترك هذه الوقائع في العقود التالية جرحا غائرا في الشعور السياسي الجمعي للجزائريين، لقد بدا أن هذا البلد الجار، من دون إنكار إسناده للثورة الجزائرية، يحتكم في الوقت نفسه إلى تصورات توسعية ويستند تضليلا إلى منطق البيعة التقليدية التي لم تعد تتناسب مع قوالب الدولة في العصر الحديث. ولم تكن الجزائر وحدها ضحية لهذه التصورات، بل إن موريتانيا التي أعلن عن استقلالها في عام 1960 ظلت ضمن المطالب التوسعية للمغرب واعتبر أنها جزء من أراضيه، حيث رفض الاعتراف باستقلال موريتانيا حتى بداية السبعينات، بل إن المظاهر التوسعية المغربية ظلت قائمة على صعيد الخرائط التي تعلنها قوى سياسية مغربية تتحدث عما تصفه بـ"الصحراء الشرقية".

تؤكد هذه الأحداث أن أزمة العلاقات الجزائرية المغربية ذات مسار سابق لوجود القضية الصحراوية ولها سياق منفصل تماما من حيث الظروف والملابسات التي أسست لأزمة اللاثقة وتحولت إلى صدام سياسي وعسكري منتصف السبعينات.

حتى وإن كانت العلاقات بين البلدين قد شهدت منذ نهاية الثمانينات تطبيعا نسبيا وفتحا للحدود بداية من عام 1989، غير أن هذا التحسن تم في الواقع بشكل منفصل عن مسار قضية الصحراء الغربية، إذ بقيت الحرب قائمة بين البوليساريو والمغرب لمدة عامين آخرين، قبل أن يوقع الطرفان اتفاق وقف الحرب، والوقائع التي ستلي لاحقا ستؤكد تماما أن مسار العلاقة بين الجزائر والمغرب منفصل عن مسارات قضية الصحراء الغربية، إذ ستتأزم العلاقة بين الجزائر والرباط وتغلق الحدود مجددا نهاية عام 1994 بسبب تلفيق سياسي من قبل الرباط ضد الجزائر بالتورط في تفجيرات فندق أطلس آسني في مراكش، في وقت كانت جلسات الحوار بين الرباط والبوليساريو تتقدم نسبيا.

وإذا تم تجاوز هذا الربط الأمريكي بين مسار العلاقة الجزائرية المغربية والاستحقاقات الضرورية لأي حل لها وبين تسوية القضية الصحراوية، فإن القراءة السياسية للمقترح الأمريكي في الاتجاهين من الواضح أنها مبنية على التصورات ذاتها التي تريد واشنطن تكريسها في الشرق الأوسط، دون احترام للإطار الأممي ودون الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المنطقة وفواعلها المركزية ولصالح حسابات أمريكية حصرا، ما يجعل تنفيذ هذه التصورات أزمة في حد ذاتها ويؤكد أنها ستتحول إلى تعقيدات جديدة أكثر منها مسارات للحل السياسي السليم.