مجتمع

تلاميذ يحلّون واجباتهم بـ "شات جي بي تي"

أكاديميون يحذرون من الاستعمال المفرط للذكاء الاصطناعي.

  • 2991
  • 4:12 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

عادت والدة محمد من العمل متأخرة إلى البيت بعد يوم متعب جدا، لتسارع الزمن من أجل تحضير وجبة العشاء وفي نفس الوقت مرافقة ابنها المتمدرس بالطور المتوسط في انجاز واجباته المدرسية، غير أن هذا الأخير وعلى غير العادة أخبرها أنه قام بحل جميع تمارين مادتي الرياضيات واللغة العربية، حينها ظنت الأم أن الوالد قد ساعده في ذلك، لكن محمد سرعان ما رد عليها مبتسما:"روبوت الدردشة الذكي "شات جي بي تي" هو من قام بالمهمة يا أمي".

عرفت أداة المحادثة الخاصة التابعة لشركة "أوبن إيه آي"، شات جي بي تي"، أكثر التطبيقات شهرة عبر العالم انتشارا كبيرا وسط المتمدرسين، نظرا لمزاياه العديدة، فهو يوفر لهم الجهد الوقت، ما يجعل إنجاز الواجبات الجامعية والمدرسية أسهل.

لكن بعيدا عن إيجابيات هذه الأداة الذكية، يعتقد أساتذة وباحثون أن استخدامها في التعليم سيشجع الغش والاحتيال الأكاديمي، كما سيقلل من قدرة المتمدرسين على التفكير والتحليل.

حول الموضوع، يقول التلميذ عبد القهار مولاي، المقبل على اجتياز شهادة البكالوريا بثانوية مقراني 1 في الجزائر العاصمة، أن هذه التقنية أصبحت جزءا أساسيا من إستراتيجيته الدراسية، سواء في حل الواجبات المنزلية أو التحضير للامتحانات، مشيرا إلى أنها سهلت عليه فهم الدروس من خلال تقديمها بطريقة تفصيلية، بعد أن كانت تشكل تحديا له.

تشاطره الرأي زميلته آلاء والي قائلة: "ألجأ إلى "الشات جي بي تي" كلما وجدت صعوبة في مراجعة المواضيع المعقدة، كطرح أسئلة تتعلق بمادة العلوم الطبيعية مثلا، وقد وجدت فيه شرحا بسيطا ومفيدا، وحققت نتائج أحسن في الامتحانات".

إلى ذلك، أشاد الطالب الجامعي مروان بسة بقدرة الذكاء الاصطناعي على توفير الجهد والوقت، مشيرا إلى أن ما يقدمه "الشات جي بي تي"، من خدمات معرفية وتفاعلية، يعزز مهاراته الأكاديمية من خلال تسهيل الوصول إلى المعلومات بدقة وسرعة، إضافة إلى  التحضير للامتحان بإجابات نموذجية سهلة، داعيا الطلبة إلى ضرورة استخدامه بوعي حتى لا يقعون في الغش الأكاديمي.

من جهتهم، يتفق أكاديميون على أنه بعد نجاح تقنية "شات جي بي تي" في استقطاب اهتمام ملايين المستخدمين حول العالم في فترة وجيزة، طفا إلى السطح الحديث عن تأثيره على التعليم والتلاميذ والطلبة.

"وسيلة مساعدة لا بديل عن الجهد البحثي"

في السياق، يرى رئيس التنسيقية الوطنية لأساتذة التعليم العالي التابعة لسناباب، البروفيسورعز الدين رامي، في تصريح لـ "الخبر"، أن توظيف هذه التقنية يحمل أبعادا إيجابية، حيث تمكن الطلبة من الوصول السريع إلى المعلومات، وتبسيط المفاهيم العلمية المعقدة، وتنظيم الأفكار بشكل أفضل، مما قد يسهم في تنمية مهاراتهم في البحث والتعلم الذاتي.

غير أن هذا الاستعمال يتابع البروفيسور لا يخلو من مخاطر وسلبيات، أهمها ضعف مهارات التحليل والنقد عند الطلبة في حال اعتمادهم المفرط على الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى إمكانية الانزلاق نحو النقل الحرفي أو الغش الأكاديمي، وهو ما يهدد جودة البحث الجامعي ومصداقيته.

وعليه، يؤكد محدثنا أن الموقف السليم يكمن في التعامل مع "شات. جي. بي. تي" كوسيلة مساعدة لا كبديل عن الجهد البحثي، مع ضرورة وضع ضوابط أكاديمية واضحة لاستعمال هذه التقنية، إضافة إلى إلزام الطلبة بتوثيق مصادرهم العلمية الأصلية، وإشراف الأساتذة على توجيه هذا الاستعمال بما يحفظ البعد التربوي والتكويني للبحث الجامعي.

وأشار في السياق نفسه إلى أن الجامعة مطالبة اليوم بمواكبة التحولات الرقمية دون التفريط في رسالتها التربوية والأكاديمية، وذلك بتحويل الذكاء الاصطناعي من تحدٍ محتمل إلى فرصة لتطوير البحث العلمي وترسيخ قيم الجودة والنزاهة.

من جهته، حذّر حسان بلباقي، أمين وطني بالنقابة الوطنية لعمال التربية "سانتيو"، من إفراط التلاميذ والطلبة في استعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، سيما شات جي بي تي، كأداة تعليمية، لأنها قد تقلل من قدرة التلاميذ على التفكير والاجتهاد الدراسي.

وأوضح بلباقي أن الطريقة التقليدية هي الأصح، لأنها ترسخ المعلومة لدى التلميذ وتكسبه مهارات لتحقيق النجاح في المجال الأكاديمي، مضيفا: "يجب على المتمدرسين مجاراة التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي بما يفيدهم".

 "الشات جي بي تي" يُفقد الطالب مهارة البحث الميداني"

وقالت الدكتورة ريم غصن البان شلبي، مديرة الذكاء الاصطناعي بجامعة قاصدي مرباح بورقلة، وأستاذة اللغة الانجليزية بكلية الآداب واللغات بنفس الجامعة، أن استعمال الطلبة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في عصرنا هذا، وتقنية شات جي بي تي على الأخص في إنجاز بحوثهم الجامعية أصبح من المواضيع التي تثير الكثير من النقاشات والجدل، لأنه يحمل جوانب إيجابية وأخرى سلبية.

من الجانب الإيجابي، تضيف الدكتورة، تساعد تقنية شات جي بي تي على توسيع فهمهم وتسريع عملية البحث، فهي تمكنهم من جمع المعلومات بسرعة من مصادر متعددة، وتبسيط المفاهيم الصعبة بطريقة أقرب إلى أسلوبهم في الفهم.

كما تساهم في تنمية مهارات الكتابة والفكر النقدي، فهي تستعمل كذلك كأداة للمراجعة لا كبديل عن الجهد الشخصي، ومفيدة جدا للطلبة الذين لازالوا في بداياتهم والذين يحتاجون إلى دعم لغوي في الصياغ الأكاديمي والترجمة، وإعادة التعبير بطريقة سليمة.

لكن في المقابل، تقول الدكتورة، هناك جانب سلبي لا يمكن تجاهله، فحين يعتمد الطالب كليا على الذكاء الاصطناعي، في إعداد بحوثه يفقد قيمته العلمية، ويضعف تفكيره النقدي.

كما أن المعلومات التي يقدمها "شات جي بي تي" ليست دائما دقيقة وموثوقة، لأنه ممكن أن يخلط أحيانا بين الآراء والحقائق أو يورد مراجع غير موجودة، كما أنه يثير مسألة النزاهة الأكاديمية، لأن استعمال هذه الأداة دون الإشارة إليها يعد نوعا من الغش ويفقد الطالب مهارة البحث الميداني والتعامل مع المصادر الأصلية.

وبصفتها أستاذة، تشجع الدكتورة المتمدرسين على استعمال الذكاء الاصطناعي، لكن بطريقة تربوية واعية من خلال الاعتماد على أفكارهم وأسلوبهم أولا، ثم استعمال الذكاء الاصطناعي لتصحيح الهفوات اللغوية وصقل أفكارهم بشكل منظم.

"وبهذه الطريقة يتحول شات جي بي تي من أداة سلبية إلى وسيلة للتطوير الذاتي والتعلم، وبالتالي الذكاء الاصطناعي ليس بديلا للإنسان بل شريك في بناء المعرفة ونجاحه يعتمد على وعي الطالب وتوجيه الأستاذ"، تختم حديثها.