في ظل الأرقام المقلقة لحوادث المرور التي تحصد سنويًا مئات الأرواح وتكبّد الاقتصاد الوطني خسائر بملايين الدولارات، شرعت الحكومة في مراجعة شاملة لقانون المرور لإحداث تحول مفصلي من مرحلة التهاون واللامبالاة إلى عهد الانضباط الصارم وتحديد المسؤوليات.
وتأتي هذه المراجعة تنفيذا لتوجيهات مباشرة من رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي شدّد خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير على أن "زمن التهاون والإفلات من العقاب قد ولّى"، مؤكدا على ضرورة تحميل كل جهة مسؤولياتها كاملة، من السائق إلى أجهزة الرقابة التقنية والهيئات المكلفة بصيانة الطرق ومدارس تعليم السياقة.
وينتظر أن يُكرّس القانون الجديد مبدأ الصرامة في الردع، ويوسّع دائرة المسؤولية القانونية لتشمل جميع الفاعلين في المنظومة المرورية، ولن تقتصر العقوبات على السائقين المخالفين فحسب، بل ستمتد إلى كل من يثبت تقصيره في أداء مهامه المهنية أو الرقابية، في رسالة واضحة مفادها أن الدماء التي تُزهق على الطرقات لم تعد تُحتمل.
وتسعى الدولة من خلال هذه المراجعة إلى إرساء منظومة وطنية متكاملة للسلامة المرورية، ترتكز على التكوين والرقابة واستخدام التكنولوجيا الحديثة. ومن المنتظر أن تشمل الإصلاحات عدة محاور، من بينها تحسين برامج مدارس تعليم السياقة وتشديد الرقابة التقنية على المركبات وفرض فحوصات طبية مفاجئة على السائقين المهنيين، فضلا عن توسيع استعمال الرادارات الذكية وكاميرات المراقبة المتطورة لمتابعة السلوك المروري بشكل دائم.
وقد لقي المشروع التمهيدي للقانون الجديد، ترحيبا واسعا من الجمعيات المهنية والمنظمات الناشطة في مجال النقل والسلامة المرورية، التي اعتبرته بداية فعلية لإصلاح المنظومة المرورية الوطنية ونقطة تحول نحو ضبط السلوك العام على الطرقات.
وقالت رئيسة الجمعية الوطنية للممرنّين المحترفين للسياقة، نبيلة فرحات، إن توجيهات الرئيس تبون تعكس "رؤية استراتيجية لبناء منظومة وطنية متكاملة للسلامة المرورية تقوم على القانون والتكوين والرقابة"، مؤكدة أن المشروع الجديد "سيكون آلية فعالة للحد من إرهاب الطرقات وحماية الأرواح".
من جهته، ثمّن رئيس الفدرالية الوطنية لنقل المسافرين والبضائع، عبد القادر بوشريط، ما تضمنه المشروع من إجراءات ردعية وتنظيمية. مشيرا إلى أن "تطبيق القانون بصرامة سيساهم في تقليص الحوادث والحد من الخسائر البشرية والمادية". ودعا إلى تعزيز الرقابة التقنية وتوفير قطع الغيار الأصلية وضمان صيانة الطرقات باعتبارها عناصر أساسية في منظومة السلامة.
أما رئيس الفدرالية الوطنية لسائقي سيارات الأجرة، بن زينب المعطي محمد، فقد اعتبر أن تحديد المسؤوليات بدقة ومتابعة مختلف الفاعلين في المنظومة يمثل خطوة إيجابية نحو إعادة الانضباط إلى القطاع، داعيًا إلى مرافقة الإصلاح القانوني بحملات تحسيسية موسّعة لترسيخ ثقافة الوعي المروري.
وفي السياق نفسه، وصف رئيس الأكاديمية الوطنية للسلامة المرورية، علي شقيان، التوجيهات الرئاسية بأنها "نقطة تحول حقيقية في مسار إصلاح منظومة المرور بالجزائر"، مؤكدًا أن المشروع الجديد "يعكس إرادة سياسية قوية لمواجهة آفة وطنية باتت تهدد الأرواح والممتلكات".
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال