مجتمع

صناعة المحتوى في الجزائر.. أي مستقبل؟

لقاء وطني لرسم معالم صناعة المحتوى ووضع أسس لتأمين النشاط على الفضاء الرقمي.

  • 1156
  • 3:02 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

لم تعد صناعة المحتوى الرقمي مجرد نشاط فردي أو ترف مرتبط بمواقع التواصل الاجتماعي، بل تحولت إلى قطاع حيوي يرسم صورة الدول ويعكس حيويتها الثقافية والاقتصادية.

 والجزائر بدورها بدأت تدرك هذه الأهمية، فسارعت إلى الإفصاح عن نيتها في رسم ملامح هذه الصناعة وفتح النقاش حول مستقبلها في البلاد، من خلال تنظيم لقاء وطني مع صنّاع المحتوى، يوم أمس الثلاثاء، تحت إشراف وزارتي البريد والاتصال، وبحضور ممثل رئيس الجمهورية المكلف بالمديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية.

مشهد رقمي قوي في طور التشكل

لعلّ ما يعيشه المحتوى الرقمي الجزائري يمكن وصفه بالمرحلة الانتقالية، فمن جهة، هناك حضور قوي للشباب على المنصات الافتراضية، ممن أبرزوا قدرتهم على فرض أنفسهم في مجالات الترفيه، التعليم، وحتى النقاش المجتمعي.

 ومن جهة أخرى، يعاني هذا المشهد من غياب إطار قانوني واضح، وتجاوزات أخلاقية في كثير من المرات، كما يعاني أيضا من سيطرة أنماط سطحية لا تعكس بالضرورة الإمكانيات الثقافية والعلمية للجزائريين.

 خلال اللقاء الأخير، واجه المشاركون هذه المفارقة وتجلت أمام أعينهم بوضوح، فبين الطموح لبناء صناعة رقمية حقيقية، وبين واقع تغيب فيه التنظيمات والحوافز الاقتصادية، يجد صناع المحتوى اليوم أنفسهم أمام مسؤولية ثقيلة ستلقى على كل من يختار هذا التوجه في أي ميدان كان، كما يجدون أنفسهم أمام حقيقة أن الدولة الجزائرية قد وجهت الأضواء نحو هذه الصناعة لما بات لها من تأثير رهيب على المجتمع ومن كل النواحي.

 الإبداع بين الحرية والمسؤولية

فحسب ما صدر عن الوزارتين الوصيتين على الحدث، فإنه وخلال النقاشات الصباحية التي طبعت اللقاء، شدد المشاركون على ضرورة إيجاد توازن بين حرية الإبداع والمسؤولية الأخلاقية، ففي وقت تتسع فيه المنصات للجميع، يطرح سؤال جوهري: كيف يمكن حماية حرية التعبير دون الانزلاق إلى خطاب الكراهية أو نشر الرداءة؟ كيف يمكن حماية المجتمع من خطابات التفرقة وهفوات طائشة تترك صدعا يتسع يوما بعد يوم بين أبناء الوطن الواحد، ويكسر صورة الوحدة التي طالما جمعتهم تحت كل الظروف ؟

 هذا التحدي يضع على عاتق السلطات مهمة صياغة إطار قانوني مرن، يعترف من خلاله بصناعة المحتوى كقطاع قائم بذاته، على غرار الصحافة أو الصناعة السينمائية.

 البعد الاقتصادي للصناعة الرقمية

الأكيد هو أنه لا يمكن لصناعة المحتوى أن تستمر فقط بالجهد التطوعي أو بالشغف الشخصي، لذلك، طرحت خلال الورشات فكرة المحتوى كمورد اقتصادي، قادر على خلق مناصب شغل وتحريك عجلة المقاولات الصغيرة، لاسيما عبر آلية المقاول الذاتي.

 لكن تحويل هذا الطموح إلى واقع يحتاج إلى بيئة استثمارية داعمة، وإلى منصات جزائرية قادرة على استيعاب المواهب وتوجيهها، بدل هجرة الإبداع إلى المنصات الأجنبية، أو ترك المجال مفتوحا أمام المحتوى الهابط الذي يتحمل اليوم الكثير من المسؤولية في زعزعة الكثير من الأفكار عن المجتمع الجزائري، والتي كانت إلى الأمس القريب ثابتة، بناءة، وموثوقا في أمانتها على مستقبل المجتمع.

 تكوين وتأهيل الكفاءات

من بين أهم ما خرج به اللقاء، هو الاتفاق على أهمية التكوين القانوني والتقني لصنّاع المحتوى، فالممارسة الاحترافية لا تقوم على الإلهام وحده، بل تتطلب معرفة بالقوانين، بحقوق الملكية الفكرية، وبأدوات الإنتاج والتوزيع، وهنا يبرز دور الجامعات ومراكز التكوين وحتى المؤسسات الخاصة في توفير برامج متخصصة.

صناعة رقمية بهوية جزائرية

ولعلّ التحدي الأكبر لتطوير صناعة المحتوى و"تأمينها" يظل في كيفية ترسيخ هوية جزائرية في الفضاء الرقمي العالمي، فالمحتوى الجزائري مطالب بأن يعكس التنوع الثقافي واللغوي للبلاد، وأن يقدم صورة مغايرة عن الجزائر بعيدا عن الصور النمطية، كما أن إبراز البعد العلمي، الثقافي والفني يمكن أن يجعل من المحتوى الجزائري فاعلا مؤثرا إقليميا ودوليا.

 نحو مسار تشاوري مستمر

الأكيد أن ما حدث في لقاء أمس ليس سوى البداية، فقد اختتم اللقاء بالتأكيد على أن هذه المبادرة ستتواصل بلقاءات أخرى قبل نهاية العام الجاري، في مسعى لتوسيع المشاركة وفتح المجال أمام كل الفاعلين، فعسى أن يشكل هذا النهج التشاوري قاعدة متينة لبناء رؤية وطنية متكاملة لصناعة المحتوى، ولو أن المرحلة المقبلة تتطلب إرادة سياسية، دعما مؤسساتيا، وانخراطا أوسع لصنّاع المحتوى أنفسهم، حتى لا تبقى الصناعة الرقمية مجرد شعار، بل تتحول إلى قوة ناعمة تعكس صورة الجزائر الجديدة.