"إنها الهستيريا" هكذا وصف الكثير من الأولياء والأمهات تحديدا وضعهم وأبناءهم المقبلين على امتحانات الفصل الأول التي تنطلق بداية الأسبوع المقبل. لكن ـ وفق مختصين في علم النفس ـ فالجانب المعرفي وحده لا يكفي، إذ يلعب التحضير النفسي دورا أساسيا في أداء التلميذ وثقته بنفسه أثناء الاختبارات.
"أنا أعيش حالة طوارئ حقيقية، أشعر أنني دخلت من الآن في أجواء الامتحانات، رغم أن ابنتي تلميذة في السنة الثالثة ابتدائي وليست مقبلة على امتحانات شهادة التعليم المتوسط أو البكالوريا"...
بهذه العبارات تحدث السيدة "صفية.أ"، عن وضعها وهي تستعد لمساعدة ابنتها التلميذة بمدرسة يوسف بن تاشفين بحيدرة، في العاصمة، في مراجعة دروسها قبل بداية الامتحانات الأسبوع المقبل. فحسبها لا يمكن لابنتها أن تحقق نتائج جيدة إذا لم تساعدها في المراجعة، مواصلة: "لهذا أحاول استباق الأمور ببداية المراجعة من الآن، حتى ترتاح في الأيام الأخيرة التي تخصصها للمراجعة العامة والخفيفة".
وأضافت محدثتي أنها ستركز أيضا على تغذية طفلتها في أيام الامتحانات، رغم أن ابنتها ستتناول غذاءها في تلك الأيام في بيت المربية، "الحمد الله المربية تحرص على تقديم طعام صحي في أيام الامتحانات، ناهيك عن الأكل الغني الذي نتناوله في وجبة العشاء بالبيت".
لا زيارات عائلية
حال السيدة صفية وابنتها تلميذة في السنة الثالثة ابتدائي، لا يختلف عن السيدة مريم الأم لابنة في السنة الرابعة من التعليم المتوسط بعين المالحة في عين النعجة بالعاصمة.
تقول محدثي بخصوص "استعداداتها" مثلما تقول للامتحانات "أشعر أنني معنية بهذه الامتحانات أكثر من ابنتي، فرغم أنها تحاول تدارك ما فاتها بالدروس الخصوصية، إلا أنني خائفة عليها من أن تفقد التركيز، خاصة أننا نعيش وسط عائلة كبيرة، فكثرة الزيارات العائلية ليلا قد يشوش عليها".
لذلك اهتدت محدثي إلى فكرة إرسال ابنتها إلى بيت والديها في الأسبوع الأخير قبيل الامتحانات، على أن تعود إلى البيت في اليوم الذي يسبق موعد الامتحانات.. "أضع هنا مصلحتي في المرتبة الأولى، في بيت والداي ليس هناك إلا والدي وشقيقتي، وهناك يمكنها التركيز والراحة، كما أن شقيقتي ستساعدها في المراجعة".
وهو نفس ما ذهبت إليه مرافقتها الأم لولدين، في السنة الرابعة متوسط، وفي المرحلة الثانوية. تقول محدثتي: "على اعتبار أنني عاملة، أضغط على نفسي أكثر لمساعدة آدم وسلسبيل في المراجعة، من خلال السهر والاستيقاظ باكرا، كما أحرص على توفير الجوّ المناسب لهما دون نسيان تغذيتهما، فعلي أن أحضر لهما وجبات صحية وغنية".
لكن ليس هذا هو حال أم آدم، رغم أن ابنها البكر في المرحلة الثانوية، حيث تقول: "إبني والحمد الله من المجتهدين، وحرصت منذ بداية السنة على مساعدته في المراجعة، لكن مع اقتراب الامتحان سأعمل فقط على تخليصه من الضغط، والحرص على أكله الصحي، أريده أن يدخل الامتحان وهو مرتاح ليحقق أفضل النتائج".
امتحانات الفصل الأول... محطة مهمة
من الجانب النفسي، يعد التحضير للامتحانات مهما جدا للتخلص من عقدة الخوف والفشل، ورفع فرص التفوق والنجاح.
يقول البروفيسور عوين بلقاسم، أستاذ علم النفس بجامعة الوادي، أن امتحانات الفصل الأول تُعدّ محطة مهمّة في المسار الدراسي، فهي تعطي صورة أولية عن مستوى التلميذ وتمكنه من ضبط قدراته وتوجيه جهوده لباقي السنة، غير أن الكثير من التلاميذ يعانون من القلق والخوف والارتباك خلال هذه الفترة، مما يجعل التحضير النفسي أمرا أساسيا لا يقل أهمية عن التحضير الدراسي، وذلك من خلال تقليل التوتر والضغط، كما أن التدريب على الهدوء والثقة بالنفس يساعد التلميذ على التعامل بمرونة مع الامتحان.
ولأن التركيز أهم حلقة في التحضير للامتحانات، ينصح المختص التلاميذ بتحسين القدرة على التركيز لتسهيل استرجاع المعلومات وتنظيم الأفكار، واكتساب مهارات حياتية مثل تنظيم الوقت وتجنب تراكم الدروس بوضع جدول مراجعة يومي منذ بداية الفصل، ما يجنب المتعلم الشعور بالفوضى قبيل الامتحان، ناهيك عن الانضباط، واتخاذ القرار في المواقف الضاغطة.
وللنوم الكافي دور أيضا في ترسيخ المعلومات وتقليل التوتر، خصوصا في الأسبوع الذي يسبق الامتحانات، مثلما أثبتته الأبحاث، إضافة إلى ممارسة الاسترخاء والتنفس العميق، حيث يمكن للتلميذ أن يخصّص 10 دقائق يوميا لتمارين التنفس أو التأمل لتخفيف القلق والضغط النفسي.
الاستعداد للامتحانات ليس فقط بالمراجعة، بل ببناء حالة من التفاؤل والثقة بالنفس من خلال تذكير الذات بقدراتها والابتعاد عن العبارات السلبية، وهو ما يرفع المعنويات ويمنح الإحساس بالقدرة على النجاح، والأهم من ذلك تجنب مقارنة النفس بالآخرين، ومقارنة التلميذ لأدائه الحالي بأدائه السابق.
ويقدم البروفيسور للتلاميذ إستراتيجية عملية للتهيئة النفسية، وذلك بتقسيم الدروس إلى وحدات صغيرة لتسهيل الحفظ والتقليل من رهبة حجم المواد أو بعض الوحدات الدراسية، مع التركيز على الحلّ الدوري للتمارين والمواضيع السابقة لأنها تعطي للتلميذ فكرة عن نمط الأسئلة ويقلل القلق من المجهول، بالإضافة إلى استخدام الخرائط الذهنية التي تساعد على ربط المعلومات وتنظيمها بطريقة ممتعة.
ومن المهم، وفق البروفيسور، أخذ فترات راحة منتظمة، أي كل 50 دقيقة دراسة يقابلها 10 دقائق راحة لاستعادة النشاط، والحفاظ على التغذية الجيدة وشرب الماء. أما يوم الامتحان، فأهم شيء يقوم به التلاميذ الاستيقاظ مبكرا لتجنّب التوتر، تناول فطور خفيف وصحي، مع الحرص على قراءة الأسئلة بهدوء والتخطيط للإجابات والبدء بالأسئلة الأسهل لرفع الثقة بالنفس.
دعم الأولياء: "أنت قادر"
يشكل الأولياء في فترة الامتحانات عنصر أساسي في دعم أبنائهم ومساعدتهم على تخطي ضغوطات المراجعة بثقة وهدوء، فوجود بيئة أسرية مشجعة يرفع التحصيل الدراسي ويعزز التركيز، حسب المختص، الذي يرى أن خلق جو هادئ في المنزل يشجع على المراجعة.
ومن الأفضل أيضا، حسبه، أن يراقب الولي تقدّم ابنه دون إرغام أو تهديد، بل عبر تشجيع إيجابي ومستمر، وإذا لاحظ علامات مثل الانعزال، القلق الشديد، أو فقدان الشهية، عليه التدخل بهدوء أو استشارة مختص نفسي. كما أن على الأولياء تعزيز الثقة في نفوس أبنائهم خلال فترة الامتحان مثل "أنت قادر"،"أثق فيك".
ويختم المختص الحديث بتوجيه نصيحة للأولياء، وهي "إن التحضير النفسي للامتحانات ليس لحظة عابرة، بل هو مسار يومي يبدأ من سنوات التعليم الأولى. فكلما تلقّى التلميذ دعما نفسيا مناسبا، أصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات بثقة وهدوء، وهو خطوة أساسية لتحقيق التفوق الدراسي، ويساعده في مواجهة التوتر بثقة."
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال