مجتمع

عنابة: كاتب ضبط ورئيسة مصلحة المحجوزات في قلب قضية اختلاس بالملايير

تفاصيل مثيرة كشفتها المحاكمة أمس.

  • 5827
  • 6:27 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

التمس، ممثل النيابة العامة بالغرفة الجزائية لمجلس قضاء عنابة، عشية أمس،  تسليط عقوبة 10 سنوات سجنا نافذا في حق كاتب الضبط مكلف بالمحجوزات بمحكمة عنابة ورئيسة مصلحة المحجوزات على مستوى مجلس القضاء، المتواجدة حاليا في حالة فرار، لارتكابهما جريمة اختلاس واحتجاز أموال عمومية و اختلاس أوراق مالية بالعملة المحلية والأجنبية وتبيض الأموال وكذا الإثراء غير مشروع علاوة على  جنحة استغلال الوظيفة والمشاركة في الاختلاس واحتجاز أموال عمومية .

و توبع كاتب الضبط السابق المكلف بمصلحة المحجوزات على مستوى المحكمة الابتدائية بعنابة ورئيسة مصلحة المحجوزات بالمجلس القضائي، بالأفعال المنصوص والمعاقب عليها في قانون الوقاية من الفساد و مكافحته، على خلفية ارتكابهما وفق الدعوى العمومية، التي تم تحريكها من طرف نيابة الجمهورية بدائرة اختصاص محكمة عنابة ومقاطعة مجلسها القضائي، جرائم ثقيلة لها علاقة بجنح تبيض الأموال، اختلاس واحتجاز أموال عمومية، اختلاس أوراق مالية خاصة عهدت إليه بحكم وظيفته، و الإثراء غير المشروع بالنسبة لكاتب الضبط  المكلف بمصلحة المحجوزات بالمحكمة الابتدائية.

وتتلخص وقائع القضية، التي تم تحريكها في 2024 من طرف نيابة الجمهورية لدى محكمة عنابة،  بفتح تحقيق ضد أمين ضبط مكلف بمصلحة المحجوزات يعمل بمحكمة عنابة، على اثر اكتشاف ثغرة مالية هامة بخصوص التلاعب و الاستيلاء على مبالغ مالية ضخمة من العملة الوطنية والأجنبية، التي تم إيداعها وفق أحكام وقرارات صادرة عن قضاة التحقيق بالخزينة العمومية على أساس أنها "أدلة الإقناع"  لها علاقة بالعشرات من القضايا التي تمت معالجتها على مستوى محكمة عنابة بين سنتي 2016 و 2023 .

الانتربول يلقي القبض عليه في لبنان

 اكتشاف الجهات القضائية المختصة لهذه الثغرة المالية، التي تفوق قيمتها عدة ملايير سنتيم، تمت وفق شكاوى عديدة تقدم بها مواطنون وضحايا، مفادها اختفاء المحجوزات التي تمت مصادرتها على ذمة التحقيق، خلال مرحلة التحقيق وأثناء توقيف العشرات من المتهمين كانوا محل متابعات في قضايا مختلفة لها علاقة بالتهريب والمتاجرة بالمخدرات والمهلوسات وملفات أخرى، من بينها أموال بالعملة المحلية والأجنبية ومعادن ثمينة من الذهب والفضة وسيارات ومحركات بواخر و تجهيزات أخرى، تقدر قيمتها بالملايير .

وقد تم الاستيلاء  واختلاس هذه الاموال المحجوزة لدى القضاء، حسب محاضر استجواب وسماع المتهمين الاثنين، على خلفية ما توصلت إليه التحقيقات الأمنية والقضائية بمحكمة عنابة، أن المتهم الرئيسي في ملف الحال، الذي تم توقيفه في نهاية 2023 في لبنان، من طرف جهاز الانتربول، بعدما صدر في حقه مذكرة توقيف دولية، على خلفية فراره نحو دولة الإمارات العربية المتحدة، مرورا بالأراضي التونسية، خلال فترة قصيرة من تلقيه إخطار بالمثول أمام الجهات الأمنية للتحقيق معه في الملف .

وقد اكتشف محققو الأمن، خلال مراحل التدقيق في الوثائق و ملفات ومحاضر أدلة الإقناع الصادرة عن قضاة التحقيق في حق العشرات من الأشخاص المحبوسين في ملفات لها علاقة بالمتاجرة بالمخدرات و التهريب وغيرها من القضايا الثقيلة.

شريكته استغلت حملها للفرار عن طريق "الزورق السريع"

وتبين أن المتهم الرئيسي كان يتلاعب في الأرقام الخاصة بالمبالغ المالية، ويحول الأموال المنهوبة والمعادن الثمينة إلى وجهات مجهولة دون جردها بدقة في محاضر وسجلات التدقيق بمصلحة المحجوزات بمحكمة عنابة، و ذلك بالتواطؤ مع رئيسة مصلحة المحجوزات بمجلس قضاء عنابة، التي تتواجد حاليا في حالة فرار، بعدما استغلت ظروفها الصحية على أساس أنها حامل في شهرها الأخير، للخروج من السجن و متابعة الرعاية الصحية بالمستشفي بدلا من سجنها، ما مكنها من الفرار نحو الخارج، بكراء "زورق السريع" بمبلغ مالي معتبر  يقارب 300 مليون سنتيم، ويحتمل بأنه من عائدات السرقة.   

وأكد  المتهم، الذي تقاعد من سلك القضاء، أن زوجته متقاعدة بسلك الصحة كممرضة وتقاضي تقاعدا بمبلغ 3 ملاين سنتيم ولا يملك أي نشاط تجاري.

غير أنه سافر رفقة عائلته إلى فرنسا  وتونس عدة مرات، ودبي، وأنه لا يحوز على أي رقم حساب جاري بريدي ولا أي حساب بنكي بالعملة الوطنية أو بالعملة الصعبة.

لكن التفتيش الإلكتروني للهاتف النقال من نوع "آيفون 11 " لابنه المتابع في ملف الحال، فقد تضمن عدة صور له بمركز تجاري بدبي، كما تم العثور على وصولات تحويل مبالغ مالية خاصة به تم تحويل عن طريق حوالة مبلغ 296.738.00 دج. كما تم  العثور  على صور له وبحوزته كمية من المؤثرات العقلية والمخدرات. 

و اعتمد المتهم الرئيسي التلاعب في مضمون محضر ضبط أدلة الاقناع، صادر عن الغرفة الثالثة ضد احد المتهمين في قضية مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال، يتضمن حجز مبلغ مالي بالعملة الصعبة مقدرة بـ 11135 أورو ، مبلغ مالي مقدر بـ 495 دولار أمريكي، و 50 ريال سعودي، و40 دينار تونسي، حيث استغل المتهم وظيفته لاختلاس هذه الاموال دون إيداعها  لدى البنك، وهو نفس الأسلوب الذي اعتمد عليه المتهم الرئيسي سنة 2018 بتوصله إلى نهب أموال أخرى بالعملة الصعبة يتضمن 21835 أورو ، 50 جنيه إسترليني بريطاني، 3935 دولار كندي ، 150 دولار أمريكي و 540 دينار تونسي، و لا يوجد ما يفيد بإيداع المبالغ لدى البنك المعتمد.

و في سنة 2021 قام المتهم بالاستيلاء على أموال أخرى تحتوي على مبلغ مالي من العملة الصعبة مقدر بـ 1730 أورو  .

المتهم الرئيسي يتلاعب في الارقام 

 و اظهرت التحقيقات ان المتهم الرئيسي كان  يقوم بإضافة الأصفار و الفواصل في آخر الأرقام لمبالغ المالية، المدونة في محاضر ضبط أدلة الإقناع، على غرار ما وقع في احد القضايا المتابع فيها احد المتهمين بجريمة حيازة ونقل وتخزين المخدرات بطريقة غير شرعية بغرض البيع، حيث تم حجز مبلغ 16 مليون سنتيم كانت بحوزته لكن كاتب الضبط قام بإضافة بعض الأرقام و الفواصل للرفع من المبلغ إلى 160 مليون سنتيم، بالإضافة إلى قيامه بعمليات نسخ من السجل الإلكتروني من تطبيق تسيير المحجوزات و يقوم بعدها، حسب تحريات الأمن،  بإيداع المبلغ بالحساب الخاص بالمحجوزات المفتوح على مستوى الخزينة العمومية لولاية عنابة، لتسهيل عمليات سحب هذه الأموال  وإدراجها ضمن جدول عام يتضمن قائمة المبالغ المالية المودعة بالخزينة العمومية المقدرة بـعشرات الملايير خاصة بالقطع والأوراق النقدية، التي تم التوقيع عليها من طرف أمين ضبط المحجوزات بمحكمة عنابة لتسهيل عملية سحبها باستعمال شيكات سحب الأموال من الحساب المفتوح باسم مصلحة المحجوزات على مستوى الخزينة العمومية على مراحل وبمبالغ مالية معتبرة تتراوح بين 02 مليار سنتيم و 130 مليون سنتيم للفرد الواحد. 

وحسب ما تتضمنه  من مبالغ مالية مدرجة ضمن وثيقة أدلة الإقناع الخاصة بكل متهم في قضايا مختلفة.

عمليات الاختلاس بدأت سنة 2016 

وكشف التحقيق أن ايضا، أن المتهم  قام بسحب مبالغ مالية معتبرة في الفترة الممتدة من 31/01/2016 الى 26/05/2019 تقدر ب 18,859,500,00 دينار جزائري من الخزينة العمومية لم يعرف مآلها.

وقد قام المتهم الرئيسي، وفق التحريات، بالتلاعب في ملفات ووثائق أدلة الإقناع، وتهربه من تسجيل الأموال والأشياء والأغراض المحجوزة على ذمة التحقيق، مع تعمد تحرير محاضر أخرى مغايرة للوقائع وبأرقام مختلفة، بهدف اختلاس هذه الأموال ونهب المحجوزات، حيث مكنت عملية المداهمة والتفتيش لمسكنه  بحي 08 مارس، التي تمت من طرف مصالح الفرقة الاقتصادية والمالية بأمن ولاية عنابة، منحجز مبلغ مالي من العملة الوطنية قدره ثلاثمائة ألف دينار جزائري، و كمية معتبرة من المجوهرات.

كما بين التحقيق، اختلاس المتهم الرئيسي، لمبالغ مالية ضخمة بالعمل الصعبة كانت محل احتجاز على ذمة التحقيق. 

 وعند  سماع احد الشهود، الذي كشفت التحريات انه كان على علاقة به لتسهيل اقامته في الخارج ، فقد صرح أنه تعرف على المتهم الرئيسي الموظف السابق بمحكمة عنابة  سنة 2020  بحكم انه كان ضحية في ملف على مستوى غرفة التحقيق الأولى بمحكمة عنابة، و التقى به في دبي بالامارات العربية المتحدة واستفسر معه عن إمكانية إيجاد منصب عمل لإحدى بناته، و انه بقى على تواصل معه، و في بداية  أوت 2023 قام بمساعدته على كراء شقة سكنية بالشارقة بالامارات العربية المتحدة، في حين أن أبناءه البنات مقيمات بشقة بمنطقة الجميرة بامارة دبي، وأن ابنه غادر الشقة التي أجرها له في نهاية اوت 2023 دون معرفة العنوان الجديد الخاص به، كما أضاف أن المتهم الرئيسي سبق و ان تكفلت به الشركة تحت تسمية  ROUCHAI PROJETMANAGEMENT ، الكائن عنوانها بدبي بغرض تسوية وثائقه والحصول على الإقامة فقط و لم يسبق للمتهم و أن تقدم إلى مقر الشركة المذكورة.

وعند سماع زوجة المتهم الرئيسي، صرحت أن زوجها، موظف سابق بمحكمة عنابة منذ 1996 ولهم ثلاثة أولاد، وأنها متقاعدة منذ سنة 2020 كونها اشتغلت كممرضة بمستشفى ابن سينا بعنابة لمدة 23 سنة وتقدر منحة تقاعدها بحوالي 35.000 دينار شهريا، في حين أوضحت أن ابنتيها الإثنتين سافرتا إلى دبي  بالإمارات العربية المتحدة  خلال السنة الجارية بموجب تأشيرة سياحية ومازالت على اتصال بهن، وخلال شهر رمضان الفارط سافرت بمفردها إلى دبي أين التقت بهن هناك، كما أن زوجها المتهم  سبق وأن سافر إلى دبي بالإمارات العربية المتحدة خلال السنة الحالية بمفرده.

وحاول المتهم الرئيسي خلال المحاكمة، إنكار التهم الموجهة له.