في معجزة تتحدى الطب، استعاد وليد بلفوناس الساكن في حي "فيلالي" غير بعيد عن وسط قسنطينة، القدرة على المشي، مُطلّقا كرسيه المتحرك بعد 48 عاما من الإعاقة ليقف ويمشي على قدميه.
قصة هذا القسنطيني تتعدى حدود المألوف ليلامس الخوارق؛ فبإرادة إلهية مطلقة، وبدافع من بصيص أمل داخلي، جرب وليد الوقوف، فـ "وقف ومشى". لم تكن هذه مجرد خطوة، بل كانت معجزة ربانية هزت أركان الحي وأبهجت قسنطينة بأكملها، لتثبت أن "ربي ما فيه غير الخير وقادر على كل شيء".
لحظة ميلاد جديد بعد سؤال "لم لا أجرب الوقوف"
قضى وليد ما يقارب نصف القرن من عمره مقعدا، يصارع ظروفه بصبر ويقين، لكن في لحظة صفاء، وبينما كان وحيدا مع أفكاره، تساءل "علاش ما نجربش نوقف؟"، وكانت المحاولة هي نقطة التحول، فبإرادة الله القادر على كل شيء، وقف وليد وخطا خطواته الأولى، معلنا ميلادا جديدا فاجأ عائلته وجيرانه ومدينة قسنطينة بأكملها التي احتفلت بالمعجزة الربانية، فهذه اللحظة، التي وصفها وليد بأنها لا تصدق، هي دليل حي على أن "سبحانه قادر أن يحيي الموتى".
فقد تعالت أصوات الصراخ والبكاء فرحة عندما تقدم للباب وفتحه لدى عودة شقيقتيه إلى المنزل، حيث لم يصدق أحد أنه استطاع الوقوف والمشي بمفرده وهو الذي عاش دهرا مقعدا، فقد اتخذت حياة وليد بلفوناس منعطفا قاسيا وهو في ربيعه الثاني؛ ففي عمر السنتين أصيب بحمى "التهاب السحايا" المدمرة، والتي لم تترك جسده سليما، إذ تسببت في ارتخاء كافة أطرافه وشللها.
ورغم استماتة أهله في البحث عن علاج لابنهم، متنقلين به بين المراكز الطبية داخل الوطن وخارجه، إلا أن التحسن كان نسبيا ومحدودا، ولم يكتب لوليد أن يستمتع بحركة طفولته الطبيعية، وبقي مقعدا طيلة حياته، جليسا لـ الكرسي المتحرك، حتى اللحظة التي شاءت فيها الإرادة الإلهية أن تنتهي فيها معاناته مع الشلل بعد 48 عاما.
من الأحلام المعلقة إلى الأهداف الواضحة
في تصريح لجريدة "الخبر"، تحدث وليد "الجديد"، عن الفارق بين "وليد السابق" و"وليد الحالي"، مشيرا إلى أن الفرق يكمن تحديدا في "الأحلام ومدى تحقيقها". فبالأمس، لم يكن وليد يرى نفسه مريضا، بل شخصا عاديا يقضي يومه في مقهى الحي مع أصدقائه وجيرانه، وغير قادر على القيام ببعض النشاطات.
أما اليوم، فيبدأ وليد "حياة أخرى" بأهداف واضحة، منها الروحانية، فهو يتمنى زيارة البقاع المقدسة لأداء العمرة. كما يأمل في الانطلاق في العلاج التأهيلي الحركي لتقوية ودعم عضلاته في مركز خاص، على أمل أن يخوض، عن قريب مباريات في كرة القدم مع جيرانه وأصدقائه الذين ساندوه طوال حياته.
ولم يخفِ وليد حاجته للعمل، بما يتناسب مع وضعه، حالما بتحقيق حلمه القديم في أن يصبح ميكانيكي سيارات والحصول على تكوين في هذا المجال، إحياء لذكرى والده المرحوم الذي كان يمتهن هذه الحرفة.
وتحدث وليد عن الاستقرار الاجتماعي، على غرار كل الشباب، فهو يسعى للاستقرار والاستقلال ببيت خاص، ومع بلوغه الخمسين، لا يزال ينتظر معالجة ملفه الخاص بالسكن الاجتماعي الذي أودعه لدى السلطات الولائية سنة 2015، معربا عن أسفه لعدم قيام لجنة السكن بزيارته ولو لمرة واحدة.
وعن كل هذه الأحلام لم يتوان أهل الحي والجيران عن مطالبة السلطات والجهات المعنية بالوقوف مع ابن حيهم، ومساعدته في تحقيق أحلامه واسترجاع ما قد فاته من سنوات عمره.
تحت وطأة الصدمة الإيجابية
يفتتح وليد بلفوناس رحلته الجديدة نحو حياة مختلفة، مؤكدا أنه لا يزال تحت وطأة الصدمة الإيجابية التي أحدثتها معجزة سيره، مؤكدا أنه وفي ظل هذه النعمة الربانية، لم يقرر بعد ماذا سيفعل تحديدا في أيامه المقبلة بعد أن صار يقف ويمشي بمفرده بعد سنوات من الركون، لكن المؤكد أن الأمل صار خطوته الأولى نحو مستقبل واعد، وبنظرة مختلفة، في أن يكمل حياة طبيعية، ويكون أسرة ويعيش كل الألقاب من زوج، لأب ثم جد.
سنفور حتى النخاع.. قصة وفاء لـ "الخضورة" دامت 35 عاما
بعيدا عن تفاصيل إعاقته، يكشف وليد بلفوناس عن شغف آخر يملأ حياته، حبه الجارف للنادي الرياضي القسنطيني "السياسي"، فمنذ كان عمره لا يتجاوز الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة، وهو "سنفور حتى النخاع"، ليصبح اليوم، في الخمسين من عمره، وفي رصيده أكثر من 35 سنة من الحب والوفاء لـ "الخضورة"، رغم المرض والإعاقة.
وقد انعكس هذا الشغف على غرفته التي تحولت إلى ما يشبه "متحفا" للنادي، حيث تزينها الألوان الخضراء والسوداء وتحكي تاريخ السياسي على مر السنين.
وتكريما لهذا الوفاء، وجهت إليه إدارة النادي دعوة لحضور حصة تدريبية لفريقه المفضل، وهو الموعد الذي كان ينتظره بفارغ الصبر، مساء أمس، على أمل أن يزوره مرات أخرى.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال