لماذا يراوح مشروع تهيئة واد الحراش مكانه؟

+ -

وادي الحراش، كما وقفنا عليه اليوم، بعد مرور أزيد من 10 سنوات على انطلاق أشغال تهيئته وتأهيله وتطهيره مازال مقبرة ومفرغة للنفايات السائلة من مياه الوحدات الصناعية المحملة بمختلف المواد الكيماوية المتدفقة من المناطق الصناعية (وادي شبل، بابا علي، جسر قسنطينة، براقي، الحراش..)، فضلا عن تدفق مياه الصرف لوادي الجمعة بالبليدة ووادي السمار بالجزائر، ذلك رغم الأشغال المتواصلة ليل نهار لتطهيره، في تحد مازال يضغط بثقله على السلطات العليا لإزالة التلوث عنه وتحويله إلى مركز جاذبية جديد للواجهة البحرية للعاصمة المفترض أن تعيد للمدينة بريقها وتنافسيتها ضمن المدن الخمس الأكثر جاذبية في البحر المتوسط (top5). ومع ذلك، فإن الأجواء الآخذة في التشكل بالوادي حاليا تظهر كل شيء متحرك قد دخل في سباق مع الوقت لتسليم المشروع على طول 18 كلم من المساحات والفضاءات المهيأة وفتحها أمام الزوار قبل حلول العام 2024، تنفيذا لبنود دفتر الشروط الموقع بين صاحب المشروع الممثل في وزارة الري (الموارد المائية سابقا) ومجمع الإنجاز (شركة كوسيدار الوطنية وشركة دايو الكورية).

شكل وادي الحراش بروافده) وديان) على مدى نصف قرن مصدر تهديد بيئي لساكنة مدينة الجزائر ولا يزال الخطر متواصلا إلى غاية اليوم لأنه مكان تمركز كل أنواع الميكروبات والنفايات الضارة المحملة بمختلف المواد الكيماوية ذات الخطر البالغ على صحة الإنسان، وبالتالي خطرا محدقا بالواجهة البحرية للعاصمة في غمرة تنامي النسيج الصناعي والانفجار الديمغرافي.

 

منظر مقلق..

 

من بن طلحة، واحد من أحياء براقي الواقعة إلى الجهة الجنوبية للعاصمة، سلكنا مسار الوادي باتجاه براقي، مرورا بوادي السمار وشارفنا على إقليم بلدية الحراش، الوادي الحلم المفترض منه أن يعيد الجمال والبهجة للضفة الشرقية والجنوبية للعاصمة وأيضا الواجهة البحرية للعاصمة تكاثرت به ونمت أنواع من الأحراش في مجراه، من بن طلحة إلى وادي السمار. فالزائر للمساحات التي تمت تهيئتها على ضفاف الوادي ببن طلحة لن يجد إلا فضاء موحشا هجره الناس منذ مدة وهو الذي كان خلال الشهور الأولى من تسليمه بعد تهيئته قبلة العائلات والشباب.

يقول نبيل، شاب يشتغل (كلوندستان) بسيارته، "أبناء وعائلات بن طلحة ما عادوا قادرين اليوم على الاقتراب من الوادي. انظر، هل يوجد شخص واحد؟ الوادي أيام تسليم المساحات الخضراء على ضفافه لم تكن مياهه سوداء إلى هذا الحد من فرط المياه القذرة القادمة من البليدة والمتدفقة من بعض المناطق الصناعية. من يستطيع تحمل الروائح الكريهة المزعجة؟". ففيما تحول مجرى الوادي إلى مشهد بشع من فرط مياهه السوداء القذرة المتدفقة وسط الأحراش التي تحولت إلى أشجار في مشهد يكشف بوضوح مخاطر التلوث على الإنسان والحيوان، كان الإهمال قد قطع مرحلة متقدمة مستويا على مساحات خضراء وفضاءات للعب، بينها ثلاثة ملاعب جوارية أنجزت وصممت لترافق الحياة الجديدة على ضفاف وادي الحراش.

 

وديان من النفايات

 

واصلنا السير خفية على متن سيارتنا نزولا باتجاه براقي في غمرة سكون تام على ضفتي الوادي اللتين تدهورت أجزاء من فضاءاتها التي هيئت في وقت سابق، لم نصادف لا مسؤولا ولا أي شخص، لكن ما وقفنا عليه كان صادما للغاية وشجعنا على التقاط صورة له، إنها مياه الصرف (نفايات سائلة) التي تتدفق مباشرة على شكل مصب كبير في وادي الحراش، القادمة من المنطقة الصناعية لبراقي، محولة مجراه إلى مستنقع أسود بشع تتكاثر فيه مختلف الحشرات والبعوض، في مؤشر واضح على أن الجانب البيئي والإيكولوجي لوادي الحراش غير مراقب على نحو يضمن متابعة حمايته من التلوث.

ومع ذلك، كان المشهد الأكثر بشاعة لمجرى الوادي هو بمنطقة وادي السمار، إذ كانت عدة وديان صغيرة للمياه القذرة (مياه صناعية ملوثة) أو (نفايات سائلة) تتدفق من المنطقة الصناعية مباشرة إلى وادي الحراش الذي استهلك أزيد من 38 مليار دج لتهيئته، المشروع الحلم الذي تسعى من خلاله السلطات العليا للرمي بكامل ثقلها لجعله مركز جذب للواجهة البحرية للعاصمة بالنظر إلى الصورة المستقبلية لنظامه البيئي الإيكولوجي وجانبه الجمالي. وتطرح تلك المشاهد الصادمة التي تحمل مخاطر على البيئة تساؤلا عن الكيفية التي تجري بها أشغال مشروع تطهير وادي الحراش وحمايته من التلوث، وهو التحدي المطروح قبل أن يتحول الحلم إلى حقيقة.

دخلنا مقر الديوان الوطني للتطهير الكائن مقره ببراقي لمعرفة الكيفية التي تجري بها أشغال مشروع تطهير وادي الحراش، خصوصا أننا لم نعثر في طريقنا على طول مسار الوادي على هذا النوع من الأشغال، لكن المكلفة بالإعلام رفضت الإدلاء بأي معلومة وأشارت علينا بحيازة رخصة من وزارة الري (وزارة الموارد المائية سابقا) تمكننا من حيازة معلومات بشأن تهيئة وتأهيل وادي الحراش وتطهيره وموعد تسليمه.

تقدمنا بطلب إلى مدير ديوان وزارة الري (الموارد المائية سابقا)، شرحنا فيه غرض مهمتنا بوادي الحراش وتمت الموافقة بتحديد موعد لنا مع مدير الري لولاية الجزائر، الذي وجهنا بدوره إلى رئيس مصلحة التطهير بمديرية الري لولاية الجزائر (الموارد المائية سابقا).

 

مخاطر وادي الجمعة والسمار.. !

 

يقول رئيس مصلحة التطهير، نذير ناصف، في معرض إجابته على سؤالنا الذي مفاده، أين وصلت أشغال تطهير وادي الحراش وحمايته من التلوث؟ "وادي الحراش يمتد على 18.2 كلم بمقاطعة ولاية الجزائر، تصب فيه ستة (6) روافد، هي وادي بابا علي، وادي ثيرو، وادي الكرمة، وادي أوشايح ووادي عدة، الوديان الأربعة هذه لها قنوات صرف صحي تنقل المياه القذرة إلى محطة التطهير الواقعة ببراقي وهي ذات سعة حالية تقدر بـ300 ألف متر مكعب يوميا، أي أن المحطة تقوم بتطهير المياه القذرة وإعادة ضخها في الوادي..".

وأضاف: "أما الواديان المتبقيان، فهما وادي السمار ووادي الجمعة، فبالنسبة لوادي الجمعة الواقع بإقليم ولاية البليدة، فتصب فيه مياه الصرف الصحي القادمة من ولاية البلدية ومن البلديات التي يمر بها وادي الجمعة وهي بلديات بوغارة، الأربعاء، مفتاح، وادي سلامة، وتقدر كمية هذه المياه القذرة بـ30 ألف متر مكعب يوميا تتدفق بشكل يومي إلى وادي الحراش..".

هذا الوادي (وادي الجمعة) يتابع رئيس مصلحة التطهير: "لا يتوفر إلى غاية اليوم على نظام الصرف الصحي كما هو عليه الحال في الوديان الأربعة المذكورة، كما لا يتوفر على محطة تصفية لهذه المياه القذرة..". ما يعني أن التلوث سيلازم مجرى وادي الحراش حتى وإن تم استلام الوادي في شكله المهيأ والمؤهل (مساحات خضراء، فضاءات للعب، مسارح، حدائق...) على امتداد 18 كلم بإقليم ولاية الجزائر مع حلول العام 2024.

والأخطر في هذا الوادي، يضيف، هو "احتواء هذه المياه على مواد كيماوية (نفايات سائلة) تتدفق من وحدات صناعية بالبليدة إلى وادي الحراش مباشرة، وهذا يعتبر عائقا كبيرا أمام إزالة التلوث من وادي الحراش نهائيا، ولو أن السلطات العليا على دراية بالأمر وتتابع عن كثب هذا المشكل..".

أما وادي السمار، يواصل رئيس مصلحة التطهير: "بالنسبة لوادي السمار، أشغال إنجاز نظام الصرف الصحي لا تزال متواصلة إلى غاية اليوم وتشمل خمسة (5) كلم من قنوات الصرف ذات قطر 1500 مليمتر و2000 مليمتر، هذا الوادي تصب فيه مياه الصرف القادمة من باب الزوار مرورا بالمنطقة الصناعية لوادي السمار، بما فيها مياه الصرف المنزلية ومياه الصرف المتدفقة من الوحدات الصناعية (نفايات سائلة).

وأوضح المسؤول ذاته: "نسبة تقدم أشغال إنجاز هذه القنوات بلغت 60 بالمائة، ويرجح أن تستغرق أشغال قناة الربط بين محطة مياه الصرف لباب الزوار(هي محطة رفع) ومحطة تطهير مياه الصرف لبراقي ثمانية (8) أشهر، وذلك على مسافة 5 كلم، ويرتقب أن تكون في شكل نفق يمر تحت وادي الحراش..".

 

عائق الوحدات الصناعية..

 

والحقيقة أن الوضع البيئي المزعج لوادي الحراش اليوم لا يقتصر على الأضرار والمخاطر التي يتسبب فيها واديان اثنان (وادي الجمعة) بالبليدة ووادي السمار بولاية الجزائر، بل يتعدى إلى ما هو أخطر من ذلك، على اعتبار أن رئيس مصلحة التطهير بمديرية الري يعترف بأنه "حتى وإن تم إنهاء المشروع وتسليمه بصيغته المهيأة والمؤهلة سيظل هناك مشكل آخر مطروح، يتمثل في عدم ربط المياه القذرة (نفايات سائلة) المتدفقة من الوحدات الصناعية المتواجدة بالمناطق الصناعية لبابا علي، براقي، وادي السمار، الحراش.. بنظام الصرف الصحي ومن ثم إلى محطة التطهير ببراقي.. ماعدا إذا التزم أصحاب هذه الوحدات بإجراء معالجة مسبقة للمياه الصناعية القذرة (نفايات سائلة) قبل وصولها إلى المحطة المذكورة..".

 

مواد كيميائية خطيرة

 

ينص المرسوم التنفيذي رقم 06- 141 المؤرخ في 19 أفريل 2006 على معايير رقابة يتم تطبيقها حسب نوعية نشاط الوحدات الصناعية المتواجدة على طول ضفتي وادي الحراش، كما يلزم المرسوم التنفيذي أصحاب الوحدات بضرورة تجهيزها بمحطات معالجة للمياه الصناعية (نفايات سائلة) قبل ربطها بنظام الصرف الصحي، على أن تكون المعالجة مرفقة بتحاليل لهذه المياه، تثبت أنها تتوفر فيها المعايير التي ينصص عليها القانون. كما أن المرسوم التنفيذي رقم 09-209 الصادر في 11 جوان 2009 يتضمن الأهداف من وراء توقيف ومنع تفريغ مياه الوحدات الصناعية الملوثة في محطة التطهير، كونها تتسبب في خلل إيكولوجي، خصوصا أن رئيس مصلحة التطهير يقول إن "المياه الصناعية المتدفقة بوادي الحراش يحتوي معظمها على المعادن الثقيلة..". ويعني ذلك أن تفريغ المياه الملوثة (المياه الصناعية) القادمة من وحدات صناعية في الوادي يخضع إلى رخصة.

وبين هذه المواد التي تحتويها تلك المياه البلومب، الكلور، الزنك، الكروم، الارسينيك وحتى الماركير، العنصر الكيميائي بالغ الخطورة، حيث تتجاوز نسبة الخطورة فيه 30 مرة المقاييس المتعارف عليها دوليا، استنادا لدراسة قام بها مخبر تهيئة الإقليم التابع لجامعة العلوم والتكنولوجيا لباب الزوار تخص وادي الحراش.

وكشفت دراسة أخرى استندت إلى تحقيق ميداني ببعض المناطق الصناعية بإقليم ولاية الجزائر قبل سنة 2020 عن مخاطر ذات صلة بتلوث مياه وادي الحراش، تتمثل في تفاقم أمراض الحساسية كالربو والجلد وحتى السرطان.. ذلك بعد التحليل الكيميائي للمياه الصناعية وحتى تلك المستعملة في الفلاحة تبعا لمؤشر العدوى. إذ تم الكشف عن وجود تركيز عالي لنسبة المادة الكيميائية في المواد المصنعة، لدرجة أن الجهة التي قامت بالدراسة والبحث خلصت إلى قناعة مفادها حتمية تحويل بعض الوحدات الصناعية وأبعادها من ضفتي الوادي نهائيا.

 

اعتداء على القانون والبيئة

 

ويقود هذا الوضع لتساؤل مؤداه إلى أي مدى التزمت الوحدات الصناعية المتواجدة على امتداد مجرى الوادي من ولاية الجزائر إلى البليدة بتدابير نص القانون الذي يلزمها بالمعالجة المسبقة للمياه الصناعية (نفايات سائلة) قبل تفريغها؟

يقول رئيس مصلحة التطهير: "إلى غاية اليوم لا يوجد إلا عدد قليل من الوحدات الصناعية التي اقتنت محطات معالجة للمياه الصناعية قبل ربطها بنظام الصرف الصحي ومن ثمة محطة التطهير ببراقي. واستنادا للمرسوم المتضمن معايير مراقبة نشاط الوحدات الصناعية هذه، فإن الشرط الأساسي لربط قنوات صرف المياه الصناعية (نفايات سائلة) بمحطة التطهير لبراقي هو خفض نسبة المواد الكيماوية في هذه المياه الملوثة، لأجل أن تستوفي النسبة التي ينصص عليها القانون والمقبولة في محطة التطهير التي تعمل بنمط بيولوجي، لأن ما هو كيميائي لا يتماشى مع ما هو بيولوجي".

وتشير مصادر من وزارة البيئة والطاقات المتجددة إلى أن الأخيرة تواصل من يوم لآخر تقديم إنذارات وإشعارات لعدد من الوحدات الصناعية لإلزامها بالاستجابة للإجراءات التي تنصص على حماية البيئة، بل وقامت بغلق بعض الوحدات. وكانت وزارة الصناعة أوضحت في وقت سابق أن ما لا يقل عن 533 مؤسسة اقتصادية تنشط على طول ضفتي الوادي، من الجزائر حتى البليدة، بينها 24 مؤسسة صناعية قدمت لها أوامر قصد تسوية وضعيتها إزاء الإجراءات الجديدة التي تنصص على حماية الطابع الإيكولوجي لوادي الحراش، فيما لا تزال وزارة البيئة تراهن على المضي في تصورها رفقة وزارة الري القاضي بوضع تحت تصرف كل وحدة صناعية محطة معالجة صغيرة للمياه الصناعية، تتحمل هذه الوحدة تكلفتها، ما سيسمح بتخفيض نسبة التلوث بنسبة كبيرة.

 

ثلاثة مصادر للتلوث

 

ومع أن حماية وادي الحراش من التلوث تبقى تحديا كبيرا، بالنظر للعوائق الموجودة، إلا أن المساعي متواصلة حاليا على مستوى وزارتي الري (الموارد المائية سابقا) والبيئة لأجل تجسيد الطابع الإيكولوجي لوادي الحراش، إذ رصدت وزارة الري ملياري دج (2) لتطهير وادي الحراش وحمايته من التلوث .وتم تجهيز الوادي بآلات جد متطورة لقياس درجة التلوث (مزودة بآليات استشعار)، هي أجهزة إنذار تشتغل أوتوماتيكيا في كل مرة تستشعر وجود تلوث، ستدخل الخدمة يوم يتم تسليم المشروع نهائيا.

ويرى باحثون من مخبر تهيئة الإقليم التابع لجامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين بباب الزوار أن مصدر تلوث وادي الحراش نابع من ثلاثة عناصر أساسية: 1- فلاحية: بسبب الأسمدة والمواد الكيماوية (المبيدات) المستعملة لحماية النباتات والحقول من الحشرات، خصوصا أن وادي الحراش يجتاز سهل المتيجة عبر عشرات الكيلومترات، أي إلى غاية حمام ألوان بولاية البليدة (67 كلم). 2- مصدر حضري: من جانب المياه الملوثة المنزلية. 3 ـ مصدر صناعي: من جانب المياه الصناعية المحملة بعدة نفايات (نفايات سائلة) تفرغها عدة مصانع، ولو أن المصدر الرئيسي الذي لايزال يشكل مصدر قلق للسلطات العليا هو المياه الصناعية الملوثة.

 

ردع الخارجين عن القانون

 

إلى ذلك، خلصت بحوث ميدانية عن الواقع البيئي لوادي الحراش، تمت قبل بضع سنوات، إلى توصيات تقضي بضرورة وضع برنامج قار لمراقبة المياه الصناعية، تشارك فيه مفتشيات العمل، واتباع نظام لتحليل مياه الوادي عبر 16 نقطة من عيناته على طول مسافة الوادي، وكذا ضرورة فرض رسوم وضرائب على أصحاب المصانع لحملهم على تحمل مسؤولية إفراغ الملوثات السائلة في الوادي (مواد كيماوية ونفايات مختلفة).

والحقيقة أن هذا الواقع الصعب الذي يواجهه وادي الحراش في جانب تخليصه من مختلف أنواع النفايات والسموم يكشف في الوقت نفسه عن الوجه الآخر للجزائريين الذين مازالوا يتعاملون باستخفاف واستهتار مع مسائل البيئة، لأن المخيال الجماعي للجزائريين مازال ينظر للمجال العمومي على أنه لا يدخل ضمن مجال ملكيتهم، أي لا يجنون منه منفعة، لذلك انتشرت الأوساخ والقمامة بالشوارع والساحات العمومية وحتى أمام المساجد، وكل ذلك نتيجة تآكل البعد الآخر للمواطنة، بعد ظهور المواطن الذي ينتظر أن تسعفه الدولة في كل شيء.

 

مركز جذب للواجهة البحرية

 

وفي كل الأحوال، يرى خبراء تهيئة الإقليم في الجزائر اليوم أن تجسيد الحلم أو الأمل الذي طالما انتظره ساكنة مدينة الجزائر المتمثل في استعادة وادي الحراش (تهيئته وتأهيله) لما سيقدمه من قيمة سياحية اقتصادية وجمالية، يمر عبر تطهيره نهائيا وإزالة التلوث منه "فهو بارومتر حماية مدينة الجزائر من التلوث".

وسيصبح وادي الحراش، استنادا لمخطط تهيئة وتنمية فضاءات الحواضر الكبرى (sdaam)، مركز جاذبية جديدا للواجهة البحرية لمدينة الجزائر، في إطار مشروع الميثروبول العاصمي المتضمن المخطط المذكور الهادف أيضا إلى تحديث مدينة الجزائر، بينه تهيئة الواجهة البحرية لمدينة الجزائر وتهيئة وادي الحراش، كل ذلك لأجل إدماج مدينة الجزائر في المنافسة الأورومتوسطية (top5) قصد الوصول إلى المراتب الخمس لمدن البحر المتوسط، أي استعادة العاصمة لمكانتها، فهي التي حازت على جائزة السعفة الذهبية الدولية بمدينة ليما بدولة البيرو سنة 1956.

 

سباق ضد الزمن

 

ما وقفنا عليه في وادي الحراش اليوم، موازاة مع أشغال تطهير الوادي، أن الأجواء الآخذة في التشكل من الصابلات إلى بن طلحة، تشير إلى أن السباق ضد الساعة قد بدأ، على اعتبار أن كل الجهات القائمة على تهيئة الوادي وتأهيله (التهيئة الهيدروليكية) تقول إن العد التنازلي لتسليم المشروع في جوانبه المهيأة قد بدأ، ويرتقب تسليم 18 كلم من المساحات والفضاءات المهيأة مع بداية العام 2024، بدليل أن أشغال نزع الأوحال والأتربة من مجرى الوادي على مستوى إقليم بلدية الحراش متواصلة ليل نهار ر(24 ساعة).

يقول عضو خلية متابعة أشغال وادي الحراش بمديرية الري (الموارد المائية سابقا)، الذي استقبلنا بمكتبه بالحراش، عبد المالك موفق، "مشروع تهيئة وادي الحراش يتضمن شقين: التهيئة الهيدروليكية والتهيئة المحيطية أو الجمالية، إذ تشمل التهيئة الهيدروليكية نزع الأوحال والأتربة وتوسعة مجرى الوادي وتهيئة ضفتيه وحمايتهما، بل هي تهيئة لاستيعاب مياه الفيضانات المقدرة بـ2500 متر مكعب في الثانية (الفيضان المئوي) وبالتالي حماية الساكنة والمدينة، في وقت يشير خبراء تهيئة الإقليم في الجزائر إلى أن الوادي قد يتحول إلى نهر يساهم في عملية التنمية. أما التهيئة الجمالية، فتشمل المساحات الخضراء وفضاءات اللعب وأروقة الدراجات والمشي والجسور.. الخ على طول 18 كلم.."، قبل أن يضيف "النسبة العامة لتقدم أشغال التهيئة بلغت 96 بالمائة، مع العلم أن الشطر الخاص بإقليم بلدية الحراش عرف تأخرا لأسباب تعود إلى تحويل قنوات نقل البترول والغاز والصرف الصحي، إذ تمت عملية التحويل هذه على عاتق المشروع (التكلفة تحملها صاحب المشروع) وانتهت أشغالها في جويلية من عام 2022، لتنطلق بعدها أشغال التهيئة على مسافة 1.2 كلم".

يذكر أن مشروع وادي الحراش شرع في إنجازه العام 2012، تتولى أشغاله الشركة الوطنية (كوسيدار) وشركة (دايو) من كوريا الجنوبية، رصد له 38 مليار دج لمدة إنجاز أولية عمرها 82 شهرا على مسافة 18 كلم.

 

"الأشغال بلغت 96 بالمائة..".

 

دخلنا محطة تطهير المياه المستعملة لبراقي رفقة عضو خلية متابعة أشغال الوادي، والتقينا بالمكلف بالمراقبة والمتابعة للأشغال، علي باداش، ممثل مكتب دراسات أسماه مرافقنا بهيئة وطنية للرقابة والمتابعة (cth)، طرحنا عليه السؤال: "ما هي التحفظات التي رفعتموها إلى السلطات الوصية أثناء مراقبتكم ومتابعتكم لأشغال التهيئة؟". فأجاب المكلف بالمراقبة والمتابعة: "لم نسجل أي تحفظات لحد الآن..". هذا الرد يطرح تساؤلا عما إذا كانت الإجابة ستكون مغايرة في حال إذا ما أسندت مهمة المراقبة والمتابعة إلى هيئة أو مكتب دراسات وطني مستقل. بل فضل علي باداش الخوض في أسباب تأخر الأشغال التي أرجعها إلى عملية تحويل عدة قنوات تخص الغاز والبترول وشبكات الكهرباء والصرف والمياه، بل وقنوات خاصة ببعض المشاريع المهيكلة التي تعبر وادي الحراش.

 

محطات وأجهزة إنذار..

 

وينظر المتحدث إلى أشغال التهيئة الجارية على أنها شارفت نهايتها، قائلا: "لم يبق إلا 30 بالمائة من الأشغال على طول 18 كلم، طالما أنه تم تسليم عدة نقاط في وقت سابق من الوادي متواجدة ببوروبة، بن طلحة، الصابلات، نقطة مصب الوادي، على أن يتم تأهيل بعض الفضاءات مجددا التي لحقت بها أضرار.. على العموم الأشغال بلغت 96 بالمائة..". ولفت إلى أن الوادي تم تجهيزه اليوم بأربعة (4) محطات لمراقبة جودة مياهه "توجد المحطات هذه على مداخل الوادي، واحدة بوادي الكرمة وأخرى بالقرب من الطريق السيار من جهته الجنوبية والثالثة تقع بالقرب من الحراش بعد وادي السمار والرابعة بمصب الوادي (قرب الصابلات)، مواقعها إستراتيجية لأنها متواجدة مباشرة على مقربة من مصبات مياه الصرف والنفايات السائلة، كإجراء احتياطي للسهر على نظافة الوادي وحمايته من التلوث..".

 

"سيستعيد جريانه في فصل الصيف.."

 

يقول محدثنا: "سيكون لهذه المحطات مركز تحكم وثلاثة (3) أجهزة إنذار لمعرفة مصدر تلوث الوادي..". وبدا المسؤول ذاته حريصا على استلام المقاطع المتبقية من المشروع في وقتها قائلا: "الشركات المنجزة (كوسيدار ودايو) ملزمة باحترام دفتر الشروط الموقع بينها وبين صاحب المشروع، لذلك نحن ننتظر استلام المواقع المبرمجة للتسليم قبل نهاية 2023...".

ويرتقب استنادا لأقوال عضو خلية متابعة أشغال الوادي، عبد المالك موفق، أن يتم إعادة الحياة لوادي الحراش خلال فصل الصيف، لأول مرة، إذ تقرر تخصيص نظام خاص به، يقضي بضخ المياه المستعملة المطهرة بمحطة براقي (300 ألف متر مكعب في اليوم) بالوادي لإعادة الحياة إليه والحفاظ على نظامه الايكولوجي.

 

مرافق وفضاءات...

 

وفي انتظار إزالة الروائح الكريهة من الوادي الناجمة عن مياهه السوداء بفعل ما يتدفق إليه حاليا من (نفايات سائلة ومختلف المواد الكيماوية)، بعد تطهيره وإزالة التلوث منه، ليتحول إلى وجهة جديدة تستقطب ساكنة مدينة الجزائر وحتى باقي المدن المجاورة، بحكم أن الوادي سيشكل امتدادا للواجهة البحرية لمدينة الجزائر، يعيد لها بريقها وجمالها وتنافسيتها ضمن مدن البحر المتوسط، ترتقب مديرية الري (الموارد المائية سابقا) أن تستوي ضفتا الوادي العام 2024 على سبعة (7) ملاعب لكرة الطائرة وثلاثة (3) لكرة اليد وستة (6) لكرة القدم معشوشبة واثنين (2) لتنس الطاولة، ناهيك عن ثلاثة (3) مسابح على الهواء الطلق بالصابلات وست (6) مساحات للعب الأطفال من الحراش إلى براقي، فضلا عن ثلاثة (3) مسارح على الهواء الطلق بكل من السمار بارك، بوروبة، مصب الوادي بالقرب من الصابلات، إلى جانب 12 جسرا وممرا و36 كلم أروقة للدراجات والمشي. ويقال إن الفضاء الجديد للوادي ستستوي عليه أيضا دار للبيئة الآسيوية ومتحف إفريقي ومسجد.

 

"ايكولو" ستتولى التسيير

 

ويرتقب أن تقوم المؤسسة الجديدة (écoloh) التي استحدثها والي الجزائر، حسب عضو خلية متابعة أشغال وادي الحراش، بتسيير الوادي رفقة كافة المرافق والمساحات والفضاءات التابعة له، بينها تم استرجاع الفضاءات والمرافق التابعة التي كانت تسيرها (opla) من قبل (ديوان تسيير الحظائر والألعاب).

يقول نائب رئيس بلدية الحراش، صدام الأخضري، في سياق ذلك: "في آخر اجتماع بشأن وادي الحراش التقى رؤساء 10 بلديات (وادي الشبل، بئر توتة، سيدي موسى، براقي، جسر قسنطينة، بوروبة، الحراش، حسين داي...) التي يمر بها الوادي، وتم انتخاب رئيس بلدية الحراش لتمثيلهم في مجلس الإدارة (écoloh) الذي يرأسه الوالي".

ويرى رئيس المجلس الشعبي البلدي للحراش، مراد مزيود، أن "فضاء وادي الحراش الجديد سيستغل كمنتجع سياحي ذي منفعة عمومية، ستستوي على ضفتيه أنواع من التجارة السياحية كالأكشاك والمطاعم وملاعب الأطفال وباقي الرياضات الأخرى ومساحات للعائلات، أي ملجأ للترفيه والاستجمام".

ولو أن أطرافا أخرى بالحراش تطرح تصورا آخر يستجيب لمعايير السياحة المتجاوزة للأطر المحلية، أي سياحة على مدى طول السنة بإنجاز فنادق من طراز عالمي ومطاعم ومسابح ورياضات تتساوق والصورة الجديدة للواجهة البحرية للعاصمة.

 

كلمات دلالية: