38serv

+ -

أخذت المشاورات حول الدستور العديد من الألوان والمسميات بين الجد والهزل والمونولوج وغيرها، لكنها تلتقي في نقطة غياب التوافق حولها إلى حد الآن، بعدما حضر البعض دون البعض وقاطع البعض دون البعض. لقد غاب في المشاورات حول التعديل الدستوري منتسبون أو محسوبون على السلطة لأسباب مختلفة، وفي مقدمتهم رؤساء حكومات سابقون، لكن شاركت أحزاب معارضة على غرار الأفافاس، رغم أن معارضي السلطة قرروا عدم الذهاب، وهو ما يجعل عيوبا كثيرة تلاحق أو ترفع باتجاه هذه الاستشارة من هذه الجهة أو تلك. يحدث هذا رغم أن السلطة والمعارضة يدعوان إلى ”التوافق”، لكنه توافق غاب في الشكل، من خلال رفض دعوات المشاركة، وقد يغيب في نهاية المشاورات عند كشف مضمون وثيقة التعديل الدستوري للرأي العام، بعدما كشفت المقترحات هوة بين دستور السلطة وبين ما يريده شركاؤها المعارضون.كسر عنها طوق الرفض في المشاورات حول الدستورالأفافاس ينقذ السلطة! كان الأسبوع الثالث للمشاورات حول التعديلات الدستورية مميزا بالنسبة للسلطة، بعدما استمعت إلى ممثلين عن قيادة أقدم حزب معارض في الجزائر (الأفافاس)، حتى إن كان ما حمله أمينه العام في حقيبته ليس مقترحات تخص الدستور. لكن هذه الزيارة غير المتوقعة للأفافاس نزلت من دون شك بردا وسلاما على السلطة، وخيبة أمل على المعارضة.رغم أن سنونوة وحيدة لا يمكنها الإعلان عن قدوم الربيع، غير أن مشاركة الأفافاس في المشاورات حول التعديلات الدستورية التي يدير جلساتها مدير الديوان بالرئاسة أحمد أويحيى، ستعطي نوعا من الراحة النفسية للسلطة، بعدما اتهمت من قبل خصومها من أحزاب المعارضة الأخرى بأنها ”تحاور نفسها”، على إثر رفض قطاع واسع من قوى المعارضة، وخاصة المنضوين تحت لواء تنسيقية الانتقال الديمقراطي وقطب قوى التغيير، تلبية الدعوة الموجهة إليها من رئاسة الجمهورية. ولا يستبعد أن تكون برمجة الندوة الصحفية الأولى من نوعها من طرف أحمد أويحيى لتقييم الأسابيع الثلاثة من انطلاق المشاورات، بعد اكتفائه بإصدار بيانات أسبوعية مقتضبة جافة قد عجلت بها جرعة الأكسجين التي أعطاها الأفافاس لهذه المشاورات، بحيث تم فيها كسر طوق الرفض المضروب على السلطة من قبل المعارضة، بعدما كان أغلب الحضور فيها من المنتسبين للسلطة وليس من خارجها، حتى إن كان فوزي رباعين المحسوب على المعارضة من السباقين لتلبية الدعوة بمعية شخصيات محسوبة على ”الفيس”. وحتى إن كان حضور الأفافاس في هذه المشاورات لا يحجب عنها حقيقة مقاطعتها من قبل أحزاب لها وزنها في الساحة الوطنية، غير أن هذا التقارب في المسافة بين السلطة وأقدم حزب معارض في الجزائر ترى فيه الرئاسة بأنه إنجاز، بغض النظر عمن أقنع أو اقتنع بالآخر، يعوضها عن غياب الآخرين، خصوصا على الصعيد الخارجي، بعدما وعدت السلطة بأنها ستشرك كل الفعاليات السياسية والحزبية والمجتمع المدني في الإصلاحات الدستورية.ومن شأن السلطة أن تستعمل ورقة الأفافاس كمعول لضرب أصحاب سياسة ”الكرسي الشاغر” من جهة، وهو ما ردده الأمين العام للأرندي عبد القادر بن صالح الذي أبدى استغرابه كما قال لبعض الطروحات التي تصر على مواقف الكرسي الشاغر والترويج لمسلك الرفض باعتماد ثقافة ”اللا”، ومن جهة ثانية لتعديل موازين القوى بينها وبين المقاطعين بالدفاع عن نتائج مشاوراتها التي لم تقص منها أي جهة، مثلما تردد في الخطاب الرسمي، حتى إن كان ذلك يخص فقط الجانب الشكلي في هذه المشاورات، لأن أهم شيء فيها هو الوثيقة النهائية للدستور التي ستعرض على المواطنين، هل ستؤخذ فيها بعين الاعتبار الآراء والمواقف المختلفة لغير المنتسبين للسلطة؟ وهل تحقق الوثيقة ”التوافق” المعلن عنه من طرف السلطة؟ وفوق هذا وذاك، ماذا سيقدم الدستور الجديد من مكاسب جديدة في مجال الديمقراطية والتداول على السلطة والحقوق والحريات واستقلالية فعلية للقضاء، أم أنها مشاورات للإبقاء على الوضع الحالي ومعالجة أزمة الحكم مع أجنحته دون غيرها من قضايا ومطالب المجتمع، وهو الأمر الغائب لحد الآن.رغم قدرة السلطة على تنفيذ أجندة المشاوراتلعنة غياب ”التوافق” تطارد دستور بوتفليقة ­­­قال رئيس منظمة سميت في عهد الحزب الواحد بالجماهيرية في دردشة مع رفاق له، إنه يستغرب دعوته للمشاورات حول الدستور، فهو يعتقد بأنه جزء من النظام ولا داعي لاستشارته في مشروع يعده النظام، ويرى أيضا أنه من الأجدر الاستماع لرأي المعارضين فيما يعرضونه من مقترحات.ويوافق هذا الطرح تماما تصرفات رجال السلطة بشأن ما يقرؤونه في الصحافة. فهم يفضلون الاطلاع على ما يكتب في ”الصحف المناوئة” ليعرفوا رأيها فيهم. أما ”الصحف الصديقة” فقد لا يطلعون عليها أصلا لأنهم يعرفون مسبقا رأيها فيهم. في الاستشارة التي يجريها أحمد أويحيى منذ 3 أسابيع، تدرك الرئاسة صاحبة مشروع الدستور المسمى ”توافقيا” أن هذه الصفة لا يمكن أن تنطبق على الصيغة النهائية التي سيأخذها القانون الأعلى في البلاد، لسبب بسيط هو أن المعارضة لم تشارك في صياغته. بمعنى أن جزءا فاعلا في المشهد السياسي ستغيب بصمته عن الدستور المرتقب الذي يزعم الرئيس بوتفليقة أنه خصص فيه حيزا يمنح للمعارضة كافة الحقوق. مشكلة دستور بوتفليقة الذي يسعى إليه منذ 15 سنة أنه ”ولد سقطا”. فهو ناقص شرعية سياسيا لأنه اقتصر على مشورة أحزاب النظام والجمعيات والشخصيات التي تدور في فلكه، باستثناء (ربما) جبهة القوى الاشتراكية التي حتى إن شاركت في المشاورات، فلعنة فقدان المصداقية تلاحقها بسبب تقلب مواقف الحزب من الراديكالية إلى المهادنة، بل يرى البعض أن حزب المؤسس آيت احمد ”باع القضية في المزاد العلني”. وهل بإمكان أي أحد تفسير موقف الحزب عندما شد العصا من الوسط في انتخابات الرئاسة الماضية، فلا هو قاطعها ولا هو شارك فيها وإنما غاب عنها فقط!! وبم يمكن تفسير مشاركته في ندوة مقاطعي الانتخابات والمشاورات الدستورية، ثم يهرول مسرعا للقاء أحمد أويحيى!!منطقيا، عندما يرفض الإسلاميون الذين يتحملون مسؤولية الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد مناصفة مع السلطة، ومعهم الإسلاميون الذين شاركوا السلطة في الحكم خلال تلك الأزمة، ويرفض الأرسيدي الذي يملك مسؤولية نسبية في الأزمة بالتشجيع على إلغاء نتائج انتخابات 1991، وتغيب عنها الشخصيات التي ميزت تلك المرحلة الحرجة في تاريخ البلاد مثل مولود حمروش وسيد أحمد غزالي وعلي يحيى عبد النور وغيرهم. سيفقد دستور بوتفليقة حتما صفة ”التوافق”، فتتحول الاستشارة الجارية بخصوصه إلى ”حوار بين أهل البيت”. ما الفائدة من البحث عن التوافق بين أحزاب بعضها بمثابة أجهزة في النظام مثل الأفالان والأرندي، والبعض الآخر صنيعة الرئيس بوتفليقة ومحيطة مثل الحركة الشعبية الجزائرية وتجمع أمل الجزائر؟!ثم إن صفة ”التوافق” المرادفة لحد أدنى من المصداقية ضربها النظام بنفسه، وإلا فأي معنى يعطى لهذا التصرف: بوتفليقة كلف بن صالح في 2011 بإجراء مشاورات مع الطبقة السياسية والجمعيات والشخصيات أفضت إلى تكليف لجنة بصياغة مقترحات تعديل للدستور.وعندما أصيب الرئيس بجلطة في مخه تخلى عن المشروع، وبعد أن جلس على كرسي متحرك كلف أحمد أويحيى باستدعاء نفس الأحزاب والجمعيات والشخصيات لأخذ رأيها في دستوره، ملغيا الاستشارة التي أجراها بن صالح الذي سيدعى هذه المرة لإعطاء رأيه في الدستور لا لجمع الآراء من الآخرين. أليس هذا قمة العبث بالدستور؟حوارالأمين العام لحركة الإصلاح الوطني محمد جهيد يونسي ”السلطة تريد إجراء عملية تجميلية من وراء تعديل الدستور”عدا حضور الأفافاس وبعض رموز الفيس، يبدو أن المشاورات تدور في حلقة مفرغة أو مونولوغ.. ما رأيكم؟ لا أظن أن مشاركة حزب ما من المعارضة في المشاورات التي أطلقتها السلطة سوف يغير شيئا من أمر تلك المشاورات التي بدأت هزيلة المحتوى وضعيفة من حيث الحضور المستجيب لدعوة السلطة.كما لا أظن أن بإمكان أي حزب من المعارضة تمثيل المعارضة أو اختزالها فيه، فضلا عن إمكانية تقديمه أي تنازلات للسلطة باسم المعارضة. كما لا أظن أن ذلك سوف يفتت عزيمة وتلاحم المعارضة على الأقل في الشكل الذي ظهرت به في ندوة زرالدة.ولا بد للسلطة والمعارضة من توافق أولا على تحديد الإشكالية التي تعاني منها الجزائر قبل الذهاب لاقتراح الحلول الكفيلة بحل تلك الإشكالية التي تتمحور في نظرنا حول موضوع الشرعية التي تعاني منها المؤسسات السيادية للدولة.بدأت تظهر ملامح تفكك في التكتلات التي برزت قبل الانتخابات السابقة، هذا يؤدي حتما إلى تعزيز موقف السلطة؟ بالعكس، الذي نشهده هذه الأيام هو ظهور تكتلات أحزاب سياسية تقاربت رؤاها ومقارباتها لحل الأزمة السياسية التي تعرفها الجزائر، وهذا مظهر من مظاهر الصحة في الممارسة السياسية ينبئ بتنامي مستوى الوعي لدى هذه الأحزاب التي تكون قد تخلت عن كثير من أنانياتها واقتنعت أن خلاص الجزائر في تجميع قواها ووحدة كلمتها، لكي يمكنها تعديل ميزان القوة لصالحها في مقابل استقواء السلطة بالريع الذي توفره المحروقات.قطب التغيير لم يظهر على الساحة. ما هي الأسباب؟ قطب قوى التغيير هو تكتل سياسي يضم أحزابا وشخصيات وإطارات سياسية علمية ودعوية، يعتمد في مشروعه ورؤيته التغييرية على مقاربة ”إعادة بناء الشرعية لمؤسسات الحكم من بوابة السيادة والإرادة الشعبية”. وقطب قوى التغيير منشغل اليوم ببناء وتوطيد أركانه، باعتباره اختار أن يكون إطارا مفتوحا على الفعاليات كلها وغير مغلق على مؤسسيه. فهو إذاً في تنامٍ مستمر، فضلا عن كونه يعتمد على رصيد شعبي وانتخابي واسع لا يمكن إغفاله.تعديل الدستور والاستفتاء عليه يوصف بأنه دور ثانٍ للرئاسيات. ما تعليقكم؟ المسعى الجديد الذي تبنته السلطة ببعثها للمشاورات حول تعديل الدستور يندرج في الحقيقة ضمن سياسة قديمة جديدة دأبت السلطة على انتهاجها، ألا وهي سياسة الهروب إلى الأمام ومحاولة التعمية على إخفاقاتها وآخرها الرئاسيات. والسلطة تريد إجراء عملية تجميلية لواجهتها من وراء تعديل مزعوم للدستور ادعت أنه توافقي، ولكنها في الحقيقة تريد من الطبقة السياسية ”موافقة” لأطروحاتها لا أكثر ولا أقل.الجزائر: حاوره ف. جمالالمختص في القانون الدستوري قيس شريف لـ”الخبر” ”الجزائر ليست بحاجة إلى جمعية تأسيسية”باعتباركم متخصصا في القانون الدستوري، ما هي الطريقة الأنسب لصياغة الدستور باعتقادكم؟ بعد الثورة الفرنسية، تغيرت الطرق القديمة في إعداد الدستور إلى طرق يصطلح عليها بأنها ديمقراطية وهي نوعان: الأولى الجمعية التأسيسية، وهي هيئة ينتخبها الشعب لوضع الدستور والمصادقة عليه. ولهذه الطريقة إيجابيات لأن الشعب هو من انتخبها، لكن لها سلبيات أيضا لأن الدستور قد يفرضه في هذه الحالة التيار السياسي الغالب في المجتمع. ومن سلبياتها أيضا أن الشعب لا يتدخل في الحكم على عملها لأن الدستور الذي تنتجه يصبح ملزما دون استفتاء. وفي كثير من الحالات، تكون هذه الجمعية التأسيسية عرضة لآراء متناقضة، لأن من الصعب معها التوصل إلى نتيجة كما حدث في مصر مثلا. الطريقة الثانية: الاستفتاء الدستوري، وهي طريقة أكمل لأنها تجمع بين الاستفتاء والجمعية التأسيسية، فالشعب من حقه التدخل في انتخاب من يمثله وله الحق أيضا في الحكم على الدستور المنتج. استعمل هذا النموذج في دستور 63 في الجزائر.في وضعنا الحالي، الجزائر لديها دستور، وفيه الكثير من النقاط الإيجابية لأنه جمع حصيلة الدساتير السابقة في 63 و76 و89 و96، وبالتالي ليس لدينا حاجة لانتخاب جمعية تأسيسية. قد يطرح السؤال عن تونس التي انتخبت جمعية تأسيسية، والجواب أن تونس مرت بثورة ومن نتائج الثورات انهيار النظام القانوني السابق وإقامة نظام جديد.استقبلكم أحمد أويحيى باعتباركم كفاءة وطنية. هل لمستم أن السلطة تريد تعديلا دستوريا لعلاج ما تبقى من فترة الرئيس بوتفليقة أم دستورا دائما للبلاد؟ لا بد من الوعي بالظروف والسياق الذي يأتي فيه هذا التعديل الدستوري على الصعيد الداخلي والخارجي. أنا لمست خلال لقائي مع أويحيى أن السلطة جادة في إعداد دستور لتجاوز هذه الأزمات. لكن وضع دستور دائم غير ممكن، لأن الدساتير تتغير باستمرار، والدستور الأمريكي تم تعديله 27 مرة والفرنسي 17 مرة حتى 1958. ما يهمني هو وضع دستور ينظم السلطات ويكفل حقوق المواطنين وينظم واجباتهم ويتجه بالبلاد إلى اللامركزية. وعندما تكون ضرورة داخلية أو خارجية لا بأس بالتعديل.هل يؤثر غياب المعارضة عن المشاورات على نوعية الدستور القادم باعتقادكم؟ كان من الجيد لو شارك الجميع في وضع اقتراحات الدستور، لكن ما أود قوله أن الاقتراحات التي سمعناها لحد الآن كانت جوهرية، وتشير إلى أن التعديل الدستوري سيكون عميقا، وبالتالي سيعرض على الاستفتاء أي الشعب الذي سيقبله أو يرفضه. بخصوص المعارضة، فمن الأهمية بمكان أن لا يشوب الدستور القادم أي نوع من الإقصاء، وأن يضمن نشاط المعارضة داخل المؤسسات الدستورية، وأن يعطى لها الحق في إسقاط الحكومة في أي وقت تراه وليس فقط عند عرض السياسة العامة، ويكون لها أيضا الحق في اقتراح القوانين وإخطار المجلس الدستوري بأقل عدد ممكن من النواب.الجزائر: حاوره محمد سيدمو

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: