38serv

+ -

بعد رسائل الشكر والامتنان والاستقبال الرسمي لرئيس الجمهورية بمعية الوزير الأول للعائدين من مونديال البرازيل بتذكرة الدور الثاني، تكون السلطة  مع سبق الإصرار والترصد أرادت الاستحواذ على الوثبة الشعبية والوطنية التي خلقتها نتائج “الخضر “ لرفع شعبيتها، والسعى لاعتبارها من أكبر إنجازاتها التاريخية. وأمام تراجع بريقها السياسي بعدما أعلنت المعارضة في الداخل الطلاق معها، تحاول السلطة استعمال البريق الكروي المنجز من قبل لاعبي “الخضر” الناشطين في البطولات الأوربية والعربية  ورسملته ضمن انتصاراتها وفضائلها، حتى وإن كان النصر الذي احتفل به الجزائريون البسطاء بكل جوارحهم وقلوبهم في شوارع المدن الجزائرية، ليس بمقدوره أن يحجب غابة المشاكل والتردي الذي تعيشه الرياضة الجزائرية في داخل الوطن من حيث الأداء وضعف المنشآت وغياب ملاعب تليق ببلد تأهّل لرابع مرة للمونديال.رفع المنحة السياحية خارج القانون وتكفل بالمناصرين وشاشات عملاقة في الساحاتجماعة الرئيس توظّف الحدث الكروي لفائدة بوتفليقة تعدَ النتائج الإيجابية التي حققها المنتخب الوطني في مونديال البرازيل، هدية من السماء إلى السلطة حتى تستثمر فيها وتضعها ضمن “إنجازات” بوتفليقة في الـ15 سنة التي قضاها في الحكم. عبد المالك سلال نفسه، مهَد لهذا الاستثمار السياسوي عندما قال في الحملة الانتخابية للرئاسيات الماضية، أن بوتفليقة “بركة من السماء” بحجة أن الجزائر تأهلت للمونديال مرتين في عهده.لو كانت أحداث تونس وليبيا ومصر في 2011 نقمة على المسؤولين في الجزائر، دفعتهم  دفعا إلى إطلاق “إصلاحات سياسية”، على ما فيها من زيف ومواربة، وإلى صرف أموال طائلة في إطار مشاريع وكالة تشغيل الشباب لشراء سلم اجتماعي وتأجيل الإعصار المطالب بالتغيير، فإن تأهل المنتخب إلى المونديال والأهداف السبعة التي سجَلها في مبارياته الأربع، نعمة كبيرة بالنسبة لعصبة الرئيس ستستغلها لفترة غير قصيرة لوضع الانتصار ضمن “إنجازات بداية العهدة الرابعة”.وللوصول إلى هذا الاستثمار، المليء بالشعبوية وباللعب على العواطف، خرقت السلطة القانون برفع المنحة السياحية أضعافا بمناسبة المونديال. وتكفلت بمشجعي المنتخب بالبرازيل تكفلا شاملا، وما كان صعبا تحقيقه لمن يريد التنقل إلى البرازيل أضحى سهلا للغاية، حتى أن الحكومة فكَرت في جسر جوي يفوق طوله 6 آلاف كيلومتر، لو تأهل الفريق إلى الدور ربع النهائي. نفس طريقة الاستثمار تعاملت به السلطة في قصة أم درمان في 2009 لما أصبح السفر إلى الخرطوم أمرا بسيطا، ودون جواز سفر بل دون حاجة إلى  بطاقة تعريف. ألم يتم إخراج مساجين من مؤسسة الحراش العقابية لإيفادهم إلى السودان بغرض مناصرة رفاق عنتر يحي، في الظاهر وخدمة أغراض سياسية في الحقيقة؟أما الشيء الذي عرَى السلطة وأظهر زيفها وكذبها، هي إتاحة تنظيم تجمعات في الفضاءات العامة بوضع شاشات كبيرة لمتابعة مباريات الفريق. فقد كان ولا يزال محرَما على الأحزاب والجمعيات والنشطاء، تنظيم تجمعات بالعاصمة بحجة الحفاظ على الأمن العام. وفي العادة تحشد السلطات قوات مكافحة الشغب لقمع المظاهرات السلمية سواء كانت الجهة التي دعت إليها سياسية، أم اجتماعية ومهنية المبتغى منها هو الاحتجاج على أوضاع معينة. وحدث أن اعتقل الكثير ممن خرجوا إلى الشارع للتعبير عن رأي أو موقف بطريقة سلمية، كما جرى في مظاهرات “بركات” قبيل الانتخابات الرئاسية.مشجعو منتخب الجزائر لم يكونوا بحاجة إلى رخصة من ولاية الجزائر، للتجمهر  في البريد المركزي، لأن تواجدهم بأعداد غفيرة في الساحات العامة يخدم مسعى حدَدته جماعة الرئيس، يتعلَق بتوظيف الحدث الكروي لفائدة بوتفليقة، والتغطية في نفس الوقت على حقيقة يراد طمسها، وهي عجزه عن أداء مهامه كرئيس للجمهورية بسبب المرض. في المقابل، تذيق ولاية الجزائر النشطاء النقابيين والسياسيين العذاب من أجل استصدار رخصة لتنظيم ندوة. ودار النقابات التي كانوا يجتمعون فيها بالضاحية الجنوبية للعاصمة لتداول أفكار، مجرَد أفكار، فيما بينهم أغلقتها قوات الأمن بقرار أرعن من مسؤول في الدولة.الحكام يريدون تسجيل الأهداف السياسية أيضابوتفليقة بعث 5 برقيات لـ”الخضر” واستقبال بالرئاسة في ظرف 20 يوما إذا كانت شعبية الرئيس فرانسوا هولاند المتدنية منذ صعوده سدة الحكم، قد ارتفعت بنسبة 5 بالمائة على خلفية  أداء “الديكة “ في مونديال البرازيل، فكيف لا تقوم السلطة في الجزائر بالاستثمار طولا وعرضا في هذا الحدث الكروي والاستحواذ على الفضل، لاسترداد الزخم الشعبي الذي كان غائبا في الرئاسيات الأخيرة.بعث الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خمس “برقيات” الى الفريق الوطني، عشية بدء المنافسة الكروية في البرازيل، وعند تقريبا كل مقابلة لعبها رفقاء فيغولي في تصفيات المجموعة الثامنة وبعد التأهل الى الدور الثاني، كما خصصت الرئاسة استقبالا رسميا كبيرا،  وهو أمر لم يسبق حدوثه من قبل بغض النظر عن النتائج، مما يوحي بأن السلطة راهنت على هذا المونديال أكثر من غيره لتحويله إلى إنجاز سلطوي، خصوصا بعدما وضع هدف المرور للدور الثاني أحد التحديات التي أطلقها هذا الجيل الجديد من لاعبي “الخضر” ، قبل أن يكون هدفا لدى الناخب الوطني أو حتى الفيدرالية.ورمت السلطة بكل ثقلها في هذا المونديال، ليس فقط لأنها رأت أن عديد رؤساء الدول يفعلونها، كما هو حال الرئيس باراك أوباما الذي شجع في مكالمة هاتفية مباشرة نقلتها التلفزيونات، أداء لاعبي منتخب بلاده بعد خروجهم من المونديال على أيدي بلجيكا، أو الرئيس هولاند الذي فضّل إرسال “البرقيات” لدعم “الديكة”، ولكنها بحاجة إلى الاستثمار في هذه “الهبة” الشعبية المتولدة عن التأهل التاريخي للفريق الوطني للدور الثاني في المونديال، خصوصا في ظل الصعوبات التي تواجهها السلطة مع شركائها السياسيين والاجتماعيين في الداخل جراء المقاطعة التي شهدتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة وتشكيك العديد من المرشحين في مصداقيتها، أو في استمرار حالة الجفاء بين الرئيس في طبعته الرابعة وبين المعارضة التي طالبت بـ”الانتقال الديمقراطي” وقررت رفض الدعوات التي تلقتها من الرئاسة حول المشاورات بشأن التعديلات الدستورية.وضمن هذا الوضع، جاءت مباريات “الخضر “ في مونديال البرازيل، بمثابة طوق النجاة بالنسبة للسلطة، لأنه موعد رياضي من شأنه جلب أنظار الجماهير بقوة إليه، وبالتالي بإمكان الحكومة الحصول على “هدنة اجتماعية” من السماء غير متفاوض عليها، مرتبطة خاصة بمدى ما يحققه الفريق الوطني من إنجاز ونشوة انتصارات، حيث استطاعت السلطات العمومية تمرير حملات الترحيل بالعاصمة دون حوادث تذكر، بعدما ظلت العملية مؤجلة لعدة أشهر خوفا من الاحتجاجات، كما فتحت نشوة الإنتصار للخضر الطريق أمام الوزير الأول عبد المالك سلال للدخول الى باتنة، بعد حالة غضب واحتقان عمّرت طويلا قبل الرئاسيات، كما تراجعت وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية والمهنية في ربوع البلاد عقب توجه كل الأنظار إلى بلاد السامبا.كما أن تزامن مباريات “الخضر” في الدور الأول والثاني مع موعد شهر رمضان، قد جنّب السلطة تلك الضغوط التي كان يمارسها المواطنون بخصوص غلاء أسعار المواد الغذائية وصعوبة توفيرها والطوابير المرافقة لها، بحيث مرّ الأسبوع الأول من شهر رمضان، وهو الأهم في معادلة تنظيم السوق والأسعار من قبل وزارة التجارة، بردا وسلاما ليس فقط في غياب تلك الانتقادات الموجهة للحكومة، بل أيضا في غياب تلك الاحتجاجات المرافقة لتوزيع قفة رمضان بالولايات والبلديات، مثلما كانت تجري في المواسم غير المونديالية.كل شيء يوحي أن السلطة عملت على جعل  مونديال الجزائريين في البرازيل محطة لاسترجاع شعبيتها الضائعة، بعد كل ما قيل بشأن العهدة الرابعة وقبلها، بحيث سهّلت سفر المناصرين للبرازيل وزادت من حجم تكفلها بهم ونشّطت كل الساحات العمومية بالشاشات العملاقة واشترت المباريات، وذلك بعدما رأت أن الكرة أو “الجلد المنفوخ” تحوّل إلى ظاهرة سياسية أيضا يرفع ويحط من قيمة وشعبية السياسيين والحكام وحتى المعارضين والكل يسعى لاستغلاله لتسجيل الأهداف.  حــــــوارعضو المكتب التنفيذي لشبكة الديمقراطيين في العالم العربي، بوجمعة غشير، لـ”الخبر”الرئيس يراهن على الرياضة لرفع شعبيتهيعتبر بوجمعة غشير، عضو المكتب التنفيذي لشبكة الديمقراطيين في العالم العربي، أن نتائج المنتخب الوطني لكرة القدم بالبرازيل خضعت لتوظيف سياسي من قبل السلطة، موضحا أن “الكرة” تحولت إلى فاعل مهم في تنمية شعبية الرئيس.هناك من يعتقد أن ثمة توظيفا سياسيا كون  الفريق الوطني لكرة القدم حقق معجزة وأكبر نجاح تاريخي؟ ألا تعتبرون أن السلطة تستغل الكرة لرفع مستوى شعبيتها؟ طبعا هناك توظيف سياسي يندرج في منطق استغلال المشاعر الشعبية واسترجاعها لصالح النظام، وهذا يدخل في إطار استراتيجية الرئيس في الاتصال الجماهيري وليست المرة الأولى التي يتعامل بهذه الطريقة، لقد سبق له أن حقق مكاسب كبيرة بمناسبة لقاء أم درمان، وطبعا الهدف هو البحث على شرعية شعبية، خاصة وأن الرئيس يسعى للتخلص من ضغط الجهات النافذة في الجيش كما يريد التخلص من ضغط الأحزاب.الرئيس بوتفليقة يريد أن يبني مجده كمنقذ للجزائر بعيدا عن الكل، فوسائل الإعلام الرسمية ووزارة الإعلام، عجزت على إبراز هذا الدور، بل بالعكس التلفزيون الرسمي كرّه  الجزائريين فيه وأذكر أنه اتصل في سنواته الأولى بأحد الأصدقاء سبق أن تقلّد مسؤولية الإعلام مع الرئيس عبد الناصر من أجل التشاور.أعتقد أنه بعد أن يئس من وسائل الإعلام الرسمية ووزارة الإعلام، لجأ إلى استراتيجية جديدة، تتمثل في كسب ود بعض الجهات التي لها امتدادات في عمق المجتمع. وفي نفس الوقت لا تمارس عليه أي ضغط، بل بالعكس هو الذي يمكنه أن يهدّد بها، لذلك رأينا الشركات الوطنية الكبرى مساهمين أساسيين في النوادي الرياضية الأكثر تأثيرا في الشارع، وما أفسده التلفزيون الرسمي أصلحته الملاعب، إضافة إلى المشاريع الموجهة للشباب والامتيازات لفائدة الفلاحين ومشاريع الإسكان بصيغها المختلفة وعمليات الترحيل والتوزيع وما يصاحبها من تغطية إعلامية .هل هذا ما يبرر إرسال الرئيس  لـ 5 رسائل للمنتخب الوطني في ظرف20 يوما وهو بالبرازيل؟ما قراءتك لهذا؟ البرقيات الخمس التي وجّهها بوتفليقة للفريق الوطني في ظرف 20 يوما جزء من استراتيجية الاتصال التي تبناها في السنوات الأخيرة، بحيث أن هذه البرقيات جعلت منه مناصرا إلى جانب ملايين المناصرين، وكل مناصر شعر وأنه قريب من الرئيس لا باعتباره رئيسا ولكن كمناصر يتفاعل مع بقية المناصرين .تم أيضا رفع المنحة السياحية خارج القانون وشاشات عملاقة بالساحات العمومية؟ المونديال صار رأس مال السلطة؟ إلى أي مدى يمكن للسلطة أن توظف المونديال سياسيا ضد خصومها؟ مسألة رفع المنحة السياحية والشاشات العملاقة، جزء من استراتيجية الرئيس في الاتصال، دعمت موقفه كمناصر شرس للفريق الوطني وهي ليست موجهة لخصومه السياسيين، لكن موجهة لملايين المناصرين والذين تفاعلوا إيجابيا معها وهم في مجملهم يشكلون كتلة انتخابية تعادل عشرات المرات منخرطي الأحزاب السياسية، وهدفه كسب الزخم الشعبي لأنه الرأسمال الحقيقي.القيادي في حركة ”النهضة”، محمد حديبي، لـ”الخبر”كرة القدم  لمحو آثار فضيحة الرئاسيات  هناك من يعتقد أن ثمة توظيفا سياسيا لكون الفريق الوطني لكرة القدم حقق معجزة وأكبر نجاح تاريخي؟ ألا تعتبرون أن السلطة تستغل الكرة لرفع مستوى شعبيتها؟ أعتقد أن السلطة راحت توظف كل الوسائل لاسترجاع عذريتها السياسية، وتحوّلت من لعب دور تسيير الشأن العام في دولة إلى الإشراف المباشر على الفريق الوطني الذي شارك في المونديال، في خصوصيات تقنية رياضية وهو من دور هيئات متخصصة وليس لدور سلطة سياسية. ما يؤكد أن الجزائر فقدت النظام الهيكلي لمعنى مؤسسات الدولة. أعتقد أن السلطة وجدت نفسها في حرج كبير نتيجة مهزلة الرئاسيات الفارطة.هل هذا ما يبرر إرسال الرئيس لخمس رسائل للمنتخب الوطني في ظرف 20 يوما وهو بالبرازيل؟ ما قراءتك لهذا؟ السلطة تعيش حالة فراغ في تمثيل رمزية الدولة بسبب خيار الرئاسيات الأخيرة، خصوصا مع الوضع الصحي للرئيس، ولذلك تلجأ السلطة لتعويض هذا الفراغ، فكان يكفي إرسال رسالة أو رسالتين من باب التشجيع للفريق الوطني. وهذه الرسائل الكثيرة تثبت أن السلطة برمجت الكرة من أجل التوظيف السياسي في إطار سعيها لاكتساب شرعية افتقدت بسبب فشل العملية الديمقراطية في الجزائر وتوالي ضربات الفساد على مؤسسات الدولة.. كل ذلك كان سببا في ركوب موجة الرياضة من أجل استغلالها للتصريف السياسي بسبب حالة الرفض السياسية وإلهاء الشعب الجزائري عن إخفاقات النظام الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفشل في تحقيق وعوده، خصوصا في تحقيق مفهوم المواطنة وسلطة الشعب ودولة القانون.المونديال صار رأس مال السلطة. إلى أي مدى يمكن للسلطة أن توظف المونديال سياسيا ضد خصومها؟ غياب الرؤية الإستراتيجية لتحقيق السلم المدني وعدم قدرة النخبة الحاكمة في السلطة على تحمّل المسؤولية السياسية جعل السلطة تلجأ إلى صرف الأموال وشراء الذمم باسم الوطنية والشعارات الرنانة.. ممارسات خارج مواثيق الدولة وقوانين الجمهورية والسلطة تعيش حالة حرب نفسية مع الزمن اتجاه إخفاقاتها، وبدل أن تعترف بأخطائها وتضع القاطرة على السكة الصحيحة تتمادى في أخطائها وتلهي الشعب بالرياضة وتضخ الأموال لكي تجعله يسبّح بحمدها الذي هرب إلى البرازيل من جحيم الواقع المر الذي يعيشه. لقد عملت السلطة على تجفيف منابع صناعة الأمل للشباب فأغلقت مجالات الفن والثقافة وأغلقت مجالات العمل الجمعوي الحر بعيدا عن السلطة. كما أغلقت مجالات التغيير سياسيا والمشاركة في بناء مؤسسات دولته وأغلقت أمامه المبادرات الحرة في التنمية والاستثمار من خلال لوبياتها المسيطرة على كل شيء، وحتى الرياضة، تستغل مناسبات رسمية دولية للتوظيف السياسي من أجل اقتطاع صكوك العذرية السياسية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: