38serv

+ -

نصبت فرنسا حدود أمنها القومي في مالي، وقررت نشر 3 آلاف جندي من أجل حماية أمنها من تهديدات الإرهابيين، رغم أن آلاف الكيلومترات تفصل بين باريس وباماكو، فكيف ستتصرف الجزائر وهي تملك حدودا لاصقة بآلاف الكيلومترات مع مالي وليبيا وتشهد يوميا تهريب للأسلحة والمخدرات وتسلل جماعات إرهابية لا تخلو من القتل والخطف مروراً بقطع الطرق إلى فوضى السلاح والمسلحين والميليشيات المسلحة التي انتشرت ونمت كالفطر؟ وهو ما يشكل تحدياً للحكومة الجزائرية يقتضي التعامل معه بحزموجدية وبعيدا عن منطق ”كل عطلة فيها خير”. إذا كانت الدبلوماسية الجزائرية بصدد فك شفرة الأزمة السياسية في مالي من خلال استضافتها للحوار الشامل بين حكومة باماكو والحركات السياسية العسكرية قصد عزل السياسي من الإرهابي، فإن كل المؤشرات تدفع الجزائر لمنع تحول ليبيا الجارة الشرقية إلى ”ثقب أسود”.انتشار رهيب للسلاح وبؤر جديدة للإرهاب الدولياستنفار دول الجوار لمنع سقوط ليبيا في ”الثقب الأسود” بعدما كشف تقرير للجنة الداخلية في المؤتمر الوطني الليبي العام أن سنة 2013 شهدت سقوط 643 قتيل معظمها اغتيالات وقتل خارج إطار القانون، وأشارت تحاليل مختصين إلى أن الوضع في ليبيا يشجع احتضان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ”داعش”، وقررت الجزائر استنفار دول جوار ليبيا لمنع تحول تعريف هذه الأخيرة في أدبيات الأمن العالمي بـ ”الثقب الأسود.أصبحت ليبيا تعرف في أدبيات الأمن العالمي بـ ”الثقب الأسود” جراء الفوضى وانتشار السلاح والتهريب والاقتتال بين الجماعات الإرهابية والمسلحة المتناحرة. ولذلك يرى مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط بجنيف حسني عبيدي أن مشكلة الجزائر الأمنية الكبيرة هي في حدودها مع ليبيا، لأن هذا البلد، كما أشار وبالنظر إلى مساحته الكبيرة وانتشار الأسلحة فيه، مرشح لأن يكون ”أفغانستان شمال إفريقيا”. هذه الوضعية استنفرت الجزائر وأخرجتها ولو مؤقتا من مقاربة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول إلى رفض السكوت عما يجري في ليبيا التي تمثل العمق الأمني للجزائر والعكس أيضا. ومن هذا المنطلق اغتنمت الجزائر فرصة احتضان دورة قمة دول عدم الانحياز لتجنيد المجموعة الدولية وبخاصة دول الجوار وإقناعها بضرورة ”مساعدة” الليبيين لتحقيق مرحلة ”الانتقال الديمقراطي” من دون إراقة الدماء. وحتى إن كان اجتماع تونس لدول جوار ليبيا أول محاولة لمنع تفكك هذا البلد بحيث تكفلت مصر بالملف السياسي، وأوكل للجزائر الملف الأمني والرقابة على الحدود، وهي خطوة تؤشر بأن الجزائر تريد أن يحظى الملف الليبي بكل الاهتمام والأولوية، ليس فقط لخxطورة الوضع بها ولكن للحيلولة دون تصنيفه في خانة ”الثقب الأسود”، خصوصا بعدما تحولت بعض جهاته الجنوبية إلى حواضن للحركات الإرهابية التي فرت من شمال مالي، وهو ما تجلت بعض آثاره في الاعتداء على المنشأة الغازية لتيقنتورين في جانفي 2013، وهي الحادثة التي تعمل السلطات الجزائرية كل ما في مجهودها لعدم تكرارها، وهو ما نجحت فيه في عملية تمنراست الأخيرة في شهر ماي الفارط . وما يبعث القلق لدى دول جوار ليبيا هو ما أعلنته حكومة طرابلس مؤخرا بأنها تدرس إمكانية طلب قوات دولية لمساعدتها على بسط الأمن والنظام لاسيما في العاصمة جراء الحرب الدائرة بين المسلحين والميلشيات والإرهابيين، وهو ما ردت باريس عليه حينها بأنها ”سجلت هذا النداء وستدرسه”، والكل يعلم أن الوجود الأجنبي في المنطقة من شأنه أن يعطي ”ذريعة للتنظيمات المسلحة لإيجاد المسوغات اللازمة للإقناع بضرورة تطهير المنطقة من الكفار وفق تصورهم”، وهو ما من شأنه أن يستقطب الجهاديين والمتطرفين باتجاه ليبيا ويحولها إلى أرض للجهاد! ولعل هذه الوضعية وراء خرجة داليتا محمد داليتا المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي للملف الليبي الذي طلب من البلدان المجاورة لليبيا المزيد من الجهود من أجل تفادي انتقال عدوى الوضع الحالي السائد في ليبيا إلى دول المنطقة، وهو ما جعل الجزائر تسعى لمعالجة نار جبهتين ملتهبتين، شمال مالي وليبيا، لما لهما من تداعيات على الأمن والاستقرار على الساحل الإفريقي ككل.بعد أن سحبت أوراق الملف منها الواحدة بعد الأخرىالجزائر تجمع فرقاء مالي لعزل الجماعات الإرهابية فرضت السلطات الجزائرية على الحركات المسلحة المالية المسيطرة على شمال مالي، التعهد بقطع أية صلة مفترضة أو حقيقية مع الجماعات الإرهابية النشطة بالمنطقة. وهي بذلك تسعى لتحقيق هدفين: عزل الجهاديين عن العملية السياسية وفي نفس الوقت درء خطرهم عن الجزائر.تبذل الجزائر منذ مطلع التسعينيات جهدا دبلوماسيا كبيرا لتفكيك ”القنبلة الترڤية” في شمال مالي، لأنها أدركت أنها لو انفجرت ستكون أول من يصاب بشظاياها، وقد ثبت هذا الخطر منذ 3 سنوات باختلاط النزعة الانفصالية لجزء من سكان التوارق، مع رغبة إسلاميين مسلحين بعضهم أجانب عن مالي في إقامة ”مرجعية جهادية” بالمنطقة العابرة للصحراء. ويعرف الجزائريون الذين يشتغلون على ملف مالي وتشعباته نفسية التوارق أكثر من غيرهم بالمنطقة وربما أفضل من المسؤولين في باماكو، لهذا حرصوا على تقريبهم إليهم منذ انطلاق مسار السلام في 1992 إلى اليوم، وحرصوا على أن يكون لهم موطئ قدم في أي تقارب يجري بينهم وبين باماكو لحل الأزمة التي لم تصمد الحلول أمامها طويلا بسبب انعدام الثقة بين الطرفين. وقد كان الملف المالي بين أيدي الجزائريين يسيرونه بأريحية إلى حد ما، إلى غاية انتقال نشاط الإرهاب من الشمال والمناطق الجبلية والغابية بالجزائر إلى جنوب البلاد وتفرعه إلى البلدان المجاورة. وبالتحديد منذ أن انتشر عناصر الجماعة السلفية للدعوة والقتال بقيادة مختار بلمختار بين الحدود مع مالي والنيجر بحثا عن السلاح وعن أشخاص مستعدين لـ ”الجهاد الأكبر”. وقد أقام هؤلاء صلات وثيقة مع توارق مالي، فمنهم من تزوج من قبائلهم العربية مثل بلمختار، وتقوت علاقتهم بالتوارق حتى صاروا جزءا من النسيج الاجتماعي في الشمال. عند هذا الحد بدأ الجزائريون يفقدون السيطرة على التوارق وجماعاتهم التي اضطرت إلى التخلي عن فكرة الانفصال مؤقتا تحت ضغط الأجهزة الأمنية الجزائرية. وبمجرد أن أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد عن إقامة كيان مستقل في الشمال، شعرت الجماعات الجهادية بأن ساعة تحقيق المشروع الجهادي بالمنطقة دقت، وأن الفرصة سانحة لاستقطاب الجهاديين خاصة من موريتانيا، والانطلاق في الحرب ضد ”العدو الصليبي وحلفائه من أنظمة المنطقة”. بعض الحركات المسلحة الترقية وجدت في إقامة تحالف مع الإرهابيين مصدر قوة ضد باماكو، فأدارت ظهرها للجزائريين الذين صبروا عليهم طويلا دون أن يحققوا لهم الظروف المعيشية الحسنة التي يريدونها قياسا إلى بقية سكان مناطق مالي.وتفاقم ضعف تحكم الجزائر في الملف بدخول الفرنسيين على الخط وبطلب من السلطة الانتقالية في باماكو سابقا، فجاءت عملية ”سرفال” لتنزع المبادرة من الجزائريين على الصعيد الأمني والعسكري، ثم جاء الاتفاق الأمني بين باريس وباماكو الذي لم يخدم الجزائر. وثبت فشل التنسيق الذي قادته الجزائر مع 4 دول بالمنطقة، أو ما سمي ”قيادة الأركان المشتركة”.وواجهت الجزائر إلى وقت قريب رهانا آخر تمثل في محاولة المغرب أداء دور في الأزمة المالية الداخلية، ولم يكن ممكنا أن تبقى متفرجة وهي ترى آخر أوراق الملف المالي تضيع من بين يديها، فسارعت إلى تشغيل آلتها الدبلوماسية بأقصى طاقاتها لاستعادة المبادرة على الصعيد السياسي، تكللت بجمع الفرقاء مجددا، غير أنها متأكدة أن السلام بينهم يقف على رمال متحركة. حوارالعقيد المتقاعد بن عمر بن جانة لـ ”الخبر” ”غياب الدولة في ليبيا سيصعب من مهمة الجزائر الأمنية”ما هي العوامل التي دفعت بدول الجوار الليبي إلى اختيار الجزائر لرئاسة اللجنة الأمنية المنبثقة عن اجتماع تونس الأخير؟ في اعتقادي أن الاتكال على الجزائر له أسبابه الوجيهة. الوضع في الجزائر يتسم بالاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي. إضافة إلى أن الجزائر تتقاسم مع ليبيا حدودا طويلة جدا تفوق 900 كم، وبالتالي يقع العبء الأمني الأكبر عليها، خاصة أن المجموعات الجهادية التي كانت متمركزة في شمال مالي انتقلت إلى الجنوب الغربي لليبيا. إلى جانب ذلك، تعد التجربة الجزائرية في محاربة الجماعات الإرهابية غنية ومعترفا بها على الصعيد الدولي نظرا للسنوات الطويلة التي قضتها في التعامل مع هذا النوع من التحديات الأمنية. وفي ظل الوضع الحالي في المنطقة، تبدو الجزائر الوحيدة القادرة على تحمل مسؤولية من هذا النوع، فتونس ومصر وضعهما الداخلي هش سواء من الناحية الأمنية أو الوضعية الاقتصادية ولا يؤهلهما لذلك، أما النيجر وتشاد فليست لهما القدرة بالنظر إلى إمكانياتهما المحدودة.ماذا تنتظر دول الجوار الليبي من الجزائر بعد اختيارها لهذه المهمة؟ وما هي فرص نجاحها في ذلك؟ مهمة الجزائر في تقديري ستتمثل في مساعدة السلطات الليبية على احتواء الأزمة، من خلال مصاحبتها في إنشاء وتكوين مؤسسات ذات طابع وطني، لأن ليبيا تشهد حاليا غياب مؤسسات أمنية أصبحت معها البلاد خارج دائرة التحكم والسيطرة، وتحولت بفعل ذلك إلى بؤرة توتر وتهديد يمس كامل منطقة المغرب العربي بسبب انتشار الأسلحة وتعدد الجماعات والميلشيات المسلحة، وعدم قدرة السلطة السياسية على التحكم في الوضع.من الطبيعي أن تصعب حالة غياب الدولة في ليبيا من فرص نجاح الجزائر في مهمتها، خاصة في الجوانب المتعلقة بالتنسيق، نظرا لوقوع مناطق واسعة خارج سيطرة قوات نظامية يمكن للجزائر أن تتعامل معها، لكن الوقوف إلى جانب الأشقاء الليبيين يعد ضروريا جدا بالنظر إلى حاجتهم الماسة إلى المساعدة، والجزائر لا يمكنها البقاء مكتوفة الأيدي إزاء ذلك.لم تشهد الجزائر عمليات إرهاب دولي على حدودها الشرقية رغم الوضع المتوتر في ليبيا. هل لذلك أسباب في اعتقادك؟ حاليا الوضع على الحدود الشرقية مع ليبيا متحكم فيه، بفضل يقظة القوات المسلحة الجزائرية المرابطة على الحدود، والتي تعمل على صد كل محاولات التسلل إلى الأراضي الجزائرية، كما أن النسيج الاجتماعي في حدودنا الجنوبية الشرقية يبقى متماسكا، ما يساعد الجيش الوطني الشعبي على أداء مهمته على أحسن وجه. لكن مع ذلك يبقى الحذر واجبا في ظل الوضع الأمني في ليبيا، خاصة أن عملية تيقنتورين مطلع السنة الماضية لا زالت حاضرة في الأذهان، وتتطلب من الجزائر الاستعداد الدائم للتعامل مع أي تهديد قد يعترض أمن مواطنيها أو سلامة منشآتها الحيوية في الجنوب الكبير.الجزائر: حاوره محمد سيدمواللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد لـ ”الخبر” ”نجاح الوساطة الجزائرية في مالي سيحد من الخطر الإرهابي”ما هي فرص نجاح مهمة الوساطة التي تقودها الجزائر بين الفرقاء في مالي؟ أعتقد أن فرص النجاح كبيرة جدا، لأن الوقت أثبت أن الطرح الجزائري هو الطرح السليم، يأخذ بعين الاعتبار كل مطالب الأطراف المتصارعة في هذا البلد. كما أن المقاربة الجزائرية في حل الأزمة المالية تتميز بالنضج الكافي، إذ تنادي الجزائر بهذا الحل منذ 3 عقود تقريبا وهي تعرف جيدا عمق الأزمة المالية وجذورها. ناهيك عن أن الجزائر هي الطرف الوحيد تقريبا الذي ليس له مصلحة خاصة مع أي طرف، ويسعى لإيجاد حل جامع يشمل الكل دون إقصاء.هل حل الأزمة المالية سينجح في الحد من الخطر الإرهابي في دول الساحل خاصة الجزائر؟ دون شك، فإن المصالحة الوطنية في مالي ستكون عامل استقرار في كامل المنطقة، وستنجح في تخفيف الخطر الإرهابي على دول بعينها، خاصة الجزائر التي لديها حدود شاسعة مع هذا البلد. الملاحظ أن الاضطرابات التي شهدتها مالي كان بفعل الفراغ السياسي الذي عانى منه هذا البلد، وبالتالي فإن عودة الاستقرار السياسي سيكون له الأثر المباشر في الحد من النشاط الإرهابي الذي كان يلعب على أوتار الفرقة بين المكونات العرقية لهذا البلد.لكن الخطر الإرهابي العالمي سيبقى موجودا، ما دام مرتبطا في الأساس بمصالح الإمبريالية العالمية التي صنعته وتوجهه حسبما تقتضي مصالحها. ومادامت هذه المنطقة غنية بالموارد النفطية والمعادن، فإن مصالح الاستخبارات الغربية بالتعاون مع الأنظمة العميلة لن تكف عن اعتبارها ساحة لتحركاتها. ولو لاحظنا المناطق التي تعاني من ظاهرة الإرهاب الذي يتبعه تدخل أجنبي لوجدناها في أغلبها مناطق غنية، مثل السودان ومالي والنيجر وغيرها.هل إعلان فرنسا تمديد وجودها في الساحل سيؤثر على المساعي الجزائرية أم سيسندها؟ الملاحظ أن فرنسا وعملاءها في المنطقة حاولوا بكل الوسائل إبعاد الأطراف المتصارعة عن الطرح الجزائري، لكن فشلهم في تحقيق الأهداف المسطرة جعلهم يعودون لتبني حل الوساطة الذي تقوده الجزائر، خاصة بعد أن لا حظوا إجماع دول الاتحاد الإفريقي على مساندة الجزائر في مساعيها، وبعد أن لمسوا أيضا أن شعوب المنطقة تتوق للاستقرار والسلام بعد أن جربت الحروب التي لم تجلب لها سوى المزيد من الفقر والدمار. أعتقد أنه يمكن الحكم على أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، حين يلاحظ هذا التراجع في الموقف الفرنسي الذي كان متحمسا للحرب، باتجاه الحل السياسي الذي نادت به الجزائر منذ بداية الأزمة. فرنسا تخشى كثيرا من أن يمتد إرهاب الساحل إلى أراضيها. عنصران فقط نجحا في توجيه ضربة لها في الداخل، فماذا لو عاد كل الفرنسيين الذي ينشطون في سوريا والساحل إلى فرنسا!الجزائر: حاوره محمد سيدمو

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: