أقلام الخبر

مجازر الثامن ماي آخر مسمار في نعش الاحتلال

شكّلت أحداث الثامن من ماي، منعرجا حاسما في مسيرة الحركة الوطنية الجزائرية ولحظة تحوّل بارزة في مسار مقاومة ومواجهة الاحتلال الفرنسي.

  • 81
  • 2:39 دقيقة

تحيي الجزائر في الثامن من ماي من كل سنة، ذكرى اليوم الوطني للذاكرة، لتخليد ضحايا المجازر التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في 8 ماي 1945 في حق الشعب الجزائري الأعزل الذي خرج للتظاهر السلمي احتفالا بنهاية الحرب العالمية الثانية، وهزيمة النازية والفاشية، وتمجيدا وتكريما لضحايا هذه المجازر ومواقفهم البطولية في سبيل الحرية والاستقلال، وللحفاظ على ذاكرة الأمة وضمان تبليغ رسالتها للجيل قصد تمتين صلتهم بالوطن وتاريخه المجيد.

لقد شكّلت أحداث الثامن من ماي، منعرجا حاسما في مسيرة الحركة الوطنية الجزائرية ولحظة تحوّل بارزة في مسار مقاومة ومواجهة الاحتلال الفرنسي. وقد ارتبطت هذه الثورة الشعبية والمظاهرات الصاخبة، برفض الواقع الاستعماري وما ترتّب عنه من تخلّف اقتصادي وتردي اجتماعي وانحطاط ثقافي، وبالمد التحرري الشامل الذي ارتبط بمبدأ تقرير المصير مقابل المجهود الحربي والمادي والبشري الذي بذله الجزائريون للدفاع عن فرنسا والعالم الحر خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وبانهزام فرنسا أمام ألمانيا وإعلان ميثاق الأطلسي ونزول الحلفاء في شمال إفريقيا في 8 نوفمبر 1942 وتأسيس منظمة الأمم المتحدة.

لقد أشعر هذا الواقع والمناخ الدولي الجزائريين بدنو لحظة الحرية والانعتاق من الهيمنة الكولونيالية. وإذا كان هدف الإدارة الاستعمارية من تلك المجازر إجهاض التوجه الاستقلالي واجتثاث البعد الثوري ومحاصرة نشاط المناضلين، من خلال الاعتقالات الجماعية والمحاكمات الصورية وحل الأحزاب السياسية، فإنها تركت جرحا عميقا في نفوس الأغلبية الساحقة من الجزائريين، ودقت آخر مسمار في نعش الاحتلال ومثلت بداية العد التنازلي لثورة الفاتح من نوفمبر المجيدة. كما أحدثت القطيعة النهائية مع الكولون وأعدمت فكرة التعايش والاندماج مع الغزاة، ونسفت كل جسور التفاهم والحوار بين المستعمِر والمستعمَر. يظهر ذلك من خلال تجاوز أشكال النضال الكلاسيكية وتبني الثورة والعمل كحتمية تاريخية وخيارا استراتيجيا فرضته الظروف الداخلية والتحولات الخارجية وتحطّم الحاجز النفسي في مواجهة الآخر/ المستعمر وفي صلابة التلاحم العضوي بين الريف والمدينة وتماهي مختلف الشرائح الاجتماعية مع مشروع التحرر. لقد فضح التعامل النازي مع المتظاهرين في مختلف مناطق الوطن، خاصة في سطيف وخراطة وقالمة، الوجه الحقيقي للاستعمار بعنفه ودمويته المتأصلة في الممارسات الفرنسية التي كانت وما زالت تتغذى من المركزية الغربية، وأبرز التعارض بين الفكر والممارسة لأغلب النخب الثقافية والفكرية والسياسية والعسكرية الفرنسية، والتناقض مع مقولات التحرير والديمقراطية، وشعارات الثورة الفرنسية والشرعية الدولية لحقوق الإنسان.

ما حدث في الثامن من ماي هو محاولة إبادة بشرية جماعية وجريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان يجب أن لا يطويها النسيان ولا تنتهي بالتقادم. ويبدو أن التأزم في العلاقات الجزائرية-الفرنسية حاليا مرتبط بصعوبة هضم اليمين الفرنسي المتطرف لحقيقة استقلال الجزائر وفك ارتباطها بالميتروبول. وبالتالي، فإن ما يحدث هل هو استمرار للعقلية الاستعمارية التي تحكمت في الجزائر 132 سنة، والتي يزعجها امتلاك بلدنا لقراره السياسي والاقتصادي ودوره العربي والإسلامي والإفريقي والدولي وانتصاره لقضية فلسطين ومختلف قضايا التحرر في العالم. كما يرتبط خطاب التطرف والعنصرية في فرنسا ضد كل ما هو جزائري - دون مراعاة أدنى الأعراف والمواثيق الدبلوماسية - بعدم القدرة على التحرر من العقلية الاستعمارية والوصاية ذات الطابع الكولونيالي. وبسبب ذلك يجب أن تتحمل الدولة الفرنسية مسؤولية تصالح التاريخ والذاكرة بين الشعبين، والقبول بمبدأ الشراكة والندية، والقيام بمراجعة نقدية وعميقة تنتهي بالاعتراف بجرائمها في الجزائر وبتقديم التعويضات، والاستجابة لمطالب الجزائريين المتمثلة في استعادة الأرشيف والممتلكات ورفات المقاومين والمفقودين والمساهمة في إزالة بقايا التجارب النووية. وإذا كان الجزائريون قد استجابوا للتحديات المفروضة عليهم خلال الفترة الاستعمارية بشكل إيجابي، فإن الوفاء لأرواح شهداء مجازر الثامن ماي وتضحيات المجاهدين يقتضي، لمواجهة المخاطر الحالية وتربص الأعداء بالوطن، تجاوز الخلافات الهامشية ورصّ الصفوف وتبني الخطاب الجامع وتقوية اللحمة الوطنية.