ثقافة

التحاقي بـ "الخبر".. بداية حكايتي  مع الكلمة الصادقة

"كان يوم أحد من أيام الخريف الهادئة حين توجهتُ إلى دار الصحافة البشير عطار بحي أول ماي، أحمل بين يديّ حلمًا كبيرًا وطموحًا أكبر، هو أن أنتمي إلى جريدة صنعت لنفسها اسمًا من نور في سماء الصحافة الجزائرية: جريدة "الخبر"

  • 211
  • 2:05 دقيقة

رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على تلك اللحظة، ما زالت تفاصيل ذلك اليوم من شهر أكتوبر سنة 1993 راسخة في ذاكرتي، كأنها حدثت بالأمس القريب.

 كان يوم أحد من أيام الخريف الهادئة حين توجهتُ إلى دار الصحافة البشير عطار بحي أول ماي، أحمل بين يديّ حلمًا كبيرًا وطموحًا أكبر، هو أن أنتمي إلى جريدة صنعت لنفسها اسمًا من نور في سماء الصحافة الجزائرية: جريدة "الخبر".

حين ولجتُ إلى مكتب الشهيد عمر أورتيلان، استقبلني بابتسامة دافئة وبكلمات مشجعة ما زالت ترن في أذني إلى اليوم. سلّمته طلب التوظيف الذي كان قد طلبه مني قبل أيام قليلة، فابتسم وقال لي بثقة الأب في ابنه:

"بعد أسبوع ستلتحق بطاقم الجريدة."

خرجتُ من مكتبه وأنا أحمل في داخلي مزيجًا من الفخر والمسؤولية، لكن الرياح لم تسر كما اشتهت سفينتي. فقد كانت البلاد تعيش واحدة من أصعب فتراتها، ومع تسارع الأحداث، لم يعد بإمكاني المبيت لا في الحي الجامعي طالب عبد الرحمن ببن عكنون ولا في فندق المنار الذي كنت أتقاسمه مع كل من الزميل حسان زهار و الزميل الراحل مدني شوقي.

... كانت الظروف الأمنية والمادية صعبة، فقررت العودة إلى مسقط رأسي المدية، حيث التحقت بقطاع التربية كأستاذ مستخلف في إحدى المتوسطات، مؤجلًا حلمي الصحفي إلى حين.

غير أن القدر كان له رأي آخر... رن هاتف البيت العائلي بعد أيام قليلة، وكان المتصل رئيس القسم الجهوي رابح خليفي، الذي سألني باستغراب:

" أين أنت ...لماذا لم تلتحق بـ "الخبر" مثلما طلب منك رئيس التحرير عمر أورتيلان؟"

شرحت له وضعي، وكيف أن الإقامة في العاصمة أصبحت شبه مستحيلة، فردّ عليّ باقتراح غيّر مسار حياتي، إذن  التحق بـ "الخبر" كمراسل من المدية.

ومنذ تلك اللحظة، بدأت رحلتي مع "الخبر" ومع الصحافة الميدانية، رحلة امتدت لأكثر من ثلاثين سنة، كانت فيها الكلمة سلاحي، والميدان مدرستي، والصدق منهجي.

على مدار تلك السنوات، شهدت الولاية أحداثًا جسامًا ومرحلة عصيبة من تاريخ الجزائر، لكن رغم كل الظروف، واصلت العمل بحبٍّ وإصرار، ناقلًا معاناة المواطنين وآمالهم، ومجسّدًا رسالة الجريدة في نقل الحقيقة بأمانة وخدمة الوطن والمجتمع.

كانت “الخبر” بالنسبة لي أكثر من مجرد منبر إعلامي، كانت بيتًا ثانيًا وعائلة كبيرة، عرفت رجالا بل اخوة لا زالوا إلى غاية اليوم ...دكار... اسماعيل ...حناشي ...حميد ...جعفر...ماضي...رضا....احتضنتني الخبر في زمن الخوف منذ البدايات. تعلمت بين صفحاتها معنى الالتزام والاحتراف، ومعنى أن تكون الصحافة ضميرًا حيًّا لا يخاف في قول الحق لومة لائم.

واليوم، في ذكرى تأسيس الجريدة، الـ 35 أسترجع تلك اللحظات الأولى بفخر وامتنان  وأترحم على أرواح الزملاء الذين غادرونا، وفي مقدمتهم الشهيد عمر أورتيلان، رمز الشجاعة والكلمة الحرة. كما أجدد العهد بأن تبقى رسالة "الخبر" خالدة، وأن تظل الصحافة الحرة منارة تنير درب الأجيال القادمة.

لمعرفة المزيد حول هذه المواضيع