منذ عقود طويلة، كانت اللغة الفرنسية تحتل مكانة مميزة في المشهد الثقافي الجزائري. فهي لغة النشر والتعليم العالي والبحث، ولغة الكثير من الأدباء الجزائريين الذين صنعوا مجد الأدب المغاربي، من آسيا جبار وكاتب ياسين، إلى أحلام مستغانمي وياسمينة خضرا و آخرون. لكن مع التوجه اللغوي الذي تعرفه الجزائر اليوم نحو الإنجليزية، حاولت "الخبر" أن تقترب من القراء و بعض دور النشر خلال فعاليات معرض الجزائر الدولي للكتاب في طبعته الـ 28 للإجابة على سؤال : هل لا يزال هناك إقبال على الكتب المطبوعة باللغة بالفرنسية؟ أم أن اللغة الإنجليزية بدأت تأخذ مكانها في رفوف المكتبات وفي اهتمامات القرّاء؟
لطالما ارتبطت الفرنسية في الجزائر بتاريخ معقد، فهي من جهة لغة المستعمر، لكنها من جهة أخرى لغة ثقافة ومعرفة تكون من خلالها جيل كامل من المثقفين. غير أن السنوات الأخيرة شهدت منافسة الانجليزية، خاصة لدى فئة الشباب، الذين أصبحوا ينجذبون أكثر نحو اللغة الإنجليزية باعتبارها "لغة المستقبل والعلم والتكنولوجيا".
وقصد تحري مكانة هذه اللغة اليوم لدى القراء جمعنا أراء بعض دور النشر و القراء بصالون الجزائر الدولي للكتاب و التي أكدت ان الانجليزية استطاعت أن تصنع مكانة مميزة لها خاصة بين فئة الشباب الذين يفضلون هذه اللغة اليوم و يقبلون على دراستها سواء في الجامعات أو المعاهد آو المدارس الخاصة، وتبقى حسبهم الفرنسية لدى الجيل الذي قرأ بهذه اللغة.
الفرنسية مطلوبة لدى الجيل الذي يتقنها و الشباب متوجه للانجليزية
يقول ممثل منشورات المؤسسة الوطنية للاتصال، النشر و الإشهار "اناب" أن هناك إقبال على الكتاب المنشور باللغة الفرنسية خاصة من الجيل القديم الذي يتقن هذه اللغة، وحسبه فهذا الجيل يفضل الكتاب باللغة الفرنسية لأنه متعود عليها و يتقن هذه اللغة جيدا، مؤكدا ان كتب التراث الجزائري و الكتب الفاخرة بالفرنسية جد مطلوبة لدى الشباب أيضا، لكن كل ما هو رواية و قصة نجد إن الجيل القديم هو الذي بقي يطلبها لليوم و ينتظر جديدها، ولفت إلى ان الجيل الجديد لا يقرا كثيرا باللغة الفرنسية و هو متوجه نحو الانجليزية و العربية، و من الكتب الفرنسية المطلوبة لدى منشورات "اناب" نجد كتب التاريخ التي تتناول الثورة التحريرية و النخبة التي تكتبها و حتى التي تقراها، ونجد أن ممثلي الثقافة الجزائرية و روادها هم من يتفنن في الكتابة في هذا النوع من الكتب، و بالنسبة للروايات يقول محدثنا أن هناك عناوين مكتوبة بلغة فرنسية بسيطة و سلسة نجد حتى الجيل الجديد يطلبها في احيان كثيرة ، اما الكتب الفلسفية فيقول بأن الجامعيين هم من يطلبها بكثرة لأنها صعبة الفهم، و كتب سياسية بالفرنسية نجد أنها مطلوبة أيضا.
من جهة أخرى تحدث ممثل "اناب" عن الجالية الجزائرية في الخارج و قال أنها تخصص ميزانية كل سنة لاقتناء إصدارات أناب باللغة الفرنسية منها حول الكتب الفاخرة التي أصدرتها الدار حول التراث الجزائري منها كتاب "الكسكسي"، و "كتاب مدن الجزائر"، "بيراميد الجزائر"، "تيميمون" و كتب تراثية كثيرة تحضى بإقبال جماهيري كبير.
فيما أكد ممثل منشورات "ايناغ" فاضل زكور أن الجيل الجديد يطلب كثيرا الكتب باللغة الانجليزية خاصة كتب تطوير الذات، ويرى بان الإقبال على الكتب الفرنسية هذا العام كان بوتيرة اقل مقارنة بالسنوات الماضية مرجعا ذلك الى النهج الذي تخطوه الجزائر نحو اللغة الانجليزية، كما يعتقد زكور أن اليوم لغة العلم هي الانجليزية، لذلك هناك توجه كبير لها خاصة من فئة الشباب، أما كبار السن فهم يقرأونها لأنها اللغة التي تربو عليها و تعلموها من المستعمر عنوة. وحسب زكور فان كل الكتب التي تتناول التراث و التاريخ مطلوبة جدا سواء كتبت باللغة الفرنسية أو العربية أو الانجليزية، "الجيل الجديد فيه من يقرا الفرنسية و يتقنها و يقتني كتب بهذه اللغة لكن الأغلبية متوجهين للانجليزية".
فيما تؤكد ممثلة دار "الكلمة" السيدة نعيمة بلجودي ان عن مكانة اللغة الفرنسية لدى القراء اليوم لا تزال قوية، و قالت ان لها قراء من اللغة الفرنسية الذين هم حاضرين إلى اليوم من الجيل القديم و الجيل الجديد، و وأوضحت بأنها ستواصل في النشر باللغة الفرنسية لان الكتاب بهذه اللغة لا يزال مطلوبا و بكثرة، و هي حاليا انطلقت في الترجمة لكبار الكتاب حيث ترجمت للكاتب الكبير محمد ديب من الفرنسية للعربية كما ترجمت ثلاثة اعمال للروائية الكبيرة اسيا جبار.
و ذكرت المتحدثة أن الانجليزية أيضا مطلوبة خاصة لدى الطبقة المثقفة و جيل الشباب، مؤكدة ان الكتاب اليوم مطلوب بلغات كثيرة حيث قالت "يجب ان نتفتح على الغير و ننشر بكل اللغات و ليس فقط بالعربية و الفرنسية و الانجليزية
توجه الدولة للغة الانجليزية ساهم في حضورها و فرضها لوجودها
قالت أستاذة جامعية التقيناها بمنشورات "الحبر": "انه قبل عشر سنوات، كانت الكتب الفرنسية تهيمن على المبيعات. اليوم، نلاحظ اهتماما متزايدا بالكتب الإنجليزية، خصوصا في مجالات التنمية الذاتية والبرمجة والعلوم.". و أضافت "التحول الذي أعلنته الدولة الجزائرية في السنوات الأخيرة، باعتماد اللغة الإنجليزية في التعليم الجامعي وبعض التخصصات العلمية، ساهم في تعزيز حضور هذه اللغة في الحياة اليومية، فالإنترنت، والمنصات التعليمية، والمحتوى العالمي، كلها تغذي اهتمام الشباب بالإنجليزية وتجعلهم أكثر ميلا إلى اقتناء كتب بهذه اللغة.
تقول ابتسام طالبة في كلية الطب بجامعة سطيف جاءت تقتني الكتب بمعرض الكتاب، "أصبحت أقرأ بالإنجليزية لأن المراجع العلمية المهمة متوفرة بها، وحتى في الأدب أصبحت أفضّل النص الأصلي على الترجمة الفرنسية، ومع ذلك يبقى انتشار الكتاب الإنجليزي محدودا بسبب قلة دور النشر التي تطبعه، وارتفاع أسعاره مقارنة بالكتاب الفرنسي أو العربي". فيما تؤكد هاجر "طالبة لغات": "أحب الأدب الفرنسي، لكنه لم يعد يغنيني عن الإنجليزية. اليوم أقرأ أكثر بالإنجليزية لأن العالم يسير بها."
و تقول سيدة ستينية "الفرنسية بالنسبة لي ليست لغة أجنبية، بل لغة تعلمت بها وفهمت بها العالم. أقرأ بها كما أقرأ بالعربية، ولا أظن أن الإنجليزية ستعوضها بسهولة".
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال