ثقافة

عمر الزاهي الأسطورة في كتاب

الكتاب يعد عملا تحقيقيا طويلا ويشكل مرجعًا لكل من يرغب في فهم أفضل للمسيرة الفنية والإنسانية للرجل الذي أطلق عليه الناس بمودة اسم "عميمر".

  • 1252
  • 2:54 دقيقة
الصورة: ح. م
الصورة: ح. م

صدر مؤخرا عن "دار القبية" للكاتب الصحفي سعيد سعد، كتاب بعنوان "عمر الزاهي أسطورة إحياء أغنية الشعبي" والذي ينبش في سيرة أحد أعمدة أغنية الشعبي وأكثرهم قربا للجمهور، عمر الزاهي الذي عاش بعيدا عن الأضواء، يلقي هذا الكتاب الضوء على هذه الشخصية الرمزية والغامضة في أغنية الشعبي الجزائرية.

يعتبر كتاب "عمر الزاهي أسطورة إحياء أغنية الشعبي" عملا تحقيقيا طويلا وهو عبارة عن سيرة ذاتية من 120 صفحة، ويشكل مرجعًا لكل من يرغب في فهم أفضل للمسيرة الفنية والإنسانية للرجل الذي أطلق عليه الناس بمودة اسم "عميمر". ويتمحور الكتاب حول محورين رئيسيين: من ناحية، الشخصية الحميمة لعمر الزاهي؛ ومن ناحية أخرى، تأثير أعماله على التراث الموسيقي الجزائري.

يقول الكاتب إنه عندما اقترح عليه الأصدقاء للمرة الأولى أن يكتب سيرة عمر الزاهي -وكان ذلك في مقهى بباب الواد- تفاجأ بالفكرة وسارع إلى التعبير عن تردده. ويضيف "لم يكن الأمر بمثابة رفض، لكن التحدي كان لا يزال كبيرا: لم أكن أعرف هذا الشخص عن قرب أو عن بعد... ماذا كان بإمكان صحفي في المجال الاقتصادي أن يقول عن مغن محترف؟ لقد كانا عالمين مختلفين. ولكن ما شجعني على كتابة هذا الكتاب هو عظمة الرجل وتشجيع أصدقائي، كلهم من محبي الفنان".

يشير المؤلف الذي أجرى تحقيقا مطولا بالاعتماد على شهادات أقارب الفنان وأصدقاء طفولته، منذ الصفحات الأولى إلى ضرورة توخي الحذر في نقل الحقائق، ومع ذلك، يقدم كمّا هائلا من التفاصيل والتي يكتشفها القارئ لاحقا. وأعطى كل شخص روايته التفصيلية وتقديره للفنان وحكاياته التي كانت بمثابة الحجارة الأولى في البناء. كانت بعض الشهادات غنية جدًا ودقيقة جدًا وواقعية جدًا، لدرجة أنني شعرت أحيانًا بالقرب الجسدي من الفنان.

من طفولته إلى زياراته الأولى لمقهى حوشين الأسطوري، يرسم الكتاب صورة لفتى متواضع، متشوق للموسيقى، والذي سيصبح أحد الأسماء الهامة في هذا النوع الغنائي. بعد أن تتلمذ على يد شخصيات مهمة وهي الشيخ لحلو، قدور باشتوبجي، الشيخ القبائلي، ثم لاحقاً محبوب باتي. لكن عمر الزاهي اختار طريقا مجددا لهذا النوع الغنائي فكان متفردا فيه، يقول سعد سعيد "لم يكن مجرد مغني. لقد أعاد حرفيًا خلق أسلوبٍ للغناء الشعبي". هذا النوع الموسيقي المحكوم تاريخيًا بلوحات موسيقية تُسمى "المريمات"، شهد مع الزاهي نوعًا من الثورة الخفيفة، اتسم بالارتجال وحرية التعبير، حيث اعتمد عمر الزاهي في بداية مسيرته الفنية، في ستينيات القرن الماضي، على نفس المقامات والنصوص التي اعتمد عليها بوجمعة العنقيس، الذي كان يكن له إعجابا عميقا. ولكنه سرعان ما انفصل عن هذا التأثير وفرض نفسا جديدا وأسلوبا فريدا، دون أن يخون روح الشعبي.

يتألف هذا الكتاب من جانبين أساسيين: الزاهي الفنان والزاهي الإنسان. لقد فضّل المؤلف الخيار الثاني في مقاربته من خلال تقديم مجموعة من التفاصيل حول حياته الخاصة. في أي سيرة ذاتية، يقول الكاتب في إحدى حواراته "يجب على المؤلف تقديم أكبر قدر ممكن من التفاصيل لأن المعجبين يريدون دائمًا معرفة كيف عاش. ويحب المعجبون تفاصيل الحياة الخاصة لعمر الزاهي، وعلاقاته مع جيرانه، وأطعمته المفضلة وسجائره وعاداته، والشاطئ الذي يرتاده، وعلاقاته مع شباب الحي، وغيرها".

يتحدث المؤلف في الجزء الثاني من الكتاب عن عمر الزاهي الإنسان، حيث يقول "كيف تتعامل مع شخص يهرب من الشهرة؟". في الواقع، كانت علاقة عمر الزاهي بوسائل الإعلام معدومة تقريبًا. المقابلة الوحيدة المعروفة مع الفنان تعود إلى عام 1987، أجراها مع وكالة الأنباء الجزائرية.

تميز نمط حياة الزاهي بالعزلة والابتعاد عن الأضواء بل رفض كل أشكال الاعتراف الرسمي، حتى أيامه الأخيرة، عاش في بساطة رافضًا كل أنواع التكريمات والامتيازات.

يقدم الكتاب محاولة إعادة بناء حياة رجل متفرد، لا تزال موسيقاه حية لفترة طويلة حتى بعد وفاته في 30 نوفمبر 2016.