ثقافة

هذا ما ينتظره أهل الثقافة والفن من الوزيرة بن دودة

"الخبر" تستطلع آراء المثقفين ومهنيي القطاع.

  • 1180
  • 9:14 دقيقة
وزيرة الثقافة، مليكة بن دودة، الصورة: وزارة الثقافة.
وزيرة الثقافة، مليكة بن دودة، الصورة: وزارة الثقافة.

في لحظة حاسمة من تاريخ المشهد الثقافي الجزائري، حيث تلتقي الطموحات بالتحديات، تتجه الأنظار نحو وزارة الثقافة والفنون بقيادة الدكتورة مليكة بن دودة، العائدة إلى "بيتها"، كما يصفها الفنان حكيم دكار. انطلاقا من هذه الثقة، يطرح نخبة من المبدعين والكتّاب آراءهم المختلفة وانتظاراتهم الملحة، مجمعين على كلمة واحدة: "حان وقت الانتقال من مرحلة التشريعات والخطابات إلى ساحة التفعيل والتطبيق على أرض الواقع"، حيث يضع كاتب السيناريو الطيب توهامي ملف "الصناعة السينماتوغرافية" على رأس الأولويات، معتبرا إياه اختبارا حقيقيا يتطلب "دفاتر شروط" و"استراتيجيات تنفيذ" واضحة المعالم، بعيدا عن التعابير الإنشائية.

هذه الدعوة إلى التفعيل يرددها الناقد السينمائي جمال محمدي، مؤكدا أن المطلوب الآن هو "تفعيل وتنفيذ ما تم تحقيقه نظريا في الميدان"، من خلال هيكلة القطاع وتجسيد المشاريع الواعدة مثل مدن السينما.

ولا يقتصر التحدي على السينما وحدها، فكما يرى الروائي بشير مفتي، فإن المهمة الجوهرية لوزارة الثقافة هي "تهيئة بيئة منعشة للثقافة والمثقفين"، عبر إعادة إحياء المنابر الثقافية والمجلات الأدبية التي تشجع على الإبداع والقراءة. دعوة يعززها مسؤول الدار الناشرة رفيق طيبي، الذي يرى في "ملف الكتاب" الأولوية القصوى، في ظل "تقهقر المكتبات" وصعوبة تصدير الثقافة الجزائرية.

وفي قلب هذا المشهد، تبرز قضية "الكفاءات" كشرط لا محيد عنه للنهضة؛ فالكفاءات الجامعية الشابة والإمكانيات المادية هما "الثنائية" التي يراهن عليها السيناريست أحسن تليلاني لتحقيق النهضة، فيما يحذر المسرحي هارون الكيلاني من استمرار هيمنة الإدارة على الفن في المسارح، داعيا إلى تسليم "هذا الرزق لأهل الأمانة".

كلهم يجمعون على أن الوزيرة العائدة تواجه لحظة تاريخية، حيث "الملفات جاهزة"، كما يلخص الفنان حكيم دكار، مطالبين إياها بالحزم لـ "ترجمة القوانين إلى واقع" وخلق استمرارية تحفظ للثقافة مكانتها كذاكرة جماعية و"خط دفاع أول" عن هوية الأمة.

الصناعة السينماتوغرافية أهم الملفات المطروحة على طاولة الوزيرة

يعتقد كاتب السيناريو والسينمائي الطيب توهامي؛ أن أهم الملفات العاجلة التي سيطرح على طاولة وزيرة الثقافة في هذه المرحلة بالذات هو ملف الصناعة السينماتوغرافية في الجزائر، لأن هذا الملف يعتبر أولوية وضرورة لانطلاق عجلة السينما وإعادتها من جديد في الجزائر، خصوصا بعد الجلسات التي تمت وأشرف عليها رئيس الجمهورية منذ عام تقريبا، وكانت من بين توصياتها أن يتم التعجيل بإعادة بعث الصناعة السينماتوغرافية في الجزائر.

ويضيف توهامي أنه لحد الآن لم تستطع الوصاية الخروج من الإطار القانوني للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر، ولحد الساعة لم يتم ميدانيا إعادة بعثها. ويشير توهامي إلى أنه اليوم على وزيرة الثقافة والفنون أن تضع دفاتر الشروط لكثير من المشاريع التي تتعلق بالصناعة السينماتوغرافية، خصوصا استوديوهات التصوير واستوديوهات ما بعد الإنتاج، مؤكدا أنه من دون خطوات ملموسة ودفاتر شروط تعنى بالآجال، لا يمكننا أن نتحدث عن خطوات ميدانية ملموسة في هذا القطاع.

كما تحدث توهامي عن عدد المجمعات السينمائية التي سيتم تشييدها خلال فترة محددة، ويجب أن تكون هناك إستراتيجية تنفيذ كبرى المشاريع المتعلقة بالصناعة السينماتوغرافية، وهذا عمل - يقول توهامي - كبير وجبار يحتاج إلى إستراتيجية منظمة وإلى أهداف قصيرة ومتوسطة المدى، على أن تكون ملموسة ولا تكون مجرد تعابير إنشائية ليس لها علاقة بأرض الواقع.

يرى توهامي أن الجزائر كنز كبير لصناعة سينماتوغرافية مستقبلية، ويجب أن تحدد الأهداف وتباشر السياسات على أرض الواقع، وهذا هو في اعتقاده الملف المهم الذي يحمل أولوية ويجب أن تسارع الوزيرة إلى فتحه، وإيجاد الآليات المناسبة وتنفيذ أهدافه.

ومن الملفات التي ينبه إليها الطيب توهامي؛ هو الملف الثاني الذي يجب طرحه ومعالجته بكل عقلانية وصرامة، هو كثرة المهرجانات ومحاولة إضفاء طابع عميق عليها ولا يجب أن تبقى الطابع الكرنفالي هو الذي يهيمن على هذه المهرجانات أو الملتقيات، ويشدّد توهامي على أنه من الضروري جدا أن نهتم بعمق هذه المهرجانات والتظاهرات الثقافية الكبيرة، والوزيرة كانت دائما تتحدث عن المعنى ومهم جدا الاحتفاء بالتظاهرات الكبرى بأن تكون لها معنى، ويجب أن تلقى الأثر في الشارع والمجتمع وأن تصل للمجتمع الجزائري.

الأمن الثقافي نقطة مهمة جدا بالنسبة للطيب توهامي، حيث يجب أن تستثمر الجزائر فيها، مؤكدا أنه اليوم "إذا أردنا أن نسوق لصورة الجزائر كقوة إقليمية في المنطقة، يجب أن نؤسس للأمن الثقافي في الجزائر؛ من خلال تسويق أبعادنا الهوياتية بكل زخمها وتنوعها". كلما كان الانفتاح على الهوية، كان هناك قدرة على التعبير وحرية التعبير وتعزيز وتماسك لهذه الإشكالية؛ أي إشكالية الأمن الثقافي في الجزائر، وهي نقطة جوهرية في ظل التحولات الجيواستراتيجية التي يشهدها العالم.

ويختم توهامي بالقول: إن الثقافة لا بد أن تؤدي دورها المهم حاليا؛ لأن إشكالية التنمية في الدول المتخلفة أساسها مرتبط بالإشكالية الثقافية.

مهمة وزارة الثقافة هي تهيئة بيئة منعشة للثقافة والمثقفين

ويشير الروائي بشير مفتي إلى أنه كان دائماً يحلم بوزارةِ ثقافةٍ لا تصنع هي الثقافة، بل تدفع الناس إلى أن يصنعوها بأنفسهم؛ فالمسألة في نظره وفي النهاية أن الوزارة تظل مجرد إدارة، وعليها واجبات أساسية، أهمها تهيئة بيئة منعشة للثقافة والمثقفين، معتبرا أن هذا دورها الجوهري.

ويرى مفتي أنه منذ فترةٍ طويلة "نعاني وضعٍا ثقافيا لم يعد صالحاً للعيش: خواءٌ ثقافي، أو شعورٌ بأننا لا نجد مكاناً لنا في المحيط الاجتماعي الذي نعيش فيه"، مضيفا أنه "عندما نقارن أنفسنا بدول عربية أخرى، نراها - رغم أزماتها الاقتصادية - تهتم، ولو قليلاً، بتشجيع الفعل الإبداعي.. بينما نجد أنفسنا نحن الكتّاب في عطالة عن الكتابة، لأنه من الغرابة ألّا نعثر على منابر ثقافية عديدة نكتب فيها".

يعتقد بشير مفتي أن هذا الأمر يبدو غير طبيعي؛ فالمبدعون ليسوا بحاجة إلى دعمٍ مادي فقط، بل إلى دعمٍ معنوي أيضاً. غياب المنابر الإبداعية والأدبية - التي من المفروض أن تكون بالعشرات - يراه أمر محيِّر حتى الآن. ومع أن الأمر ليس جديداً، أذكر مقالةً للراحل عمار بلحسن بعنوان "المنبر الغائب" في الجزائر، حيث تناول هذه الظاهرة وحاول فهمها.

ويؤكد مفتي أن المشكلة - كما نعلم - ليست في غياب بنية تحتية للثقافة؛ فالجزائر تملك مثلاً أكبر مطبعة في إفريقيا، ويُثير العجب كيف أنها لم تقم بدورٍ ريادي حتى الآن. أظن أن كل شيء مرتبط بغياب نظرة بعيدة المدى، أو إستراتيجية حقيقية للفعل الثقافي، تجعل من الثقافة رأسمالاً رمزياً لبناء مجتمع جديد.

مضيفا: وكما نلاحظ نحن نعلم أن الثقافة ليست مجرد "قوة ناعمة" تستعملها الدول القوية في الفتك بالدول الضعيفة، بل "هي أيضاً وسيلة من وسائل الابتزاز والضغط التي تُمارَس ضدّنا.. وهذا ما جعل كثيرين ينتبهون إلى الدور الحاسم للثقافة في بناء جدار صدٍّ صلبٍ ضد تلاعبات الآخرين وخبثهم".

يشدد الروائي بشير مفتي على أن المطلوب بشكل عاجل هو عودة المنابر الثقافية واستحداث أخرى جديدة، وتشجيع المثقفين على خوض تجارب في الإعلام الثقافي، حيث يتحدث مفتي هنا من منطلق كونه كاتباً يهتم بالكتابة، ويشعر بتعاسةٍ لعدم وجود مجلات ثقافية في بلادنا تشجّع الكتّاب على الإبداع، وتشجّع جمهور القرّاء على متابعة هذه الكتابة.

ويختم بالقول "لا أدري إن كانت وزيرة الثقافة الجديدة قادرةً على حل بعض هذه المشكلات، ومن بينها مشكلة الكتاب والكتابة والمقروئية، ولكن لو وضعت فقط خطوةً واحدةً إلى الأمام، لتنفّسنا بعض الأمل.. وبعض الحلم من جديد".

الكتاب سيكون الأولوية القصوى

واعتبر الكاتب ومسؤول دار خيال للنشر والترجمة، أن عودة الدكتورة مليكة بن دودة إلى وزارة الثقافة حدث إيجابي من شأنه أن يعطي الوزيرة فرصة جديدة لاستكمال مشاريع وأفكار كانت في أجندتها ولم يسعفها الوقت ربما لاستكمالها وتفعيلها، مضيفا "وقد كنت من الذين التقوا بها في مرحلة كانت فيها متحمسة لتحريك المشهد ورسم ملامح جزائر ثقافية في الواجهة تنافس دوليًا.. وكانت الأفكار كثيرة والاستعدادات مميزة، لكن قوطعت، وهذه العودة هي بمثابة إعادة انطلاق".

ويرى طايبي أنه بالنسبة للملفات الأهم على المستوى التقني والإداري، لابد من طاقم كفؤ وطاقات جديدة لها رؤية وكفاءة تستجيب لحاجتها إلى الاستشارات في مختلف الملفات المطروحة، التي إذا رتبت حسب الأولوية فإنه يعتقد ومن منطلق اختصاصه، أن وضع الكتاب سيكون الأولوية القصوى في ظل ما يمكن وصفه بالتقهقر على مستوى المكتبات في الجزائر التي تغلق تباعًا، وفي ظل عدم تمكننا من تصدير ثقافتنا من خلال الكتاب نحو الخارج، وما يصدَّر يبقى محدودًا، في ظل تغوّل القوى الناعمة التي اخترقتنا ثقافيًا لنبقى دومًا في موقع رد الفعل.

والدليل على ذلك؛ ما يقتنيه اليوم شباب الجزائر من كتب أدبية وثقافية أغلبها محدود إبداعيًا ورؤيويًا، تمكن من الوصول إلى خيار الشباب القارئ من خلال وسائط التواصل والتسهيلات المحصل عليها في بلدان شقيقة لها رؤية في المجال تختلف عن رؤيتنا، مشيرا إلى أن ملف الكتاب يمكن أن تُفتح من أجله ندوة أو مجموعة لقاءات ستكون مثمرة يشارك فيها فاعلون، من خلال رؤاهم بحثًا عن ثقافة وطنية مواكبة للعصر وانشغالات المواطن والقارئ الجزائري.

في سياق الملفات والأولويات، يقول طايبي "يمكن الحديث أيضًا عن مسألة هيكلة وتنظيم المؤسسات الثقافية المنتشرة عبر ربوع الوطن، التي تشتغل غالبًا ضمن سياسة ورؤية إدارية لم تتجاوز الأطر الكلاسيكية للفعل الثقافي"، مضيفا أن هذه المؤسسات التي تُرصد لها ميزانيات معتبرة ولديها إطارات ومستشارون، لابد من خطوة تجاه تغيير إستراتيجية تعاملها مع الجمهور بالشكل الذي يجعل دورها أكثر حيوية، وهنا يقصد طايبي تحديدًا الملاحق الثقافية والمؤسسات الصغيرة في البلديات، مستفسرا "لمَ لا تسعى وزارة الثقافة لإلحاق المكتبات البلدية بها إداريًا وتنظيميًا من أجل تقريبها أكثر من دائرة التفكير الثقافي والإستراتيجية الأفضل، بدل تركها للتسيير من طرف الجماعات المحلية.. هذا ملف من ملفات كثيرة تتعلق بالمسرح والسينما وغيرهما، يمكن أن تكون محل تداول ونقاش واسع".

"ماذا يعني هذه المسارح الغارقة في الإدارة بدل الفن؟"

يعتبر المسرحي هارون الكيلاني وزارة الثقافة هي وزارة دفاع ثانية، ويقول "ليس لنا إلا الثقافة كي يستوي عمود الوطن وتقوى أعمدته"، ويتمنى أولا أن "تستشعر الوزيرة المحيط القريب منها وكذلك الذي هو عبر المدن، وخاصة الداخلية، ولا أشك في العين المركبة لمعالي وزيرة الثقافة وهي تدري شعاب مكة العناصر".

يتحدث الكيلاني عن ميدانه (المسرح) الذي يقول إنه لم يخنه باحثا عن الشهرة في السينما أو التلفزيون، رغم تخصصه العلمي في ذلك، وبقي يصارع لأجله لأنه لا يهواه فقط؛ إنما يحمله كمشروع عبر النوع المسرحي الذي تحمل فرضه على الساحة الوطنية والعربية: "أعتز حينما أفرض منهاجي وتصوري ومشروعي، وأسعد وأنا أترك أتباعي الشرعيين غير ذلك والمريدين يطبقون طريقتي في العمل".

ويرى الكيلاني أنه "بلغنا الآن حد الوسوسة، الوسوسة من سؤال ماذا نقدم للجمهور كوجبات دسمة من أعمال فنية بنكهة الفلسفة، إلى أن نقدم وكفى، المهم أن نرقم سجل الوزارة بالعدد لا بالرقم الفارق".

ويتساءل الكيلاني ما معنى أن "أسعى في مدينتي إلى مسرح يليق بها، فأجد مسارح المدن المنكوبة في العالم أجمل، كم سيتحمل هذا القلب من الفاجعة في محاربة لصوص الثقافة، تركتهم الذلة يعمهون من باب أن اللحظة غير مواتية والعالم يتكالب علينا.. لا يمكن أبدا أن توجه سلاحك صوب عدوك وأهل الدار يقضمون أقدامك ويشلون وقوفك".

ويعتبر الكيلاني أنه من الهراء بأن يوشى بالأوسمة ذاك المدير الذي يبيع أكبر عدد من التذاكر، والمؤلم أكثر أن تكون مداخيله من غير المسرح، قائلا "يا إلهي فيما أنا أخوض وأنا مطالب بإيجاد حلول، وإن كنت محظوظا بأن أسهم مع الوزيرة المحترمة وهي أستاذة سامقة في توهج الوطن وساكنته وإعادة سؤدد الثقافة (المسرح) إلى عهد التحضر".

ويعتقد الكيلاني أنه ليس هناك خيار "سوى التمسك بالفن، على حد تعبير نتشيه في معنى التمسك بالفن، حتى لا نفنى في العفن ونحفظ معنى الحياة"، مضيفا "نحتاج أن لا تضيع الدولة مراسيم عودة النور إلى المسرح بقوة المال والقرار"، وأن تسلم الوزيرة "هذا الرزق لأهل الأمانة وليس للمتسابقين في طلب المسؤولية، فالفلسفة تقول لا حكم لمن طلب الحكم".

ودعا الكيلاني الوزيرة إلى مراقبة عمل الهيئات الثقافية عن طريق الزيارات الميدانية "ماذا لو نزلت الوزيرة كالصاعقة مرة، ومرة كعابرة، ومرة كوافدة، ومرة أنيسة.. ومرات منتشرة في كل مكان حتى تتحرك كل الأمكنة. كم تعجبني مدينتي حين تتجمل للوزراء والرؤساء والقادة، وزيارات متكررة جمال دائم في مسارحنا ودور ثقافتنا".

يؤكد الكيلاني أن "المسرح لابد أن يبقى مدعوما وإن كان العكس كما هو مطلوب، فلماذا يلوي ذراعه المديرون مقابل أموال كبيرة ومن خزينة الدولة".. مضيفا أن "تسيير خاص بأموال العامة، أي أنا مدير أسير مؤسستي بطريقة الخواص وأنتظر أجرتي من الوزارة"، مستغربا "ثم ماذا يعني هذه المسارح الغارقة في الإدارة بدل الفن".

ويشير إلى "إننا بين المطرقة والسندان؛ بين أن نفشي الفساد وبين تحمل ضريبة الإعلان عنه، بين رغبة العمل وبين مقاومة المعرقلين، بين حبنا وبين حربهم، حربهم التي لا تهمنا بقدر ما نساهم في قوة الوطن".