يُعد ملف تثمين الأملاك والعقارات المصادرة من رموز الفساد من أبرز المهمات الإستراتيجية التي ستشكل محور عمل الوزير الأول سيفي غريب في المرحلة المقبلة، بما تحمله من رمزية سياسية واقتصادية، أولاها الرئيس عبد المجيد تبون، أهمية كبيرة وأفرد لها اجتماعات سامية.
منذ تعيين سيفي غريب وزيرًا أول تصدر ملف استرجاع وتثمين الأملاك المصادرة من رموز الفساد، قائمة أولوياته لاعتبارات تتجاوز البعد الإداري الذي كبح سير هذا الملف المتداول منذ حوالي 6 سنوات كاملة. فالرجل القادم من قطاع الصناعة والذي خبر التسيير التقني للمؤسسات الإنتاجية، يعوّل على إدراكه أن إعادة إدماج هذه الأصول في الدورة الاقتصادية، يشكل أحد مفاتيح تجسيد التزامات الدولة التي تعهدت بتسيير الملف ضمن رؤية عملية قائمة على تحويل الأملاك المسترجعة إلى أدوات إنتاجية خالقة للثروة ومناصب الشغل تنفيذا لتوجيهات الرئيس تبون حول "تحويل المال المنهوب إلى منفعة عامة".
والملف أيضا اختبار لقدرة الحكومة الجديدة على إعادة إطلاق هذه المشاريع وتجاوز البيروقراطية التي عطّلت، في مراحل سابقة، استغلال الكثير من المؤسسات المصادرة التي ظلت بين أيدي لجان تصفية وإجراءات قانونية معقدة.
وبالنظر إلى خلفية سيفي غريب التقنية والصناعية، يُنتظر أن يتبنى مقاربة ميدانية تركّز على إعادة دراسة الجدوى الاقتصادية لهذه المؤسسات وإعادة تشغيل الوحدات الصناعية الكبرى وحتى المتوسطة المصادرة، تضاف إليها مهمة أكثر تعقيدا، أبرزها وضع كفاءات تسييرية لإعادة تحريكها وإدماجها في عجلة النشاط في مختلف الفروع، كالصناعات الغذائية، المعدنية والنقل والفلاحة واللوجيستيك والبنى التحتية وغيرها من القطاعات الحيوية.
تحديات حكومة سيفي تكمن أيضا في الانتقال من منطق الحجز القضائي إلى منطق الاستثمار الحقيقي، سواء بالبحث عن مستثمرين جادين محليين أو أجانب لبعث باقي الوحدات، أو بإلحاقها بمجمعات الدولة بما يضع حدا لهدر الموارد الكبيرة التي استهلكتها.
وسبق تحركات حكومة سيفي دورات متتالية لمجلس مساهمات الدولة لمعالجة الجوانب القانونية والعملية لملف الممتلكات المصادرة.
وكشفت الحكومة، في وقت سابق، عن استرجاع عدد كبير من المؤسسات والمجمّعات الإنتاجية التي خضعت للمصادرة بأحكام نهائية، غير أن متابعين أشاروا إلى صعوبات إدارية ومالية وقانونية كبيرة أحاطت بها، خاصة ما تعلق بحماية مناصب الشغل وضمان استمرارية نشاطها، ومنها من لا تزال تعاني بعض المشاكل التقنية والتشغيلية، مما يجعل الوزير الأول أمام تحديات ميدانية متزايدة.
وكما هو معلن استرجعت الدولة، خلال السنوات الأخيرة، عدداً من المؤسسات والممتلكات المصادرة بموجب أحكام قضائية نهائية، ومن أبرزها مصانع ومستودعات ومجمعات للنقل والأشغال العمومية ووحدات للصناعة المعدنية، فضلاً عن استرجاع آلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية والعقارات الصناعية والسكنية و الفضاءات التجارية.
ورغم التقدم المحقق في هذا المسار، كما جرى مع وحدتين للصناعات الغذائية بكل من جيجل والجزائر العاصمة وغيرها، يشير مراقبون إلى أن عددًا من الشركات المسترجعة ما زالت غير قابلة للاستغلال الفعلي بسبب بطء إجراءات استرجاعها من جهة وهشاشة القاعدة الإنتاجية التي بُنيت عليها، إذ أنشئت في فترات سابقة بأهداف مالية ظرفية (لنهب القروض) لا تمتّ بصلة لمنطق الاستثمار الحقيقي، مما تسبب في استنزاف موارد مالية ضخمة من خزينة الدولة ما يزيد العبء على الحكومة لتثمينها.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال