صدر في العدد 77 من الجريدة الرسمية، المؤرخ في 20 نوفمبر 2025، مجموعة من المراسيم التنفيذية التي تمنح رخص إقامة وتشغيل شبكات الجيل الخامس (5G) لثلاث شركات ومتعاملي اتصالات جزائرية. هذه الخطوة تمثل منعطفا في مسيرة تطور قطاع الاتصالات بالجزائر وتضع البلاد على خريطة الدول في مجال التقنيات الحديثة للاتصالات.
فقد صدر المرسوم التنفيذي رقم 25-301، المؤرخ في 16 نوفمبر 2025، المتضمن الموافقة على رخصة إقامة واستغلال شبكة للاتصالات الإلكترونية النقالة المفتوحة للجمهور من الجيل الخامس وتوفير الخدمات المرتبطة بها، الممنوحة لشركة "أ تي أم موبيليس شركة ذات أسهم". كما صدر المرسوم رقم 25-302 المتضمن الموافقة على رخصة إقامة واستغلال شبكة للاتصالات الإلكترونية المفتوحة للجمهور من الجيل الخامس لشركة الوطنية للاتصالات الجزائر شركة ذات أسهم وكذا المرسوم التنفيذي رقم 25-303 المتضمن رخصة ممنوحة لشركة "أوبتيموم تيلكوم الجزائر، شركة ذات أسهم".
كما تمت الإشارة في المادة 3 إلى أن الرخصة موضوع المرسوم شخصية ولا يمكن التنازل عنها أو تحويلها إلا في إطار ووفق الأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها ووفق الشروط المحددة في دفتر الشروط، وحدد مبلغ الجزء الثابت للمقابل المالي للرخصة باثنين وعشرين مليارا ومائة وخمسة وتسعين مليونا وأربعمائة وستة آلاف ومائتين وواحد وثلاثين دينارا جزائريا (22.195.406.231 دج)، ويجب أن يدفع حسب الشروط والكيفيات ورزنامة التسديد المقررة في دفتر الشروط بالنسبة لموبيليس وواحد وعشرين مليارا وخمسة ملايين وواحد وسبعين ألفا وتسعمائة واثنين وستين دينارا جزائريا (21.005.071.962 دج ) للوطنية للاتصالات الجزائر أريد، وعشرين مليارا وسبعمائة مليون دينار جزائري (20.700.000.000 دج) بالنسبة لأوبتيموم تيلكوم الجزائر جازي.
الإطار القانوني والتنظيمي ودفتر الشروط التفصيلي للجيل الخامس
يأتي إطلاق شبكات الجيل الخامس في إطار قانوني متكامل، حيث يستند إلى القانون رقم 18-04 المؤرخ في 10 ماي 2018، الذي يحدد القواعد العامة المتعلقة بالبريد والاتصالات الإلكترونية. كما يندرج ضمن التزام الجزائر بالمعايير الدولية، خاصة تلك الصادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) واتحاد 3GPP.
وتم وضع دفتر شروط مفصل يحدد الإطار التنظيمي الشامل لشبكات الجيل الخامس، متضمنا التعريفات الدقيقة للمصطلحات التقنية وشروط إقامة الشبكات واستغلالها، فضلا عن المتطلبات الدنيا لجودة الخدمات والالتزامات الأمنية والسيبرانية، إلى جانب آليات المراقبة والمتابعة.
وقد منحت التراخيص لثلاث شركات اتصالات جزائرية رئيسية، مع تحديد مقابلات مالية متفاوتة تعكس حجم واستراتيجية كل شركة، على أساس شركة "آتي: أم موبيليس" بقيمة 22.195.406.231 دينار جزائري والشركة الوطنية للاتصالات الجزائر بقيمة 21.005.071.962 دينار جزائري وشركة "أوبتيموم تبلكوم الجزائر" بقيمة 20.700.000.000 دينار جزائري.
ومن حيث الهيكل المالي، اعتمد نموذج مالي مبتكر للمقابل المالي، يتكون من جزء ثابت يدفع عند منح الرخصة وجزء متغير يساوي 1% من رقم أعمال المتعامل المحقق عبر خدمات شبكة الجيل الخامس.
أما من حيث المتطلبات التقنية والجودة والمعايير وكذا سيناريوهات النشر والتطور التقني، فقد ألزم دفتر الشروط الشركات بالانتقال من سيناريو النشر غير المستقل (NSA) - الذي يعتمد على البنية التحتية للجيل الرابع - إلى سيناريو النشر المستقل (SA) خلال أجل أقصاه خمس سنوات، ما يضمن التطور التقني المتدرج والاستفادة الكاملة من إمكانات الجيل الخامس.
كما تم إقرار معايير جودة دقيقة استنادا إلى دفتر الشروط، حيث حدد دفتر الشروط متطلبات دنيا لجودة الخدمات تشمل لخدمات eMBB (النطاق العريض المحسّن) سرعة تنزيل تبلغ 500 ميغابت/ثانية، وسرعة رفع: 150 ميغابت/ثانية، بينما حدد زمن الكمون بـ ≤ 4 ميلي ثانية، أما فيما يتعلق بخدمات uRLLC (الاتصالات فائقة الموثوقية والكمون المنخفض)، فقد تم تحديد موثوقية بـ ≥ 99.999%، وزمن كمون بـ ≤ 1 ميلي ثانية، فيما تم تحديد لخدمات mMTC (الاتصالات massive Machine-Type) كثافة الأجهزة بـ10,000 جهاز/كم² ونسبة النجاح ≥ 90%.
خطة النشر والانتشار الإقليمي برؤية إستراتيجية شاملة
تم تحديد جدول زمني للمتعاملين، حيث وضع دفتر الشروط خطة زمنية طموحة ومفصلة لنشر شبكات الجيل الخامس تغطي كامل التراب الوطني خلال ثماني سنوات، بداية بالسنة الأولى تغطية 8 ولايات (بما فيها الجزائر) بنسبة تغطية 10%، ثم في السنة الثانية 18 ولاية بنسبة تغطية 25%، وفي السنة السادسة 58 ولاية بنسبة تغطية 70% وفي السنة الثامنة 58 ولاية بنسبة تغطية 95%.
ومن حيث الأولويات الجغرافية والاقتصادية، راعت الخطة الأولويات التنموية من خلال التركيز على المناطق الحضرية الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية والمناطق ذات الأثر الاقتصادي والاجتماعي الكبير والمناطق الصناعية والاقتصادية الاستراتيجية.
أما الأبعاد الأمنية والسيبرانية، فإنه تم التركيز على ضمان حماية شاملة في سياق الالتزامات الأمنية المتكاملة، إذ فرض دفتر الشروط على الشركات مجموعة من الالتزامات الأمنية تشمل تطوير سياسات أمن سيبراني متخصصة لشبكات الجيل الخامس وتوفير الحماية المادية للمنشآت القاعدية وضمان سرية الاتصالات وحماية البيانات الشخصية، إلى جانب التعاون مع الوكالة الوطنية لأمن الأنظمة المعلوماتية.
الأبعاد الأمنية والتنظيمية
اهتم المنظم الجزائري بشكل بالغ بالجوانب الأمنية، حيث فرض على المرخص لهم احترام معايير الأمن السيبراني الصادرة عن الوكالة الوطنية لأمن الأنظمة المعلوماتية، كما اشترط توافق التجهيزات مع المعايير الجزائرية المعمول بها، مع التأكيد على ضرورة معايرتها وفق الأحكام التشريعية السارية. هذا الاهتمام ينبع من إدراك أهمية حماية البنية التحتية الرقمية الوطنية وضمان سلامة البيانات الشخصية للمواطنين.
تعزيز المحتوى المحلي والكفاءات الوطنية
تميز النهج الجزائري بالتركيز على تعزيز المحتوى المحلي، حيث اشترط الدفتر التقني اللجوء إلى مؤسسات ذات أغلبية رأسمال جزائري في عمليات اقتناء المواد والخدمات المتعلقة بالمنشآت القاعدية الكامنة. هذا التوجه الاستراتيجي يهدف إلى تنمية القدرات الوطنية وتطوير الكفاءات المحلية في مجال التقنيات الحديثة، مع السماح بالاستثناء فقط في حالات النقص المسبب في الكفاءات المحلية وبعد موافقة سلطة الضبط.
التكامل مع البنية التحتية الوطنية
ألزم الدفتر التقني المرخص لهم بضمان التوصيل البيئي والربط مع الشبكات الوطنية الأخرى، بما في ذلك الشبكات الخاصة بالمصالح الأمنية. هذا التكامل يضمن استغلالا أمثل للبنية التحتية الحالية ويعزز من كفاءة التشغيل الشامل لشبكات الاتصالات بالبلاد.
الامتثال للمعايير الدولية مع الحفاظ على الخصوصية الوطنية
رغم الالتزام بالمعايير الدولية الصادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات و3GPP، حافظ النموذج الجزائري على خصوصيته من خلال اشتراطات أمنية إضافية تتناسب مع المتطلبات الوطنية. هذا التوازن بين الانفتاح على المعايير العالمية والحفاظ على الأمن الوطني يميز التجربة الجزائرية في إدارة ملف الجيل الخامس.
وبخصوص حماية المستخدمين والفئات الهشة، اهتم الدفتر بشكل خاص بحماية بيانات المستخدمين الشخصية والأطفال والأشخاص الضعفاء عبر آليات الرقابة الأبوية وسرية المكالمات والاتصالات، فيما تم إبراز الجوانب الاقتصادية والتمويلية من خلال استثمارات ضخمة وعوائد متوقعة للمتعاملين.
وبخصوص الرسوم والمساهمات الإلزامية، تلتزم الشركات بدفع مجموعة من الرسوم والمساهمات تشمل رسوم تخصيص الذبذبات اللاسلكية ومساهمات في خدمة الاتصالات الشاملة (1% من رقم الأعمال)، فضلا عن مساهمات في البحث والتكوين (1% من رقم الأعمال).
بالمقابل، حدد دفتر الشروط الحوافز والعقوبات من خلال وضع النظام آلية متوازنة من الحوافز والعقوبات لضمان الالتزام بالشروط، مع عقوبات مالية قد تصل إلى 15 مليار دينار جزائري في حال الإخلال بجدول النشر.
وبخصوص الآثار المتوقعة والفوائد الاستراتيجية، تم إبراز التحول الرقمي الشامل، حيث من المتوقع أن تسهم شبكات الجيل الخامس في تسريع التحول الرقمي في القطاعات الاقتصادية المختلفة وتمكين تطبيقات المدن الذكية والذكاء الاصطناعي ودعم التحول نحو الاقتصاد الرقمي، أما من حيث الجوانب المتصلة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية فستساهم هذه الخطوة في توفير فرص عمل جديدة في قطاع التقنيات الحديثة وتحسين جودة الخدمات الرقمية للمواطنين وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الجزائري، مع مراعاة التحديات والفرص، فمن جانب التحديات الرئيسية نجد حجم الاستثمارات المطلوبة وضرورة تطوير البنية التحتية الداعمة وتأمين التجهيزات التقنية في ظل التحديات العالمية.
أما الفرص المتاحة، فتشمل تحقيق قفزة نوعية في جودة خدمات الاتصالات وتمكين تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة وتعزيز الاندماج في الاقتصاد الرقمي العالمي.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال