في هذا العصر تغلغلت التكنولوجيا المالية في القطاع المالي وأدت دورا مهما في تحسين جودة وكفاءة الخدمات المالية، مما استدعى التفكير في ضرورة تبنيها في إدارة الزكاة للاستفادة من مزاياها، وكذا تحسين تنفيذ عملية الزكاة.
يعد الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) من التكنولوجيات الحديثة التي تتسم بالتقدم السريع والتأثير الواضح في مختلف المجالات، ومن هذه المجالات الأحكام الشرعية، لأن لها مكانة مهمة في حياة المسلمين، إذ يتطلعون دائما إلى التوجيهات الدينية والاستشارة الشرعية في مختلف جوانب الحياة. والذكاء الاصطناعي مرحلة متقدمة من تكنولوجيا المعلومات يتم فيها إعطاء البيانات والمعادلات اللازمة لإيجاد حلول بدون تدخل الإنسان؛ وصولا لحلول تقترب مما ينتجه الإنسان، ويقترب من نتائجه وفق معطيات علمية دقيقة، وربط تقني متشابك، وهو على أنواع. ويعد الذكاء الاصطناعي بتقنياته وأنظمته المختلفة والتي شملت العديد من مناحي الحياة من المسائل العلمية المستجدة التي لم يعرفها فقهاء الشريعة القدامى. وإنه كعلم من العلوم لا حرج فيه، إذا خلا من المحظورات الشرعية، وإن العمل في مجالات اسـتخدام الذكاء الاصطناعي المتوافقة مع القواعد والضوابط الشرعية جائز، بل فرض على الكفاية؛ وذلـك لتحقق المصالح العامة، وتقديم الحلول للمشكلات والتيسير على الناس.
ولقد بدأ مؤخرا الاهتمام بكيفية توظيف ميزات الذكاء الاصطناعي في إدارة الزكاة، فمن خلال الإمكانيات والمميزات التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي يمكن الوصول لمختلف أفراد المجتمع مع القدرة على تحديث معلومات الأسر المحتاجة والمستحقة للزكاة.
ويمكن الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة فريضة الزكاة، من خلال:
1- الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في خدمات الإفتاء وحاسبة الزكاة، عن طريق روبوتات الدردشة مثل (شات جي بي تي).
2- دعم العملاء بفاعلية: يمكن أن تساعد (شات جي بي تي) في التعامل مع استفسارات العملاء ودعمهم، والرد على استفساراتهم آليا.
3- المساعدة المخصصة: يمكن أن تقدم روبوتات الدردشة المدعمة بالذكاء الاصطناعي دعما أكثر تخصيصا للعملاء، من خلال تحليل تفاعلات المستخدم وبياناته، ويمكن تصميم الاستجابات والتوصيات بناء على الاحتياجات الفردية.
4- تثقيف المانحين وتعليمهم: يمكن أن تكون (شات جي بي تي) بمثابة أداة تعليمية توفر معلومات حول مبادئ الزكاة.
5- تحليل البيانات والرؤى: يمكن أن تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي العاملين في مؤسسة الزكاة في تحليل كميات كبيرة من البيانات المتعلقة بصندوق الزكاة، من خلال معالجة البيانات وتفسيرها.
إن الاستعانة بالوسائل التكنولوجية الحديثة وبالذكاء الاصطناعي، وإدخال المعلومات بالوثائق الثبوتية وتعزيز الشفافية بين المزكي والمحتاج، سيساعد الدولة من جهة، على إحصاء وجمع الزكاة المستحقة على كل الجزائريات والجزائريين، ومن جهة أخرى سيعين المجتمع في حل مشكلة العوز والفقر.
لذا كان من الضروري الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين العمل الزكوي، والعمل على وضع ضوابط ومعايير أخلاقية محددة من قبل الجهات الإشرافية لضمان عدم وقوع سلبيات في توظيف الذكاء الاصطناعي في أعمال وأنشطة صندوق الزكاة في بلادنا.
وليس عيبا الاستفادة من تجارب الدول التي بدأت وتبنت تقنيات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في إدارة الزكاة مثل السعودية وإندونيسيا وماليزيا.
إن توظيف الذكاء الاصطناعي في صندوق الزكاة بالجزائر يمكن أن يكون له تأثير كبير في تحسين إدارة وجمع وتوزيع الزكاة بشكل أكثر كفاءة وشفافية؛ وذلك لأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي قد أسهمت في تحسين مستوى أداء صندوق الزكاة في كثير من الدول التي استخدمت تطبيقات هذه التكنولوجيا.
وإننا ندعو صندوق الزكاة في الجزائر برقمنة سجلاته وبياناته وملفاته، وتوفير ما يلزم من بنية هيكلية وبشرية وفنية ومالية وإدارية تمهيدا لإيجاد الأرضية المناسبة للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. وضرورة تعزيز ثقة المواطنين المزكين اتجاه صندوق الزكاة من خلال حملات التوعية، مع الاستعانة بوسائل الإعلام والاتصال في الإفصاح الدائم عن كيفية تسيير الزكاة وتوزيعها والنتائج المحققة من ذلك.
ومن أجل زيادة وتحسين كفاءة نظام صندوق الزكاة في بلادنا الجزائر من حيث جمع الزكاة وتوزيعها على الفقراء المحتاجين، أقترح إنشاء ”منصة إلكترونية” في صندوق الزكاة تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي للمساهمة في تطوير العمل الزكوي، بحيث تقوم هذه المنصة بالرد على استفسارات المهتمين عبر تقنية (شات جي بي تي)، كما تحوي المنصة على برامج خاصة لحساب الزكاة، وتعرض للمشروعات الملحة والخاصة بالفقراء والتي تتيح للمزكي إمكانية التعرف على تفاصيل الحالات المعروضة؛ فـ ”لا يمكننا تحقيق الأهداف الاستراتيجية للزكاة، ما لم يتم التخلص من الطرق والوسائل التقليدية والبدائية التي تجاوزها الزمن، واعتماد التكنولوجيا الحديثة والعصرنة، في كل القطاعات ذات الصلة بالاقتصاد، بما فيها الزكاة التي تعتبر رقمنتها ضرورة حتمية وملحة، والحرص على سن قوانين تلزم كل الأغنياء والمؤسسات التجارية، وكل الفئات التي تتوفر فيها شروط إخراج الزكاة دفع مستحقاتها، لتحقيق التكافل الاجتماعي ودعم الاقتصاد الوطني، الذي هو بحاجة إلى مصادر جديدة للأموال، من خلال ترسيخ فريضة الزكاة كمنظومة اقتصادية كاملة ومتكاملة، وأداة لتحقيق التنمية المستدامة”.
وأدعو إلى تشجيع التعاون بين المؤسسات التعليمية الحكومية مع صندوق الزكاة لتطوير تطبيقات تقنية تستخدم في هذا المجال. ونرجو من وزارة الأوقاف أن تتبنى شراكة علمية مع المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي بمدينة سيدي عبد الله الجديدة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. وإلى تعزيز الشـراكة بين طلاب الشـريعة وطلاب تقنية الحاسوب؛ لإيجاد حلول عملية مستدامة للاستفادة من التقنية فيما يتعلق بالشريعة وعلومها.
الخبر
26/10/2025 - 22:25
الخبر
26/10/2025 - 22:25
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال