مما لا شك فيه أن الهجرة النبوية كانت حدثا عظيما غيّر مجرى التاريخ وأثَّر في حياة البشرية كلها، وكانت فرقانا فرّق الله به بين الحق والباطل. وللهجرة دروس لا تحصى ولا تعد، ومن المستحيل أن نحيط بها كلها، لكننا نشير هنا إلى درس واحد مهم جدا، نحن في أمس الحاجة إليه في أيامنا هذه عسى الله أن ينفعنا به وأن يكتب لنا به النصر والأجر.
إن أعداء الإسلام دائما للمسلمين بالمرصاد، وهذه حقيقة ثابتة منذ أن أشرقت شمس الإسلام على العالم، ويتضح ذلك جليا في سبب هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدينهم من مكة إلى المدينة؛ حيث تحمّل نبينا صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لا يتحمله بشر، وكذلك أصحابه الكرام؛ مثل بلال، ياسر، عمار، سمية وغيرهم؛ حيث منعهم المشركون من إقامة شعائر الإسلام.
وإن حُسن التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب يظهر جليا في إعداد نبينا خطة الهجرة إلى المدينة، فلقد أوضحت لنا الهجرة المباركة ضرورة التخطيط الجيِد للأمور كلها مع الاستعانة بالتوكل على الله عز وجل، فالنبى عليه الصلاة والسلام خطط للأمر جيدا وتم اختيار الصديق وتجهيز الراحلة والمرشد الماهر الأمين، إضافة إلى توزيع الأدوار الجيدة فى عملية الهجرة كلها، واستكمل ذلك كله بحسن التوكل على الله عز وجل. قالت عائشة رضى الله عنها: فجهزناهما أحث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين، قالت: ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا، يكتادان به إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر منحة من غنم، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل، وهو من بني عبد بن عدي، هاديا خريتا، والخريت الماهر بالهداية، وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، براحلتيهما صبح ثلاث. لقد بذل رسول الله وصاحبه أبو بكر الصديق كل ما في طاقتهما لإنجاح عملية الهجرة، وهذا هو الإعداد المطلوب من المؤمنين، أن يُعِدوا ما يستطيعون، وما فوق الاستطاعة ليس مطلوبا منهم {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}.
والاعتماد على الله ركن مهم في حياة المسلم كلها لأنه أس الاعتقاد فلم يعتمد الرسول على الأسباب وترك رب الأسباب - حاشا لله - إنما كان يعلم أن الأسباب لا تأتي بنتائجها إلا إذا أراد الله، ولذلك فبعد أن بذل أسبابه كاملة تحلَّى بيقين عظيم في أن ما أراده الله سيكون، ظهر ذلك في كلمته الرائعة: “ما ظنك باثنين الله ثالثهما”.
وظهر ذلك أيضا في أنه لم يكن يكثر الالتفات في الطريق، فقد أدى ما عليه، وما أراد الله واقع لا محالة. ودون هذا اليقين لا يمكن أن تقوم للمسلمين قائمة.
إن تأييد الله تعالى لعباده المؤمنين الصادقين ونُصرته لهم حقيقة ثابتة منذ فجر التاريخ، ويظهر هذا بصورة واضحة عندما صرف الله تعالى المشركين عن دخول الغار الذي يختبئ فيه نبينا صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق أثناء الهجرة من مكة إلى المدينة؛ قال الله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم}. ويقول تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}. ونصره سبحانه للمؤمنين مرهون بأمرين: أولا: الإعداد المادي والمعنوي لاستحقاق النصر؛ كما قال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}. ثانيا: نصرة دين الله بتطبيق شرعه وتنفيذ أحكامه وأن تقف مع الحق وتحكم بالعدل ولا تأخذك في الله لومة لائم، إن فعلت ذلك فقد نصرت دينه، وسينصرك الله سبحانه يقينا. أما الاتكال على مجرد الاتصاف بالإسلام قولا لا عملا وأن نطلب النصر دون إعداد ودون عمل بالأسباب، فكل ذلك لا يحقق شيئا من النصر المرتجى على أعداء الله. ولعل هذا الدرس من أهم الدروس التي نستفيدها من هجرته صلى الله عليه وسلم “أن نأخذ دائما بالأسباب، وكأنها كل شيء، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء..”، فعند ذلك يكون التوفيق والمدد والنصر.
الخبر
30/06/2025 - 00:15
الخبر
30/06/2025 - 00:15
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال