في مسند الإمام أحمد يقول المعصوم عليه الصلاة والسلام: “يُعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله”.
الانطلاق في هذه الحياة دون اكتراث والاكتفاء ببعض الأعمال الباردة لا شك هو نذير هلاك وعلامة خسران، والإهمال للنفس وعدم محاسبتها دليل على ضعف الإيمان، عند الترمذي: “الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني”. وورد في الأثر عن الفاروق رضي الله عنه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على ربكم”. إن ترويض النفس على الخير وفطامها عن الشر يحتاج إلى طول مجاهدة، وإن إقامة دار جديدة على أنقاض دار خربة لا يتم إلا بصعوبة بالغة، فعلاج الأمور بمغالطة النفس وتغطية العيوب لا جدوى منه، وكل ما يحرزه الإنسان من هذا العلاج هو رواج كاذب لن يغير من الحقيقة شيئا، ولذلك على المكلف أن يضبط عينيه فلا يتركهما مفتوحتين على كل شيء، وأذنيه فلا تسمعان إلا الحق، ولسانه فلا ينطق إلا بالحق، فمن لم يفعل ذلك ويبقى منطلقا من غير نظام ولا محاسبة فهو إلى خسران حقيق.
ومواطن محاسبة النفس كثيرة؛ من أهمها محاسبة النفس على الصلاة، فهي أهم أركان الإسلام، وهي عمود الدين، وهي الحبل الممدود، تُرى أين نحن من الصلاة؟ هل نؤديها بكامل الطهارة؟ وهل نقيمها بكامل الخضوع والخشوع، وهل نحرص على أدائها جماعة، فالصلاة مكيال، من وفَّى وُفّي له، ومن طَفَّف طُفّف عليه، فما الفائدة في أن يكون الجسد في المسجد والقلب في السوق!
حاسب نفسك على برِك لوالديك، هل أمك وأبوك على قيد الحياة؟ اغتنم فرصة وجودهما، فلو مات أبوك أو أمك وهما غاضبان عليك فإنك تتعذب طوال حياتك، هل تعيدهما من القبور لكي تبرهما: “رَغِم أنف من أدرك أحد أبويه أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة”، هذا خاسر لا خير فيه، فصحِّح سيرتك ووضعك مع والديك، فإنهما جنتك ونارك، فبَرُّهما من أعظم القربات، وعقوقهما من أعظم الكبائر: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر”؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: “الإشراك بالله وعقوق الوالدين”. فدعوة الأب والأم أعظم من الدنيا وما فيها، احرص إذا سُئل أحدهما عنك أن يقول عنك: الله يوفقه، الله ييسر أمره، والحذر الحذر أن يُسأل أبوك عنك، وإذا بك عاق، فيقول: الله يجعلها عليه نكدا دنيا وآخرة والعياذ بالله.
حاسب نفسك على صلة أرحامك، هل أنت تصلهن أم قاطع لهن؟ من وصلهن وصله الله، ومن قطعهن قطعه الله، فقاطع الرحم ملعون بنص الكتاب: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}.
حاسب نفسك على تلاوة القرآن الكريم، فهذا من رأس مالك، كيف هي علاقتك مع القرآن؟ قوية أم واهية ضعيفة؟ هل القرآن معك في كل وقت وفي كل حين، أم أنه مهجور من حياتك؟ فإنك إذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله، فاسأل نفسك عن منزلة القرآن في نفسك، اعرف نفسك وحاسبها على الأذكار، أذكار الصباح والمساء: {وسبح بالعشي والإبكار}.
حاسب نفسك على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل تغضب لله إذا رأيت منكرا؟ أم أنك بارد الإحساس متجمد؟
فحاسب نفسك أيها الفاضل، فإن كنت ناجحا رابحا فاحمد الله واسأله الثبات، وإن كنت خاسرا فغيِّر وصحِّح، والله ولي التوفيق.
الخبر
30/06/2025 - 00:12
الخبر
30/06/2025 - 00:12
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال