إن أصل هذه القاعدة متضمن في أحاديث كثيرة، من أهمها قوله صلى الله عليه وسلم: ”أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها”، وقوله في خطبة حجة الوداع: ”إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا”، وقوله صلى الله عليه وسلم: ”كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”.
وقد حرصت الشريعة الغراء على تأكيد أصل الحرمة في النفوس والأموال وحمايته، فمن جانب النفوس، قامت الشريعة بحماية الذات الإنسانية من التلف، سواء كان ذلك على وجه الإفراد أو العموم، لأن النفوس البشرية تنفرد بمقومات وخصائص تجعلها تختلف عن بعضها البعض، فإن في افتقاد بعضها قد يؤدي إلى انخرام قوام نظام المجتمع، وذلك لثقلها المعنوي وقوة أثرها فيه، ويلحق بحفظ النفوس من الإتلاف حفظ أطراف الجسد وأجزائه، وذلك لفقد منفعتها عند انعدامها واحتياج النفس لمن يقوم مقامها، وتأمينا لهذا الجانب، أوجبت الشريعة القصاص فقال تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} البقرة:179، وقوله تعالى: {كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص} المائدة:45.
وأوجبت الدية على من أتلف نفسا أو جزءا منها خطأ جبرا للضرر اللاحق بالمصاب، قال تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} النساء:92، وهذا المناط الذي اعتمده الأصوليون في التدليل على حفظ النفس وبيان أصل التحريم فيها، يبدو أنه قاصر عن أداء تلك المهمة لأن القصاص عبارة عن تدارك ما فات من الأنفس، وبالتالي فهو أضعف أنواع الحفظ والحماية لها، لأن مفهوم الحماية والحفظ لها بمعناه الواسع هو إبعادها عن التلف قبل وقوعه، مثل مقاومة الأمراض السارية والفتاكة بواسطة أنظمة العلاج الوقائي والمبكر والرقابة الصحية على المنتجات الغذائية المصنعة وغير المصنعة، وكذلك مصادر المياه وغيرها. وبناء على هذا، منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجيش من دخول الشام لأجل طاعون عمواس؛ وهو الذي وقع في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه، حيث بلغه أن الوباء وقع بالشام، فاستشار المهاجرين والأنصار، شبابهم وشيوخهم، في الدخول إلى البلد الموبوء وعدمه، فاختلفوا عليه في آرائهم، وكان رأيه الرجوع عنه، فأخبره عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه”، فرجع عمر من سرغ” أخرجه البخاري ومسلم، وقد أورده مطولا ومختصرا واللفظ لمسلم. وفي هذا السياق، جاء قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة:195. أما من جانب المال، فقد أوجبت الشريعة حد السرقة بقطع يد السارق لمن استوفى شروط ذلك، والزجر لمن كان دونها، قال تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} المائدة:38. ومن هذا القبيل حد الحرابة، وضمان قيم المتلفات. وتحقيقا لمقصد الشريعة في صيانة الأموال، قال الفقهاء بتضمين الصناع لما تحت أيديهم، ومنع أكل مال الغير بالباطل، قال تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} البقرة:188، وقال صلى الله عليه وسلم: ”لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه”. وحرم الغبن والتغرير إلا إذا كان يسيرا فهو معفو عنه، كما منعت الشريعة جميع التصرفات المالية التي تفضي إلى أكل مال الغير بالباطل، وعلى رأسها الربا، قال تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} البقرة:274، قال المقري: ”من مقاصد الشريعة صون الأموال عن الناس فمن ثم نهي عن إضاعتها وعن بيع المجهول”.
واعلم أن أصل الحرمة في النفوس والأموال قد يرتفع ويزول بالأشياء الآتية: ردة المسلم، زنا المحصن، نقض المعاهد العهد، قتل النفس بغير حق، وجناية الإنسان على غيره جناية توجب قطع عضو وغيرها. وكذلك من استدان وأبى الوفاء بالدّيْن، سواء كان الدين لله، أو لخلقه، أو نفقة الأقارب، وكذا إذا ترتب عليه عقوبة في ماله وغيره.
*رئيس الهيئة الشرعية بمصرف السلام الجزائر
الخبر
21/05/2025 - 23:25
الخبر
21/05/2025 - 23:25
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال