نتابع، بكل أسف، ما يجري هذه الأيام في منطقة السويداء السورية من تقاتل عرقي طائفي بين الدروز والقبائل العربية تغذيه قوى الاستعمار والصهيوينة العالمية لمآرب وحاجات في نفوسهم، مما يتطلب من الشعب السوري الشقيق اليقظة والتفطن لما يحاك عليه من مؤامرات ومخططات لتفتيت وحدته الترابية والسياسية والاجتماعية.
كتب المستشرق المشهور، برنارد لويس (وهو يهودي صهيوني متعصب) رسالة الدكتوراه حول طائفة ”الحشاشين”، وهي طائفة منشقة عن الإسماعيلية الشيعية، وكان يرى في تمزيق المنطقة العربية والإسلامية، طائفيا وعرقيا، استجابة طبيعية لدواعي التاريخ والجغرافيا والثقافة والتراث. وكان يرى في هذا التفكيك خدمة كبرى للمشروع الصهيوني وضمانة أساسية لبقاء ”إسرائيل” القائمة على فكرة يهودية الدولة، في بيئات طائفية وعرقية مشابهة.
ويقع كثيرون ضحية كتابات المستشرقين ومن تبني أفكارهم من مؤرخي العرب والمسلمين المعاصرين في تشويه صورة التاريخ الإسلامي للمنطقة، وفي تصويره باعتباره تاريخ حروب ونزاعات وصراعات عرقية وطائفية؛ لأن هؤلاء يتعمّدون التركيز على التاريخ السياسي، وعلى صراع البيوتات الحاكمة، ويبحثون عن مواطن الخلاف فيضخمونها وينفخون في نارها. الطائفية ليست بدعة إسلامية، بل إن الإسلام يعلن براءته منها ومن دعاتها، من خلال آيات عدة، منها قوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون}. والإسلام يعترف بوجود الاختلاف بين البشر، قال تعالى: {إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}. ورفض الإسلام الإكراه في الدين، ووفر الحماية والرعاية لأتباع الديانات الأخرى، وأعطاهم كامل الحقوق. وكانت هناك تعليمات لإدارة الخلاف بين المسلمين أنفسهم، يقول عز وجل: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}، وقوله سبحانه: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}.
وكان من المعروف في مدارس الفقه الإسلامي أن المسلم لا يُكفَّر إلا إذا أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو تصرف بطريقة لا تحتمل تفسيرا إلا الكفر. وقد جعل هذا مساحة التسامح والاختلاف بين المسلمين ومذاهبهم واسعة جدا، وتدخل في مسائل العقائد والعبادات والمعاملات.
ولسنا ننكر الاختلافات والصراعات، فهذا أمر طبيعي في حركة التاريخ، وفي سنة التداول والتدافع بين الناس. وفي بعض فترات التاريخ الاستثنائية، عانى المسلمون من اضطهاد طائفي ديني، كما حدث لأهل شمال إفريقيا تحت حكم الدولة الفاطمية التي تبنت المذهب الإسماعيلي.
إن البيئة العربية والإسلامية شكلت حاضنة تسامح وأمان وتعايش مشترك على مدى قرون طويلة لجميع الطوائف والأديان؛ وأيّ تجاوزات لذلك كانت تأخذ شكل الاستثناء المؤقت والمحدود. لكن الاستعمار الغربي، في السنوات الأخيرة، يقوم مع الأسف بدعم أقليات معيّنة، وكرّس لديها المخاوف من الأغلبية المسلمة، مما دفع بعض زعماء وتيارات هذه الأقليات للاحتماء بالمستعمر، أو طلب ضمانات ومزايا خاصة بهم، تضمن وضعهم الطائفي.
إن التعصب الطائفي والمذهبي لا يقتصر على المسلمين ومناطقهم، بل هناك تعصب منتشر في العالم قد يكون مسيحيا أو يهوديا أو بوذيا أو هندوسيا... وهناك أنظمة عالمية لا تسلم سياساتها من خلفيات دينية وثقافية تتسبب في تأجيج الصراعات، وإن النزاع الطائفي قد يجرّ المنطقة إلى حالة من التمزق والصراعات والتفكيك، لا يستفيد منها سوى أعداء الأمة.
حذَّر علماء الإسلام من خطورة آفة الطائفية التي لم توجد في مجتمع إلا ودمرت وحدته وتماسكه، مؤكدين أن الإسلام ينبذها بكل صورها، ويحرم كل سلوك، أو فعل، أو قول، أو فكر، أو رأي يؤدي إلى إثارة الفتنة في المجتمع الإسلامي، ويؤكدون على أن نبذ الإسلام ورفضه للطائفية ودعوته للوحدة يتضح في أسمى صوره في العقيدة والعبادات، فرب المسلمين جميعا واحد، وهم يجتمعون على قرآن واحد وسنة نبوية واحدة وقبلتهم واحدة، والأحكام الشرعية التي تنظم العلاقات بينهم واحدة. وقد حث القرآن الكريم المسلمين في أكثر من موضع على نبذ الطائفية وتجنب التمذهب والتفرق إلى شيع وفرق، وطالبهم بأن يتجمعوا ولا يتفرقوا ويعتصموا بحبل الله استجابة لأمر ربهم في قوله عز وجل: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..}، وكذلك في قوله تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}، وبنفس هذه المعاني دعا الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى أن يشد بعضهم بعضا حتى يقووا بتماسكهم وتعاونهم: ”المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا”.
لقد دعا الإسلام الحنيف إلى التوحد والترابط، وعدم التنازع، وجمع الكلمة، وتوحيد الصف، والاعتصام بحبل الله، لأن العمل بغير ذلك يؤدي إلى هلاك المجتمع، فضلا عن أن لا بناء ولا نهضة لأي مجتمع بدون ترابط وتوحد بين أفراده.
الخبر
21/07/2025 - 00:31
الخبر
21/07/2025 - 00:31
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال