مما هو محفوظ ومستقر عند أهل العلم أن المسائل الخلافية تبقى كذلك، وبالتالي فإن إحداث ضجة وبلبلة هو شأن البطالين، ومن تلكم المسائل الخلافية اجتماع العيد مع الجمعة.
اتفق الفقهاء على أن من صلى العيد يوم الجمعة وصلى الجمعة، فإن صلاة الظهر تسقط عنه، مسافرا كان أو مقيما، رجلا كان أو امرأة، صحيحا كان أو سقيما، واختلفوا فيمن صلى العيد ممن تجب عليه الجمعة ولم يصلها هل تجزئ العيد عن الظهر أم تبقى الظهر واجبة في ذمته؟ اختلفوا في ذلك على قولين:
الأول: يرى أصحابه أن ترك صلاة الجمعة يكون رخصة في يوم العيد لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمِّعون”. والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ”أجزأه من الجمعة”، ففي هذا ترخيص لترك الجمعة، غير أنه ليس هناك من دليل في إسقاط فرض الظهر عمن جاز لهم الترخُّص للجمعة، وتبقى بالتالي الذمة مشغولة بالظهر على الأصل على كل من لم يحضر الجمعة.
القول الثاني: مال أصحابه إلى أن من صلى العيد في يوم الجمعة فقد أجزأت عنه صلاة الجمعة اتفاقا مع أصحاب القول الأول، إلا أنهم أسقطوا عمن لم يصلِّ الجمعة صلاة الظهر أيضا، واستدلوا بما يلى: قوله: ”اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمِّعون إن شاء الله”. والشاهد قوله: ”أجزأه من الجمعة”، فقالوا بأن الإجزاء كالأداء، وبالتالي لا صلاة ظهر عليه لوقوع إجزاء المبدل. قال عطاء: صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال: ”أصاب السنة”. والشاهد أنه لم يخرج لهم وقت الجمعة، وأن ابن عباس صوَّب ذلك ناسبا له أنه من السنة. فمما يلاحَظ أن أقوى ما استدل به أصحاب القول الثاني هو قوله: ”أجزأه من الجمعة”، وفهموا أن مدلوله من برئت ذمته من الجمعة، فقد برئت ذمته من الظهر أيضا إذا صلى العيد يوم الجمعة. قال الشوكاني رحمه الله: ”إن الجمعة إذا سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر، وإليه ذهب عطاء، والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة الأصل”. إذا، فعند التأمل نجد أن الفريقين قائلان بالترخيص لمن صلى العيد ألا يصلي الجمعة، واختلفوا هل يجزئه ذلك أيضا عن الظهر أم لا!!
ترى ما رأي السادة المالكية في المسألة؟ أخرج الإمام مالك في موطئه من حديث عثمان رضي الله عنه قال: ”إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له”. وسئل زيد بن أرقم: ”أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قيل: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد، ثم رخص في الجمعة فقال: ”من شاء أن يصلي فليصل”. جاء في المدونة: قال مالك: ولم يبلغني أن أحدا أذن لأهل العوالي إلا عثمان، قال ابن القاسم: ولم يكن مالك يرى الذي فعل عثمان، وكان يرى أن من وجبت عليه الجمعة لا يضعها عنه إذن الإمام.
إذا، فالإمام مالك رحمه الله يرى أن الجمعة لا تسقط أصلًا إذا اجتمعت مع العيد، في حين أن أصحاب الرأيين السابقين يرون أنها تسقط، وعَدُّوا ذلك من باب الرخصة، واختلفوا: هل سقوطها يجزئ عن الظهر أم لا؟ ترجيح
إن القائلين بسقوط الجمعة قالوا: إن الجمعة اختصت بالخطبتين، وقد حصلت لمن حضر العيد، أو أن شهود العيد يحصل مقصود الاجتماع، فهذا قد يكون صحيحا إذا قيل إن الحكمة في صلاة الجمعة هي الاستفادة من سماع الخطبة أو الاجتماع والتلاقي، ولكن لا بد من ملاحظة هامة وهي أن صلاة العيد سُنة، وقد يغيب عنها الكثيرون، أضف إلى ذلك أن الجمعة فيها من الحِكم والفضائل الخير الكثير غير سماع الخطبة، وحصول الاجتماع مما لم يرد في صلاة العيد، وحيث إن أهل العوالي والمساكن النائية يشق عليهم الرجوع للجمعة فرُخِّص لهم في تركها، أما في هذه الأزمنة، فقد خفت المشقة إن لم نقل انعدمت بوسائل النقل التي سهّلت الصعب وقرّبت البعيد. فمع توفر هذه الوسائل، فلا عذر في ترك الجمعة ولو شهد العيد، وأهم من هذا وذاك ما حصل من كثرة المساجد، حتى إنك لتجد العشرات في البلدة الواحدة، عكس ما كان عليه الحال في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين، فليس هناك من مسجد تقام فيه الجمعة سوى المسجد النبوي.. والله ولي التوفيق.
*إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي
الخبر
01/06/2025 - 23:18

الخبر
01/06/2025 - 23:18
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال