اسلاميات

النية وما شرعت لأجله

المقصود الأعظم بالنية في جميع الأقوال والأفعال مرتبتان هما: تمييز العادات عن العبادات، وتمييز العبادات بعضها عن بعض

  • 107
  • 2:57 دقيقة
الدكتـور عـز الديـن بـن زغيبـة
الدكتـور عـز الديـن بـن زغيبـة

اعلم أن المقصود الأعظم بالنية في جميع الأقوال والأفعال مرتبتان هما: تمييز العادات عن العبادات، وتمييز العبادات بعضها عن بعض، كالوضوء والغسل مثلا فقد يقصد بهما الإنسان حال قيامه بهما التبرد أو التنظيف أو لأداء عبادة معيّنة، فهما يترددان بين هذه الأمور ولا تتعيّن الجهة المقصودة إلا بالنية، وكذلك الإمساك عن المفطرات فقد يكون لعدم الحاجة إلى الطعام، وقد يكون للتداوي من مرض معيّن، وقد يكون لحمية التزم بها الإنسان من أجل رشاقته مثلا، وقد يكون لأجل العبادة (الصيام)، ومن هذا القبيل بذل المال للغير؛ قد يكون من باب الهبة أو الصدقة أو الرشوة أو المجاملة لغرض دنيوي، أو الكفارة، وغير هذه الأمثلة كثير.

هذا في التمييز بين العادات والعبادات، وأما التمييز بين العبادات بعضها عن بعض فمثاله الوضوء والغسل والصلاة والصيام، فهذه جميعها قد تكون فرضا وقد تكون نفلا وقد تكون نذرا، وغيرها كثير أيضا ويترتب على ما سبق أمور:
أولها: عدم اشتراط النية في عبادة لا تكون عادة للإنسان أو لا تلتبس بغيرها كالإيمان والعرفان والخوف والرجاء والأذان والأذكار والتلاوة وقراءة القرآن لأنها متميزة بصورتها.

ثانيها: ما يلتبس بغيره من العبادات، فهذا اشترط فيه التعيين، قال النووي في شرح المهذب: (ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ”إنما لكل امرئ ما نوى”، فهذا ظاهر في اشتراط التعيين لأن أصل السنية فهم من أول الحد:يث ”إنما الأعمال بالنيات”). فمن ذلك الصلاة، فيشترط التعيين في الفرائض لتساوي الظهر والعصر فعلا وصورة، فلا يميز بينهما إلا التعيين وكذلك في النوافل المطلقة كالرواتب فيعيّنها بإضافتها إلى الظهر مثلا، وكذلك التي قبلها أو التي بعدها، وكذلك العيدين يعيّنهما بالفطر والنحر، ولكن الصحيح المعتمد عند الحنفية في مسألة السنن والرواتب عدم اشتراط النية لأنها تصح بنية النفل، وبمطلق النية.

وقد وضع ابن نجيم لذلك ضابطا، حيث قال: ”الضابط في هذا البحث التعيين لتمييز الأجناس، فنية التعيين في الجنس الواحد لغو لعدم الفائدة، والتصرف إذا لم يصادف له محلا كان لغوا. ويعرف اختلاف الجنس باختلاف السبب، والصلاة كلها من قبيل المختلف حتى الظهرين من يومين أو العصرين من يومين، بخلاف أيام رمضان فإنه تجمعها شهود الشهر.

ثالثها: إن الذي يخاطب به المكلف نوعان: أمر مقصود فعله وأمر مقصود تركه. فأما المقصود فعله فهذا لابد فيه من نية، وقد سبق الحديث عنه، وأما المقصود تركه كإزالة النجاسة من الثوب والبدن والمكان المعد للعبادة وأداء الديون الواجبة وغيرها، فلا تحتاج إلى نية. أما بخصوص النواهي كترك الزنا وجميع الفواحش، فإنها لا تحتاج إلى نية البتة لمجرد القصد ولا غيره، بل يحصل اجتناب النواهي بكونها لم توجد.

تنبيه: لقد تبيّن لنا أن الترك والنواهي لا تحتاج إلى نية، لكن إذا أراد القائم بها الثواب عليها فعندها لابد له من نية التقرب لله تعالى، وكذلك فإن من هم بمعصية ونوى الكف عنها يثاب على ذلك، فتبيّن بهذا أن للنية مدخلا في الثواب.

هذا بخصوص اشتراط النية في الفعل وعدم اشتراطها، أما فيما يتعلق بتعيين المنوي وعدم تعيينه فله صور أخرى نذكرها فيما يلي: 1- ما لا يشترط التعرض له جملة أو تفصيلا إذا عيّنه المكلف وأخطأ في تعيينه لم يضر فعله، كتعيين مكان الصلاة وزمانها، وكذا إذا عيّن الإمام من يصلي خلفه، أو صلى في الغيمن أو صام الأسير ونوى الأداء والقضاء فبان خلافه. 2- ما يشترط فيه التعيين فأخطأ المكلف في تعيينه، فإن ذلك الخطأ يكون مبطلا للمنوي كالخطأ من الصوم إلى الصلاة وكذلك العكس، ومن صلاة الظهر إلى صلاة العصر وغيرها. 3- ما يجب التعرض له جملة ولا يشترط تعيينه تفصيلا، فإذا عيّنه المكلف وأخطأ في تعيينه ضر بالفعل، ومن أمثلة ذلك: لو نوى قضاء ظهر يوم الإثنين مثلا ولكن ما ترتب عليه من القضاء هو ظهر يوم الثلاثاء ولم يجزئه ذلك، وكذلك لو نوى ليلة الاثنين صيام يوم الثلاثاء لم يصح ذلك منه بلا خلاف، ومن هذا القبيل لو تعلقت بذمته كفارة الظهار فأداها بنية كفارة القتل لم تجزئه.