قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: تأملت على متزهدي زماننا أشياء تدل على النفاق والرياء، وهم يدَّعون الإخلاص، منها أنهم يلزمون زاوية فلا يزورون صديقا، ولا يعودون مريضا، ويدَّعون أنهم يريدون الانقطاع عن الناس اشتغالا بالعبادة، وإنما هي إقامة نواميس ليُشار إليهم بالانقطاع؛ إذ لو مشوا بين الناس زالت هيبتُهم، وما كان الناس كذلك، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض، ويشتري الحاجة من السوق، وأبو بكر رضي الله عنه يتجر في البز (القماش)، وأبو عبيدة بن الجراح يحفر القبور، وابن سيرين يغسل الموتى، وما كان عند القوم إقامة ناموس، وأصحابنا يلزمون الصمت بين الناس والتخشع والتماوت، وهذا هو النفاق، فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار بين الناس، ويبكي بالليل.
وقد رأيت من المتزهدين من يلزم المسجد ويصلي فيجتمع الناس فيصلون بصلاته ليلا ونهارا، وقد شاع هذا له، فتَقْوى نفسُه عليه بحب المحمدة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة التطوع: ”اجعلوا هذه في البيوت”، وفي أصحابنا من يظهر الصوم الدائم، ويتقوت بقول الناس: ”فلان ما يفطر أصلا”، وهذا الأبله ما يدري أنه لأجل الناس يفعل ذلك، ولولا هذا كان يفطر والناس يرونه يومين أو ثلاثة حتى يذهب عنه ذلك الاسم ثم يعود إلى الصوم.
وقد كان إبراهيم بن أدهم إذا مرض يترك عنده من الطعام ما يأكله الأصحاء، ورأيت في زهادنا من يصلي الفجر يوم الجمعة بالناس ويقرأ المعوذتين، والمعنى قد ختمت! فإن هذه الأعمال هي صريحة في النفاق والرياء.
فالله الله في إصلاح النيات، فإن جمهور هذه الأعمال مردودة، قال مالك بن دينار: وقولوا لمن لم يكن صادقا لا يتعنى. وليعلم المرائي أن الذي يقصده يفوته، وهو التفات القلوب إليه، فإنه متى لم يخلص حُرم محبة القلوب، ولم يلتفت إليه أحد، والمخلص محبوب، فلو علم المرائي أن قلوب الذين يرائيهم بيد من يعصيه لما فعل.
وكم رأينا من يلبس الصوف ويُظهر النسك فلا يُلتفت إليه، وآخر يلبس جيد الثياب ويبتسم والقلوب تحبه. نسأل الله عز وجل إخلاصا يخلّصنا، ونستعيذ به من رياء يبطل أعمالنا إنه على ذلك قدير.
* إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي
الخبر
05/10/2025 - 22:58
الخبر
05/10/2025 - 22:58
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال