تداعى ثلة من المواطنين المخلصين في حب وطنهم بالتعاون مع وزارة الفلاحة إلى غرس مليون شجرة، يوم السبت القادم، الموافق للخامس والعشرين من شهر أكتوبر، وبهذه المناسبة العظيمة نبين في هذا المقال أهمية وفضل الزراعة والتشجير في ديننا الإسلامي.
لقد امتن الله تعالى على الناس بنعمة النباتات أعظم امتنان، ودعاهم على شكره بالعبادة، فقال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون}.
وبلغت عناية الإسلام واهتمامه بالبيئة الزراعية أن حض على الغرس والزرع، ورتب أجرا على ما يؤكل من ثمار هذا الزرع؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: ”ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة.. إلا كان له به صدقة”، بل وفي رواية أخرى جعل ما يُسرق من هذا الزرع من باب الصدقة أيضا، وكذلك كل ما ينقص منه بأي طرقة من الطرق؛ وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: ”ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أُكل منه له صدقة، وما سُرق منه له صدقة، ولا يرزؤه (ينقصه) أحد إلا كان له صدقة”.
وإدراكا منه صلى الله عليه وسلم لما يحتاجه الزرع من وقت ورعاية ربما تأخذ الكثير من الوقت.. أكد صلى الله عليه وسلم على ثواب ذلك وأجره عند الله تعالى؛ فعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: ”من نصب شجرة، فصبر على حفظها، والقيام عليها حتى تثمر؛ فإن له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله عز وجل”.
والأمر بغرس الأشجار والنباتات إلى آخر لحظة من حياة الإنسان وحياة الكون، ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: ”إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة؛ فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها”. وقد أدرك ذلك المعنى أبو الدرداء رضي الله عنه؛ حيث روي أن رجلا مرَّ به، وهو يغرس جوزة (شجرة جوز) فقال: أتغرس هذه وأنت شيخ كبير، وهي لا تثمر إلا في كذا وكذا عاما؟! فقال أبو الدرداء: ”ما عليَّ أن يكون لي أجرها، ويأكل منها غيري”. لقد جاءت الأحاديث النبوية الشريفة وافية بالوعظ والإرشاد لما فيه خير العباد في كل ما يهم المسلم، وكذلك في أمر النباتات فلقد حث الرسول صلي الله عليه وسلم على الزراعة لما في ذلك من فائدة للإنسان والحيوان.
الزراعة سمة حضارية وإنسانية، فإن الأمم في القديم وفي الوقت الحاضر تتسابق في التفنن في تخضير مدنها وأراضيها بالحدائق والبساتين والمسطحات والمواقع الخضراء وما شابه ذلك. إن التخضير والتشجير والغرس بصورة عامة يرتبط بقوة في حياة الإنسان منذ أن وجد على هذه الكرة الأرضية وحتى الآن وإلى قيام الساعة.
وزراعة الأرض وإعمارها من فروض الكفاية التي يجب على المسلمين بمجموعهم القيام بها، فإن أقامه بعضهم أصبح مندوبا أو مباحا في حق الآخرين. قال القرطبي: ”الزراعة من فروض الكفاية، فيجب على الإمام أن يجبر الناس عليها، وما كان في معناها من غرس الأشجار”؛ ومعنى كونها فرضًا على الكفاية؛ أن الزراعة، وغرس الأشجار وإعمار الأرض، تبقى فريضة قائمة على الأمة الإسلامية ما لم تتحقق كفايتها، واستغناؤها عن غيرها إذا كان ذلك في مقدورها ووسعها، فإن لم تفعل تبقى مقصرة تاركة لهذه الفريضة ما دامت مستوردة معتمدة على الغير في مواردها الزراعية والغذائية، وعلى الإمام في هذه الحالة أن يجبر على الزراعة والغرس والفلاحة من تتحقق بإجبارهم تلك الكفاية في المجالات المختلفة.
وبلغ من عناية الإسلام بالنبات والزرع أنه وصف من يقطع الزرع والنبات دون فائدة، وصفه بالفساد في الأرض، قال تعالى: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}، وتوعد من يقطع النبات دون فائدة بدخول النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار”. قال أبو داود في شرحه: ”يعني من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه في النار”. لهذا، ندعو الجميع للمشاركة في هذه المبادرة الطيبة، وأن يتسابق المواطنون في عملية الغرس والتشجير لما فيها من فوائد دينية ودنيوية وبيئية.
الخبر
20/10/2025 - 00:06
الخبر
20/10/2025 - 00:06
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال