اسلاميات

من فقه الرجل الاقتصاد في الحب والبغض!!

قال ابن الجوزي رحمه الله: مَن أراد اصطفاء محبوب، فالمحبوب نوعان: امرأة يقصد منها حُسن الصورة، وصديق يقصد منه حسن المعنى

  • 270
  • 1:57 دقيقة
الشيخ عبد المالك واضح*
الشيخ عبد المالك واضح*

قال ابن الجوزي رحمه الله: مَن أراد اصطفاء محبوب، فالمحبوب نوعان: امرأة يقصد منها حُسن الصورة، وصديق يقصد منه حسن المعنى، فإذا أعجبتك صورة امرأة فتأمل خلالها الباطنة قبل أن يتعلق القلب بها تعلقا محكما، فإن رأيتها كما تحب وأصل ذلك كله الدين كما قال: ”عليك بذات الدِّين” فَمِل إليها واستولدها، وكن في ميلك معتدلا، فإنه من الغلط أن تظهر لمحبوبك المحبة، فإنه يشتط عليك، وتلقى منه الأذى والتجني والهجران والإذلال، وطلب الإنفاق الكثير وإن كانت تحبك؛ لأن هذا إنما يجتلبه حب الإذلال والتسلط على المقهور.
وثم نكتة عجيبة، وهي أنك ربما عملت بمقتضى الحال الحاضرة، وهي تحكم بكمال الحب، ثم إن ذلك لا يثبت إليك فتقع وتبقى مقهورا، أو يصعب عليك الخلاص، وربما تمكنت منك بمعرفة سرك أو بأخذ كثير من مالك. ومن أحسن ما بلغني في هذا أن جارية لبعض الخلفاء كانت تحبه حبا شديدا، ولا تظهر له ذلك، فسئلت عن هذا فقالت: لو أظهرت ما عندي فجفاني هلكت، قال الشاعر:
لا تظهرن مودة لحبيب
فترى بعينك منه كل عجيب
أظهرت يوما للحبيب مودتي
فأخذت من هجرانه بنصيبي
وكذا ينبغي أن تكتم بعض حبك للولد، لأنه يتسلط عليك، ويضيِّعُ مالك، ويبالغ في الإذلال، ويمتنع عن التعلم والتأدب، وكذلك إذا اصطفيت صديقا وخَبَرْتَهُ، فلا تخبره بكل ما عندك، بل تعاهده بالإحسان كما تتعاهد الشجرة، فإنها إذا كانت جيدة الأصل حسنت ثمرتها بالتعاهد، ثم كن منه على حذر فقد تتغير الأحوال.
وأما إذا أبغضت شخصا فلا تظهرن ذلك، فإنك تنبهه على أخذ الحذر منك، وتدعوه إلى المبارزة، فيبالغ في حربك والاحتيال عليك، بل ينبغي أن تظهر له الجميل إن قدرت، وتَبَرَّه ما استطعت حتى تنكسر معاداته بالحياء من بغضك، فإن لم تطق فهجر جميل، ومتى سمعت منه كلمة قذعة فاجعل جوابها كلمة جميلة، فهي أقوى في كف لسانه، وكذلك جميع ما يخاف إظهاره فلا تتكلمن به، فربما وقعت كلمة أسقطت بها عز السلطان، فنُقلت إليه فكانت سبب هلاكك، أو عن صديق فكانت سبب عداوته، أو صرت رهينا لمن سمعها خائفا أن يظهرها، فالحزم كتمان الحب والبغض.
وكذا ينبغي أن تكتم سنك فلا تلغو به بين الناس، فإن كنت كبيرا استهرموك وإن كنت صغيرا استحقروك، وكذلك مقدار مالك، فإنه إن كان كثيرا نسبوك في نفقتك إلى البخل، وإن كان قليلا طلبوا الراحة منك، وكذلك المذهب، فإنك إن أظهرته لم تأمن أن يسمعه مخالف فيقطع بكفرك، وقد أنشدنا محمد بن عبد الباقي البزار:
احفظ لسانك، لا تبح بثلاثة
سن ومال، ما استطعت ومذهب
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة
بمموه ومخرف ومكذب

*إمام مسجد عمر بن الخطاب -
بن غازي - براقي