اسلاميات

أنتَ من خذل غزّة!!

كل إنسان في قلبه مثقال ذرّة من رحمة وإنسانية يتقطّع قلبه أسى وحزنا على إخواننا الغزيين وما يتعرضون له من إبادة جماعية بمباركة دولية!

  • 884
  • 4:24 دقيقة
الدكتور يوسف نواسة
الدكتور يوسف نواسة

كل إنسان في قلبه مثقال ذرّة من رحمة وإنسانية يتقطّع قلبه أسى وحزنا على إخواننا الغزيين وما يتعرضون له من إبادة جماعية بمباركة دولية!، وكل إنسان حر شريف إلا وهو متحرق على وقف هذه المحرقة!، ومتوثب للإسهام ولو بالشيء القليل الضئيل لتخفيف المعاناة على أهل غزة، والمشاركة ولو بأقل القليل في مسارات وقف العدوان الوحشي عليهم!.

ثم مهما اختلفنا في نظرتنا لما يحدث هنالك، ومهما اختلفت مواقفنا وتوجهاتنا، ومهما اختلفت قناعاتنا وتحليلاتنا، فإننا نتفق على أنه لو اتخذت الدول العربية خاصة والدول الإسلامية عامة موقفا حاسما لما طال أمد الحرب كل هذه المدة!، ولما بلغت الهمجية هذا الحد الذي بلغته!، ولما بلغ صلف الصهاينة والأمريكان وجرأتهم وطغيانهم الوحشية البربرية التي بلغوها!.

أظن أن المقدمتين السالفتين مسلمتان بينتان، لا تحتاجان إلى استدلال وكثير كلام، وعليه فالسؤال الأهم في هذا السياق: من الذي خذل غزة بحق؟، وهو يضاهي السؤال البديهي الذي يجب أن يطرحه كل واحد منا: ما الذي يجب علي فعله؟، أو هو أكثر مطلوبية منه!، ذلك أن ما يجب فعله واضح ظاهر، والسؤال عنه تغافل أو تغابٍ، إذ يكفي أن نقول فيه: يجب على كل إنسان بذل كل ما يمكنه بحسب كل واحد وحاله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره}، وكل من استطاع أن يعينهم بمثقال ذرة وتقاعس عن ذلك فهو آثم، وحسابه عند ربه. أما المخذّلون [خاصة المخذّلون باسم الإسلام وبالفتاوى المتصهينة!] والمطبّعون فويل لهم ثم ويل لهم عند رب العالمين!. والموت نهاية كل حي في الدنيا وعند الله تجتمع الخصوم، وفي أشباه هؤلاء قال الحق جل جلاله: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون * الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين}.

أما السؤال الأهم فيحتاج جوابه إلى توضيح، ذلك أنه من السهل أن نقول: إن المجتمع الدولي بكل مؤسساته هو من خذل غزة!، ونحن نعلم أنها دائما في خدمة مصالح الغرب ودوله خاصة الكبرى منها. أو أن نقول: إن الدول الكبرى وفي مقدمتها دول مجلس الأمن هي من خذل غزة!، وهذا غباء مزمن، فلم يحدث أن أشفقت الذئاب الجائعة على الحملان الوديعة، خاصة أن الكيان الصهيوني ما هو إلا ربيبهم وصنيعتهم، وكلهم معترفون بحقه في الوجود الموهوم ودفاعه عن النفس المزعوم!. ولم يبق إلا أن نقول: إن الأنظمة العربية والإسلامية هي من خذلت أهل غزة، فهي المطالب الأول بنصرتهم، وهي القادرة على نصرتهم، وكما سبق أن ذكرت: موقف موحّد واحد منها كان سيوقف الإبادة في أيامها الأولى!، ولهذا سابقة تاريخية تؤكد ذلك، فالكل يذكر الموقف العربي في السبعينات بوقف تصدير النفط وكيف شلّ العالم، وجعل دول الغرب تناور وتفاوض وتخضع، بغض النظر عن اختلافنا في تقويمه وتقويم نتائجه، وتحديد الخلفيات السياسية التي دفعت إليه، ومن استفاد منه أكثر؟!.

إن التعمق في فهم الوضع يتطلب منا أسئلة أعمق من مجرد تحميل المسؤولية جهة ما، فموقف الأنظمة العربية الإسلامية عموما [إلا...] يطرح أسئلة عدة: لماذا لم ترق مواقفها إلى مستوى المعركة؟، لماذا لم تتخذ موقفا مشرفا وحاسما من القضية؟، وهل هي في صف الأمريكان والصهاينة أم في صف غزة وفلسطين؟، وهل هي متواطئة مع الأمريكان الصهاينة أملا في القضاء على حماس والقسام والمقاومة؟. والسؤال الأهم في نظري: هل هي تمثل موقف شعوبها؟، أو هل تمتلك الشرعية الشعبية وتصدر عنها في قرارتها وموقفها أم أنها في واد وشعوبها في واد آخر؟... إلخ.

لن أقف لأجيب عن كل هذه الأسئلة وما تستبعه من أسئلة، ولكني على يقين أن مواقف الأنظمة العربية والإسلامية في الغالب لا تمثل مواقف شعوبها، بل هي متناغمة مع الموقف الصهيوني، أي داعمة له من طرف خفي، لا يخفى على العقلاء!، ولو كانت شرعية هذه الأنظمة قائمة على إرادة شعبية حرة وحقيقية لما وسعها إلا أن تقف مع شعوبها على عتبة واحدة، وتتخذ المواقف البديهية التي تطالب بها كل الشعوب العربية والإسلامية [والغريب حتى الشعوب الغربية]، ولأعلنت الحرب على الكيان الصهيوني، ودافعت عن غزة وفلسطين بالصواريخ والطائرات كما فعلت أمريكا وبريطانيا وفرنسا حين دافعوا عن الكيان بجيوشهم، معلنين ذلك مفاخرين.. لكن: لا سمح الله!!.

أمام هذا الحال أعود فأقول: أنتَ من خذل غزّة!، (أنت) خطاب لكل عربي ومسلم، نعم أنت من خذل غزة، ليس اليوم، وليس عند انطلاق طوفان الأقصى المبارك بأيامه المئتين!، بل منذ عقود من الزمن، حين تدثّرت بالتشاؤم، ورددت: هذه البلاد لا خير فيها ولن تنصلح!، وحين رفعت شعار: (تخطي راسي!)، وصرت لا تهمك إلا مصالحك وأمورك الشخصية!، وحين تبنيت الحكم على كل من يريد التغيير والإصلاح بأنهم (قاع كيف كيف!)، وحين اتهمت كل العاملين في ميادين الإصلاح بأنهم طلاب كراسي ولا تهمهم إلا مصالحهم، واتخذت ذلك مسوغا لتقاعسك وللتسليم بالواقع المرّ!، وحين اعتقدت بالخلاص الفردي حتى في تدينك، فالمهم عندك أن تدخل الجنة بالعبادات العينية، ولتذهب الأمة إلى الذل والهوان!، وحين صار يقال للواحد منا: تعالى نتعاون على البر والإصلاح، فيقول: (خاطيني)، وبدعة، ويجوز ولا يجوز، وو و... بتعبير أوضح: أليس أنظمة الدول العربية والإسلامية هي المسؤول الأول عن وقف ما يحدث، بل عن تحرير فلسطين كل فلسطين؟.. إذًا لو عملنا جميعا على أن تكون الأنظمة التي تحكم بلاد العرب والمسلمين تمثل شعوبها حق تمثيل بشرعية كاملة؛ لكفتنا اليوم مواقف هذه الدول العربية والإسلامية عن الخوض في هذا الموضوع أصلا!، ولكانت مواقفها هي العامل الحاسم في المعركة، بل لما تجرأ الأمريكان والصهاينة على اقتراف ما اقترفوه!، ولما وصل الوضع إلى هذا الحال الكارثي المخزي، ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول: إنك ظالم، فقد تُودِّع منهم» رواه أحمد والطبراني.
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

لمعرفة المزيد حول هذه المواضيع