لا شك أن إمام المسجد له مكانة عند الله تعالى؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمَن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين». والأئمة مبلغون لدين الله، داعون إلى كل خير وفضيلة، والدعاة إلى الله هم خير الناس، فهم الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر، القائمون على حدود الله، الذائدون عن دين الله، الصالحون المصلحون الذين أثنى الله عليهم وامتدحهم في مواضع عديدة، قال تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}.
الإمام هو عماد المسجد وقوته، به يؤدي المسجد رسالته في نشر الدعوة وتوعية المجتمع، وتبصير الناس بأمور دينهم، ذلك لأن المسجد هو أول المؤسسات التي انطلق منها شعاع العلم والمعرفة في الإسلام، وإن روح المسجد ورسالته التربوية والأخلاقية والتوجيهية ينبغي أن تسري في المجتمع كله، توجيها وتعليما ومناهج وسلوكا، ولقد ثبت أن الرجال الذين تمت صناعتهم في المسجد كانوا دائما على مستوى المسؤولية، صدقا في الكلام والفعل، ونظافة في اليد، وطهارة في القلب، ونقاء في السريرة، ووفاء بالعهد، وشجاعة في الحق.
ومن هنا تظهر أهمية هذه الوظيفة في حياة الناس؛ إذ إن قوة الأئمة تبدو على مجتمعاتهم، وضعفهم يظهر أثره في تلك المجتمعات؛ ومن أجل هذا تعدّ الإمامة رسالة عظيمة ومهمة جسيمة، يوفّق الله للقيام بها على الوجه المطلوب دعاة الحق وصفوة الخلق، حماة الدين وحراس العقيدة، فيتعلم على أيديهم الجاهل، ويستيقظ من أجل مواعظهم الغافل، ويهتدي بهم السالك، وتسمو بتوجيهاتهم النفوس، وتزكو الضمائر، وتتهذب الأخلاق.
يحظى إمام المسجد في المجتمع بتقدير كبير باعتباره يؤم بهم في أعظم ركن في الإسلام بعد الشهادتين وهو الصلاة، ولخمس مرات في اليوم، بما يجعل هذه العلاقة الدينية الوثيقة تأخذ بعدا اجتماعيا بنفس القدر من العمق، ويحكمها القرب والاتصال والتواصل اليومي، خاصة في الأحياء والقرى والمدن الصغيرة، حيث نتعلم ونقرأ القرآن في المسجد ونحفظه على يد الإمام، ويقوم بإصلاح اعوجاجنا وتقويم أخلاقنا، وتصحيح الخلل الذي يمكن أن يحدث في عقيدة الناس وعباداتهم، كما يقوم بوظيفة إصلاح ذات البين بين المتخاصمين من الأفراد أو بين جماعة وأخرى وهكذا...
إن رسالة إمام المسجد في المجتمع تقتضي أن يكون رفيع الأخلاق، متسلحا بالعلم والإيمان والوسطية، مداوما على مسجده، رفيقا بالمصلين معتدلا في صلاته فلا يطول فيها ولا يقصر، قريبا من الناس ومنفتحا على مختلف فئاتهم، لاسيما الشباب، رحيما بهم، يشارك أفراحهم ويواسيهم في أتراحهم، مطلعا على واقع وإشكالات مجتمعه وجماعته؛ حتى يتسنى له الإسهام في معالجتها وفق كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم، من خلال الخطب والدروس والمواعظ.
ولعل من مهمة إمام المسجد التفرغ لشؤون المسجد بشكل تام، بحيث لا يجوز له أن يعمل بالتجارة أو أمثالها، بل عليه أن يتفرغ بشكل تام لذكر الله وإقامة الصلاة ونشر العلم والفضيلة بين الناس، وهو ما بيّنه مفهوم الآية الكريمة بقوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار، ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب}.
كما يجب على الإمام أن يسعى إلى تعميق روح التعاون وعرى التكافل بين المسلمين، بحيث تنتشر الأخلاق الكريمة وتتزايد في ظل الإخاء والتسامح والتساوي، قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.
حري بإمام المسجد أن يقوم بدوره البنّاء في التربية الاجتماعية، لأنه أحد أركان التوجيه والإشعاع في المجتمع، ومنبر الهداية، والإرشاد لجميع المسلمين على مختلف طبقاته وألوانه، وهو قدوة للمصلين، ومرآة للإسلام عند كثير من المسلمين، ومُبلّغ لأمور الدين لأكثر المؤمنين، لا يجد كثير من الناس مفتيا ومعلما سواه، برِفقه وحكمته يحبّب الناس في بيوت الله، هذا هو دور إمام المسجد المنشود، فدوره لا يقف عند إمامة المصلين، بل يتعدى للإمامة في جميع أمور الدين.
لذا، عليه التوسط في إدارته للمسجد؛ فلا إفراط ولا تفريط، فيعتدل في إدارة شؤون المسجد، فلا يتعنت ولا يتساهل، ويرفق في التعامل مع المصلين؛ فيأخذ في غالب أفعاله وأقواله بالأسهل والأحسن للمصلين، ويحرص على تخفيف الصلاة مراعاة للضعفاء وأصحاب الحاجات، قال صلى الله عليه وسلم: ”إذا أمّ أحدكم الناس فليُخفّف؛ فإن فيهم الصغير والكبير، والضعيف والمريض، فإذا صلّى وحده فليصل كيف شاء”. ويبعد عما ينفّر الناس في مواعظه؛ فلا يركز وعظه ودروسه على أخطاء الناس، وإنما يذكرها تارة بالتعريض، وتارة بطريقة غير مباشرة، فينبغي أن يكون الإمام في ذلك حكيما ورفيقا وميسرا وليس معسرا. فيتعلّم المسلم ويتربّى في المسجد على محبة إخوانه المؤمنين، فتشيع آصرة الأخوة والمحبة بين المؤمنين، فالمسجد كفيل بإيجاد تعارف أخوي إيماني، حيث يستشعر المسلم أهمية أن يكون مع إخوانه يؤدون شعائر دينهم.
الخبر
21/09/2025 - 23:48
الخبر
21/09/2025 - 23:48
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال